"مجلس الشورى".. موقع شرفي للمعزولين

> زكريا أحمد

> ​أعادت المحاصصة التي أفرزها اتفاق الرياض، الموقّع في نوفمبر 2019 بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، مجلس الشورى في اليمن، إلى الواجهة، بعد سنوات من التجميد التام، وذلك بهدف إرضاء الشخصيات المعزولة من مناصبها الحكومية والوجاهات الاجتماعية والأحزاب الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. ويعتبر مراقبون أن تسمية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أخيراً، لرئيس الحكومة الأسبق أحمد عبيد بن دغر، رئيساً لمجلس الشورى المنقسم منذ اجتياح الحوثيين لصنعاء، هو أقلّه نوع من الترف في زمن الحرب، أو محاولة لخلق "حكومة رديفة".

وعلى مدار عقود مضت، ظلّ مجلس الشورى في اليمن، وهو الغرفة التشريعية الثانية، بمثابة تجمع شرفي للوزراء والمحافظين الذين تتم الإطاحة بهم من مناصبهم، فضلاً عن المشايخ الذين تهدف السلطات المتعاقبة إلى شراء ولاءاتهم وكسبهم إلى صفوفها، في مقابل الاحتفاظ بالامتيازات المادية التي كانوا يحصلون عليها قبل إقالتهم من مناصبهم الرئيسية. وخلافاً لغالبية مؤسسات الدولة التي انشطرت إلى جزأين منذ الاجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء أواخر العام 2014، والانقلاب على السلطة، ظلّ مجلس الشورى خاملاً من جانب السلطة الشرعية، باستثناء تعيينات منفردة لشخصيات حزبية وقبلية، كأعضاء جدد، ومن دون أي صلاحيات.

ومساء أول من أمس الجمعة، وهو يوم إجازة في اليمن، تذكّر الرئيس عبد ربه منصور هادي، رئيس الحكومة الأسبق ومستشاره السياسي، أحمد عبيد بن دغر، ليعيده إلى الواجهة من بوابة مجلس الشورى، كمكافأة للأخير نظير مواقفه في دعم الشرعية منذ إقالته من الحكومة أواخر العام 2018، وإحالته إلى التحقيق بتهمة الفساد. وعبر قرارات رئاسية متسلسلة، عيّن هادي، بن دغر، بالإضافة إلى عبد الله أبو الغيث وحي طه عبد الله جعفر أمان، أعضاء في مجلس الشورى، قبل أن يعود في قرار لاحق، لتسمية بن دغر رئيساً لـ"الشورى"، وتعيين أبو الغيث وأمان نائبين للرئيس. وفيما التزمت باقي الأحزاب اليمنية الصمت، أعلن "المجلس الانتقالي" رفضه لحزمة القرارات التي أصدرها هادي، ومن بينها تعيين هيئة رئاسة مجلس الشورى. واعتبر "الانتقالي"، في بيان، أن القرارات "أحادية الجانب وتصعيد خطير وخروج مرفوض عمّا تم التوافق عليه، ما يعد نسفاً لاتفاق الرياض".

وكانت السلطات الحوثية، من جهتها، ومنذ بدء الحرب اليمنية في 26 مارس/آذار 2015، قد قامت عبر ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى الذي كانت تتقاسمه مع حزب "المؤتمر الشعبي العام" - جناح صنعاء، بإصدار سلسلة قرارات تتعلق بتعيين شخصيات موالية لها، وقامت في هذا الإطار بتعيين القيادي المؤتمري، محمد العيدروس، رئيساً لمجلس الشورى في صنعاء، والقيادي البارز في الجماعة، محمد ناصر البخيتي، نائباً له، قبل أن تتم إضافة القيادي المؤتمري الموالي للجماعة، عبده محمد الجندي، نائباً ثانياً للمجلس.

ولا يمتلك مجلس الشورى ثقلاً كبيراً في الساحة السياسية اليمنية تؤهله للعب أدوار مهمة في عملية السلام. فالمجلس الحالي الذي تمّ تأسيسه في العام 2001 بناء على تعديلات دستورية، يُفترض أن يضم نخبة الكفاءات السياسية والاقتصادية والعسكرية والوجاهات الاجتماعية في البلد من أجل الاستفادة منها في ملفات مختلفة، لكن الحكومات المتعاقبة قامت بتحويله إلى مستودع للمعزولين وإرضاء للمشايخ. وبهدف توسيع رقعة المصالح مع مكونات مختلفة، قامت السلطات المتعاقبة، وخصوصاً عقب الوحدة اليمنية عام 1990، بتوسيع عدد أعضاء مجلس الشورى من 44 إلى 59 في الانتخابات النيابية التي جرت عام 1997، قبل أن تتم مضاعفة العدد إلى 111 في العام 2001. وأوضحت مصادر إعلامية في مجلس الشورى، لـ"العربي الجديد"، أن العدد تضاعف عقب تولي الرئيس عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم في العام 2012، إذ قام بتعيين عدد من الشخصيات، ما جعل قوام أعضاء المجلس يرتفع إلى 140.

ويشترط القانون اليمني، ألا يقل عمر عضو مجلس الشورى عن 40 عاماً، وألا يكون عضواً في مجلس النواب (البرلمان) أو المجالس المحلية (البلديات)، فضلاً عن شرط أن يكون من ذوي الكفاءات والخبرات والشخصيات الاجتماعية. وتنص اللائحة الداخلية لـ"الشورى"، والتي اطلعت عليها "العربي الجديد"، على أن يتولى المجلس "إبداء الرأي والمشورة في المواضيع الأساسية التي يرى رئيس الجمهورية عرضها عليه، وأن يمارس الصلاحيات الدستورية الخاصة بتقديم الدراسات والمقترحات التي تساعد الدولة على رسم استراتيجياتها التنموية، وتسهم في حشد الجهود الشعبية من أجل ترسيخ النهج الديمقراطي وتقديم الاقتراحات التي تساعد على تفعيل مؤسسات الدولة". وخلافاً للبرلمان صاحب الصلاحيات الواسعة في الرقابة والمساءلة، حصر القانون اليمني، دور مجلس الشورى في "تقديم الرأي والمشورة" و"المصادقة على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعاهدات والاتفاقيات". ويعمل مجلس الشورى على تقديم الدراسات والمقترحات التي تسهم في حلّ المشاكل الاجتماعية وتعميق الوحدة الوطنية وتقييم السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وتقييم برامج الاستثمار السنوية.

وطيلة الفترة الماضية، ظلّ بن دغر مدافعاً شرساً عن هادي وعن الوحدة اليمنية، ونظراً للخبرة السياسية التي يمتلكها الرجل، واستمرار لقاءاته مع السفراء الأجانب لدى اليمن بلا صفة حقيقية، أرادت الرئاسة اليمنية منحه توصيفاً رسمياً أكبر لتمثيلها في المحافل الإقليمية واللقاءات السياسية الحسّاسة.

لكن هادي ارتكب مخالفةً قانونية، بعد قراره تعيين بن دغر رئيساً لمجلس الشورى، بقرار رئاسي حمل الرقم 3 لسنة 2021، وفقاً لمصادر حكومية وسياسية. وأكد مصدر حكومي، لـ"العربي الجديد"، أنه لا يحق لهادي قانونياً تعيين رئيس لمجلس الشورى ونوابه، بل يتم ذلك عبر اقتراع داخلي سرّي من أعضاء المجلس، مرجحاً أن يكون ذلك قد تم بعد موافقة الأحزاب والمكونات السياسية. وقال المصدر إن "الرئيس يعرف أن قراره غير قانوني، ولذلك قام بالتبرير في ديباجته المنشورة بالوكالة الرسمية، وإرجاع مسألة تعيين رئيس للشورى بقرار جمهوري إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، والتي تعذر معها انعقاد مجلس الشورى، ولما تقتضيه المصلحة العليا". ومن المؤكد أن المحاصصة التي ستشمل كافة مؤسسات الدولة بموجب اتفاق الرياض، ستجعل الأحزاب والمكونات السياسية تصمت إزاء الخرق القانوني في تعيين رئيس لـ"الشورى"، بعد وعود بالحصول على حصصها من المجلس المبعثر على عواصم عربية مختلفة.


وفي ظلّ الصعوبات التي تواجهها الحكومة في ممارسة مهامها من داخل اليمن، والغموض الذي يلف مصير استئناف جلسات البرلمان من داخل الأراضي اليمنية في ظلّ الرفض الحاصل من "المجلس الانتقالي الجنوبي" ، يرى مراقبون أن إعادة إحياء مجلس الشورى هو نوع من الترف. ويقول هؤلاء، إن هادي ربما أراد إحياء مجلس الشورى من أجل جعل رئيسه، بن دغر، رديفاً لرئيس الحكومة في المحافل الدولية، خصوصاَ أن رئيس الوزراء معين عبد الملك، يُنظر إليه على أنه محسوب على النفوذ السعودي.

واعتبر أحمد المخلافي، وهو ناشط سياسي في حزب "المؤتمر الشعبي"، أن إحياء مجلس الشورى في الوقت الراهن، مجرد عبث يكشف هوس الشرعية في ضخّ المزيد من الأعباء المالية في هيكل مؤسسات الدولة. وقال المخلافي لـ"العربي الجديد": "ليس لدى مجلس الشورى أي صلاحيات، وخصوصاً في ظرف الحرب الذي نعيشه، وكان من المفترض بالرئيس هادي أن يقوم بإعادة البرلمان أو مؤسسة الرئاسة للعمل من داخل اليمن، أو تشكيل جهات رقابية لتحسين الأوضاع، مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو إدارة المصرف المركزي، لكن هذه شرعية بلا أفق".

العربي الجديد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى