قصة قصيرة.. شوق على نهر الفولجا

> ذويزن الشرجبي

> بعد أن زحف قرص الشمس للأفق وتوارى بعيداً، سكنت الكائنات، وثقلت العيون، ولف وشاح قرمزي أرجاء المعمورة، وغشت الرياح سكرة وسكون، تطاول الظل، وخبى الحماس، وأسلمت المخلوقات سعيها للرزق إلى موعد آخر، ولت آخر النسمات بعيداً وأخدت معها أحلام النهار، وهدأت رقصات أغصان الحور النائم، وفوق الجدول القادم من البعيد رقدت الأغصان، وحنت أزهار النرجس رأسها في وقار، وتناهت من البعيد أصوات الغربان الحانقة من غدر الظلام، وسارت بقرتان على استحياء قد ضلت منزل سيدهما، وتناهى بعد ذلك سكون أبدي لف الأركان، وبعد أن أظلمت السماء تناثرت حبيبات رمل همست برقة سنفونية الوجود، والزهرة شدى في لوعة بجوار القمر، وتساقطت قطع لؤلؤ رقدت خلف الجبال، أخدت معها أماني الجميع، وعلى الطريق جر (أنطوشا) قدميه ببرود تحت قوس من أشجار الحور النَظِرة، مرهف السمع للحن جنادب الليل. تأبط كنزته بعد أن أحس بعبق ليالي الصيف، كانت هدية قد أهدتها له (تانيا) الخريف السابق. تذكر أنه لا يحب اللون العشبي كثيراً، لكنه اليوم عائد للبيت بعد مسيرة نصف نهار، فلا يصح إلا أن تراها أو كما يقولون يعني..؛ لذا عليه أن يلبسها مرة أخرى أمام عتبة دار عمه.

تجاه الأفق وعلى بعد عدة فراسخ خفقت النجوم بعنفوان، وحول النهر غابت النسائم عن الأذهان، والطريق طويل همس له الشوق والحنان، وخلف الحقل ارتصت منازل فلاحين تتكئ على بعضها بوهن عبرت عن ضعف وفاقة، وعلى الضفة الأخرى على هضبة مقوسة ارتفع بشموخ منزل الأسياد، كان (آل جيربتشوف) من دماء نبيلة، وقالت بعض الجدات إنهم أولاد عمومة القيصر. وأنه لا ينبغي أن يميل قلبه لبنات الأسياد، لكن (أنطوشا) لم يعر كلام الكهول أي ميزان، حتى زميل دراسته المستشار الفخري دميتري ليونوف لم يعره الكثير من الاهتمام، فقد كان يقول له في أكثر من مناسبة: أنت يا أنطوان شاب أهوج كفيف القلب، تتبع بحماسة وحرارة كل ما يخفق قلبك له.

تثاقل جسده، وخفق قلبه بلذة، وطغت حرارة محببة على صدره، فقبل يومين كان موعد آخر امتحان واليوم يمشي قلبه على الطريق بامتنان، والوظيفة المرتقبة تعلو لمراتب التقدير والاستحسان، والليلة ليلته ليلة يلقى حبيبته بعد طول امتحان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى