السعودية والجنوب بين المؤامرة واستثمار الفرص

> كتب/ باشراحيل هشام باشراحيل

>
  • مسئولون سعوديون:دعمنا للوحدة لا يعني أن سياسة المملكة ضد الانفصال
  • الجنوب جزء من رؤية المملكة 2030م
  • أطفال نشطاء يصنعون شرخا جديدا بين الجنوب والسعودية
> هناك الكثير من اللغط حول دور المملكة العربية السعودية في اليمن، خصوصاً في الجنوب حيث تنتشر نظريات المؤامرة السعودية الداعمة للإخوان ضد الجنوبيين، ومن ضمنها بأن جميع الأسلحة الموجهة من قبل مليشيات حزب الإصلاح في أبين وشبوة هي سعودية بالأصل مما عزز من تلك الشكوك.

لكن نفس الأشخاص الذين يروجون لهذا الكلام المناهض للسعودية لا يقولون لكم الحقيقة، وهي إن رواتب القوات الجنوبية التي تقاتل مليشيات حزب الإصلاح تتسلم رواتبها بالكامل من المملكة وإن الذخائر والعتاد العسكري الذي يدافع به الجنوبيون عن أرضهم هو من المملكة، وجميع مشاريع الإعمار الحالية من مدارس وطرقات ومطارات وخدمات هي أيضا من المملكة، فمنذ العام 2011 لم تُبنَ في الجنوب أية مدرسة أو مركز صحي أو طرق أو خدمات ذات معنى.
اليوم هناك حملة منظمة ضد المملكة في الجنوب تستهدف الجنوبيين، بغرض وقف التقارب الجديد بين المملكة والجنوب والذي لم يوجد منذ 1967.

استطاع الجنوبيون والمجلس الانتقالي الجنوبي خرق الجدار الذي بنته القوى السياسية في الشمال بين السعودية والقوى الجنوبية، ولا يعلم الجيل الجديد شيئا عن هذا الجدار الذي ساهم عدد من مجانين الجنوب في بنائه ويحاول بعض المجانين الجنوبيين إعادته وهنا يجب أن نعرف ما حصل.

بعد استقلال الجنوب العربي تمكن فصيل حوشي في الحزب الاشتراكي اليمني من فرض تسمية "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"  على كامل أراضي الجنوب واعتماد الشيوعية الاشتراكية العلمية كمنظومة للحكم دمرت الجنوب اقتصادياً وكانت تجربة مريرة للجنوبيين أجمعين.

لكن الجمهورية الوليدة أخذت على عاتقها مناوشة الجيران فلم تسلم سلطنة عمان ولا المملكة العربية السعودية، وشكلت تهديدا أمنيا مستمرا للمملكة، بينما على النقيض من ذلك تمتعت الجمهورية العربية اليمنية بعلاقات طيبة مع المملكة حكمها الشيخ عبدالله الأحمر كعامل استقرار في العلاقة.

وعلى الرغم من معاداة النظام الحاكم في الجنوب حتى العام 1990م للمملكة تمتع أبناء الجنوب بامتيازات كبيرة فتم تجنيس العديد منهم ممن فروا من الجنوب، واستقر الحضارم وأبناء يافع والعديد من المحافظات الجنوبية فيها وعملوا وكونوا ثروات مهولة وعوملوا معاملة السعوديين.

للمرة الأولى في خمسين عاماً بدأ الجليد في الذوبان بين السياسيين الجنوبيين والسعوديين، لكن المملكة تبحث عن دماء جديدة تمثل شعب الجنوب ولا تمثل التجربة الاشتراكية السابقة والتي تسببت في أذية كبيرة لها.

السعودية 2030
هنا لابد من ذكر التغييرات التي تشهدها السعودية داخلياً والتي أحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجهة إصلاح الإدارة وتسريع التنمية.. فقد كانت آخر زيارة لي للمملكة في العام 2011م عندما كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المستشفى يخضع للعلاج وكنا نبحث عن مدى إصاباته... لم تعد الرياض أو المملكة ذلك البلد الذي كان حتى قبل خمس سنوات، فهناك تغييرات هائلة على المجتمع السعودي الذي بات أكثر انفتاحاً وتركيزاً على رفع مستويات المعيشة للمواطنين وكفاءة الحكم وإدارة الدولة.

هناك تغيير كبير في التعليم، فتجد السعوديين اليوم من أكثر شعوب المنطقة المهتمة بالتعليم وحققت المملكة على سبيل المثال تقدماً بمقدار عشر مراكز إلى المركز 42 عالمياً في العام 2020م في مجال المعرفة العالمي، وهو إنجاز كبير خصوصاً في العام 2020 حيث تخلفت دول عظمى وتراجعت في مراكزها.


هناك اهتمام كبير بالتنمية في السعودية وأهداف طرحها ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، لكن أم الإنجازات والتي لمسها الشعب السعودية هو الصرامة في التنفيذ ومكافحة الفساد... أصبح بإمكان السعودي أو السعودية اليوم أن يتصلوا بهاتف إدارة مكافحة الفساد للإبلاغ عن أي شكوى ويتم التعامل بسرعة وصرامة في هذا الموضوع بالذات فاستقامت الكثير من الأمور للمواطن السعودي.

تسبب الإصلاح الإداري في طفرة اقتصادية كبيرة في المملكة فتغيرت المدن السعودية بسرعة في السنتين الماضيتين حتى إنك لا تعد تعرف الرياض بعد هذا البناء السريع والمكثف.

اليوم هناك إدراك عميق لدى المسؤولين السعوديين بضرورة الاستقرار في الجوار الإقليمي للملكة لتحقيق تنمية شاملة ليس للملكة وحسب بل حتى لجيرانها، لأن ذلك ضمان لاستمرار النمو في المملكة.
بعكس جميع الدول الخليجية، المملكة هي الوحيدة التي لديها التعداد السكاني الكافي لضمان استمرار التنمية، ومدخل الجنوبيين الوحيد اليوم هو أن يضمنوا أنهم جزء من العملية التنموية في المملكة، وفرض كونهم مصلحة قومية للملكة العربية السعودية.

استقلال الجنوب ودعم المملكة العربية السعودية للوحدة
التقيت بالعديد من المسؤولين السعوديين خلال زيارتي القصيرة للرياض ووجهت لهم سؤالا: لماذا أنتم داعمون للوحدة؟ فكان الرد الدائم "لكننا لسنا ضد الانفصال".

استقلال الجنوب ودعم المملكة العربية السعودية للوحدة
استقلال الجنوب ودعم المملكة العربية السعودية للوحدة

تعتبر المملكة أن موضوع الوحدة والانفصال هو شأن داخلي لليمن لا يجب عليها التدخل فيه، لكنها تدعم الوحدة لأنه العرف الديبلوماسي بين الدول، فلا يمكن للمملكة أن تدعم علنا موضوع الانفصال لكنها ستدعم الدولة الجديدة حال انفصالها.
هناك تغيير جذري في سياسية المملكة العربية السعودية تجاه الجنوبيين، لكن المملكة تبحث عن عمل سياسي منظم وليس فوضى جديدة تضاف إلى فوضى العراق وليبيا على حدودها الجنوبية.
النشطاء الجنوبيون
إن أكثر ما يضر بالجنوب اليوم هو الحملات الإعلامية الموجهة ضد المملكة فهي مدفوعة من قبل أعداء الجنوب، وللأسف بعضهم ممن يتم توجيههم من بعض الساسة المعتقين ويقوم شباب جنوبيون متحمسون بترديد ونشر تلك المغالطات، وهو أمر خطير تراقبه أجهزة الدولة في المملكة وترصده بشكل يومي.

عند نشر أي منشور على الوتسآب أو الفيسبوك من قبل النشطاء تتلقاه منظومة حزب الإصلاح والسياسيين الشمالين اليوم ويستغلون كل منشور لزرع فكرة أن الجنوب ضد المملكة وسيتمر في تشكيل خطر عليها لدى المسؤولين السعوديين.

بينما على النقيض من ذلك استمر المجلس الانتقالي وفريقه التفاوضي بالعمل بصبر شديد على الرغم من كل الاستفزازات العسكرية على الأرض من قبل خصومهم، وهذا العمل السياسي أرغم العديد من المسؤولين السعوديين إلى إعادة تقييم العلاقات القديمة مرة أخرى، وهو انتصار كبير للجنوب.

إن مصلحة السعودية اليوم تقتضي وجود جنوب مستقر سياسياً لدعم التنمية ليس في الجنوب فقط بل أيضا في السعودية، فما ستحققه السعودية بحلول العام 2030 سيتضاعف اقتصادياً بتنمية اليمن والجنوب العربي مستقبلاً.
وهناك فكرة يطرحها العديد من النشطاء؛ إن هدف السعودية هو مد أنبوب نفط من المنطقة الشرقية فيها عبر المهرة إلى البحر العربي مستقبلاً وهو مشروع اقتصادي مهم.

لكن المروجين لهذه النظرية يتناسون أمراً بديهيا... اليمن يفجر الأنابيب الخاصة به، فما بالكم بأنبوب سعودي؟! هل ستستخدم السعودية أراضي الجنوب لمد الأنبوب أم سلطة عمان وهي بلد مستقر وعضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي
ومرتبط بالسعودية بمعاهدات كبيرة؟

مسؤول سعودي علق على الأمر قائلاً: لو كنا سنمد أنبوب فسنقيمه داخل الأراضي السعودية باتجاه ميناء ينبع على البحر الأحمر وسيكلفنا ذلك أقل بكثير من اليمن أو حتى عمان.
أما نظرية الاستحواذ على أراضي الجنوب فهي الأكثر سخفاً، حيث إن الحدود مرسومة ولتغيير الحدود بين الدول يجب التوقيع على معاهدة ويصادق عليها برلمان الدولة، وفي اليمن البرلمان قد تجاوز مدة الشرعية حتى وإن ادعت الشرعية عكس ذلك ولن يكون تصديقه على أي معاهدة ملزماً قانونياً.

الطريق إلى الأمام
على الجنوبيين اليوم مسؤولية أن يزرعوا مصالحهم ضمن مصالح الإقليم والعالم، والسعودية هي أولوية كبرى لا تستطيع دول قائمة في الإقليم والعالم اليوم تجاوزها، فما بالكم بالجنوب الساعي للاستقلال؟!
إن السياسة لا تعرف العواطف الجياشة ولا تحتمل الصراخ والزعيق، بل هي نقاش هادئ تقنع فيه خصومك بضرورة تبني مصالح مشتركة وليست مصالحك فقط.

الغضب لا مكان له في السياسية وعلمتنا التجارب وتجارب الآخرين أن الغاضبين هم أول الخاسرين في ساحة السياسة.
على المجلس الانتقالي اليوم مسؤولية الحرص على عدم التفريط بالمملكة وأن يكون ممثلاً حقيقيا لكل الجنوبيين وليس بعضهم، فالتمثيل الحقيقي هو ما سيوصل المجلس والجنوب إلى جميع أهدافه. ومن يعتقد أن الدول تبنى بالعلاقات الشخصية بين الأفراد فهو واهم.

علاقة المملكة اليوم بالجنوب تمر بمرحلة مخاض تحاول فيه المملكة ترتيب وضع الجنوبيين، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتقهم في ترتيب وضع بيتهم الداخلي... أما العنتريات والشطط والصراخ فلن يوصلوا إلى أي شيء.
وعلى جميع السياسيين الجنوبيين اليوم تقع مسؤولية لجم وإسكات جميع الأصوات التي تهاجم السعودية، فكل ما ينشر من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعية لا يخدم قضية الجنوب بل يعرقل القضية لصالح شعور مؤقت وزائف بالنصر لدي من قام بالنشر.

تعلموا أن تكونوا سياسيين بالقراءة فيما حققه غيركم قبلكم في العديد من الدول.
استثمار التغيير الهائل في المملكة العربية السعودية لصالح بناء علاقة استراتيجية متينة مع الجنوب سيكون أكبر عامل استقرار لأبناء الجنوب وسيسرع في تحقيق جميع أهداف الجنوبيين بما فيها هدفهم الأكبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى