إيقاعات راقصة.. قصة قصيرة

> عادل ناصر

> بيروت، صيف 1975. دخلا إليها من سوريا، صعدا طريقا مرصوفة بعناية. بيروت اليوم فارغة إلا من ريح الخوف، إلا من ريح الموت. بيروت اليوم تعيش الهدنة الأولى من حرب الأخوة المجنونة، من حرب لا معنى لها. صعدا طريقا مرصوفة في الحي الغربي. بيروت جميلة وأنيقة. ريح البحر تداعب أنفيهما وقد دخلا بيروت لأول مرة. قال الشاب لصديقه في خوف:

- لا أحد يمشي ببيروت اليوم إلا نحن!

رد عليه: من يجرؤ... لا أحد يمشي ببيروت اليوم إلا ريح الخوف، إلا ريح الموت.

ونظر إلى أعلى، فرأى امرأة بيروتية تختلس النظر إليهما من خلف ستارة أزاحتها قليلا في دهشة. قال لنفسه: "أعرف ماذا تقول تلك العينان المندهشتان. هذان عربيان. من يجرؤ على أن يمشي ببيروت اليوم في هذا الوقت ؟! هذان المجنونان سيموتان".

ابتسم. صعدا طريقا مرصوفة بعناية وأناقة.

سأل صديقه:

إلى أين سنذهب؟! لا أحد إلا نحن. كل الأبواب المفتوحة مغلقة! ابتسم، وقال يمازحه:

سنذهب حيث ستأخذنا الريح.

فهم صديقه ما يعنيه، وقال:

إن كنت ستذهب حيث ستأخذنا الريح فأذهب وحدك. سأعود إلى غرفة صديقنا الطالب في الجامعة الأمريكية. ردّ عليه: لا بأس، عد إن شئت، سألحق بك، ولكني سأحاول أن أجري وهذي الريح...

عاد صديقه ومضى هو يصعد. راحت تلك الريح البيروتية تصفر صفير الخوف. وصفير الموت. يمكن في أي لحظة أن تخترق رصاصة قناص رأسه. باغته صوت فتاة من جهة غير بعيدة.

التفت إلى مصدر ذاك الصوت فرأى فتاة بكعب عال وبثوب يشبه ثوب النوم تشير إليه وتدعوه. نظر يميناً ويساراً، لم يسمع إلا صوت الريح، إلا صوت الموت أو صوت فتاة الكعب العالي يدعوه تعال. قال لنفسه: "هذي إحدى فتيات الليل". أدخل يده في جيبه وقال:

"يمكن أن أخسر ما في جيبي كله. فكيف سأكل غدا عند أبي محمد مكرونة مطبوخة بالجبن"، وأبو محمد هذا رجل فوق الستين. شعره أبيض، وله عين واحدة، وفقد الأخرى، عضو في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يمكن أن تأكل عنده مجانا.

ذهب إلى ذات الكعب العالي، فساقته عبر ممر ضيق تتقدمه وتمشي بإيقاعات راقصة. تهز ما تحت الظهر هزاً أخاذاً ببراعة.

وهي فتاة بيروتية دون الثامنة عشرة، أخذته حمى الرقص.

أسرته تماما تلك الإيقاعات. إيقاعات فتاة بيروتية بارعة أخاذة، فغرق واستغرق في حمى الرقص حتى صاح الديك...

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى