اليمن نموذج الدولة الورقية

> فهد عبدالكريم ردمان

> "الدولة العربية ما زالت لاعقلانية واهنة، وبالتالي عنيفة ومرتكزة على العصبيات والعلاقات العشائرية على بنية عتيقة للشخصية" - المفكر العربي هشام جعيط.

للدولة الحديثة بالمعنى السياسي والاجتماعي ركنان أساسيان: الركن المادي (الجهاز) ويشمل المؤسسات العسكرية والأمنية والسلطة التشريعية المنتخبة والجهاز البيروقراطي الحكومي والقضاء والمجالس المحلية... إلخ. أما الركن المعنوي أو الأدبي وهو يتمثل بالإيديولوجية العامة والشرعية والإجماع الشعبي الذي يترجمه المواطن بعد حين إلى ولاء، فيعطي بذلك ركيزة معنوية قوية للدولة (عبدالله العروي).

وفي العلوم السياسية والاجتماعية للدولة باعتبارها عقد اجتماعي وظائف وخصائص جوهرية تتمثل في احتكار العنف المشروع وبسط السيطرة على كل أراضيها وإصدار القوانين وتطبيقها والقدرة على حماية حقوقها وحقوق مواطنيها أفرادا وجماعات.

وبهذا المعنى يصبح إطلاق صفة الدولة حاليا على العراق وسوريا وليبيا واليمن أمر مشكوك فيه، حيث يرى المراقبون "إنه فيما تسير دول آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا في ركب الاستقرار والتقدم، نجد أن دول الشرق الأوسط (الدول العربية) مقعدة بسبب الطغيان وحافلة بالاضطرابات والحروب (الايكونومست البريطانية يوليو 2014م).. وفيما يتعلق باليمن فإن الدولة بالمعاني السياسية والاجتماعية المذكورة أعلاه لم تكن موجودة حتى قبل اندلاع الحرب الحالية، وقد أعرب بعض المتابعين للأحداث السياسية والاضطرابات الاجتماعية في دول الربيع العربي عن دهشتهم من شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) في دول مثل اليمن وليبيا، حيث لا نظام ولا دولة في الأصل، ويمكن توضيح الخصوصية اليمنية في هذا المجال على النحو الآتي:

أولا: الركن المادي للدولة:

1 - رفض الطرف المتنفذ في حكم صنعاء منذ إعلان الوحدة 90م توحيد الأجهزة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها على أسس علمية ووطنية، وبعد الحرب المشؤومة صارت المؤسسة العسكرية والأمنية متعددة الولاء حسب مراكز النفوذ السائدة آنذاك (علي صالح، علي محسن، عبدالله الأحمر... إلخ) وكانت مراكز القوة تلك على الرغم من إحكام قبضتها على مفاصل الدولة الحساسة إلا إنها كانت تتصرف كالعصابات خارج الدستور والقوانين النافذة.

2 - ما عدا الجنوب وأمانة العاصمة ومحافظتي تعز والحديدة كانت هناك مناطق شاسعة وتجمعات سكانية قبلية لا تخضع لسلطة الدولة المفترضة؛ بل تقوم بالاعتداء المتكرر على رموزها وأشخاصها أو مؤسساتها دون توقع العقاب أو الرد.

3 - عانت السلطات التشريعية والقضائية والجهاز البيروقراطي الحكومي بشكل عام من تفشي الفساد بكل أنواعه وضعف الأداء مما أفقدها ثقة المواطن والجهات الدولية المانحة.

ثانيا: الركن المعنوي أو الأدبي للدولة:

يقول المفكر العربي عبدالله العروي "إن الجهاز أي الركن المادي للدولة وحده لا يضمن الاستقرار في عالم تتعدد فيه النزاعات العقائدية وأن كل دولة لا تملك أيديولوجية تضمن درجة مناسبة من ولاء وإجماع مواطنيها لا محالة مهزومة (أنتهى الاقتباس)، وقد عانت (الدولة اليمنية) منذ حرب صيف 94م ولأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية من انحسار شرعيتها وفقدان الإجماع عليها، وأزداد وضعها سوءً على المستويين المادي والمعنوي بعد قيام الانتفاضة السلمية للحراك الجنوبي والمطالبة باستعادة الدولة الجنوبية وظهور الحركة الحوثية كقوة سياسية وعسكرية فاعلة على الساحة توجت نشاطها السياسي والعسكري بالاستيلاء الكامل على مركز الدولة المفترضة والسيطرة المطلقة على معسكراتها وأجهزتها ومؤسساتها المدنية المهترئة وإشعال الحرب الدموية وخاصة ضد الجنوب، حتى تم توصيف الحالة اليمنية على الأقل في الأدبيات السياسية والتقارير الدولية الرصينة بالدولة الفاشلة.

لذلك فالحديث عن استعادة مؤسسات الدولة من الحوثيين من قبل أطراف سياسية معينة حديث غير منطقي، وإذا افترضنا حسن نوايا الأطراف السياسية المتمسكة بـ "مخرجات الحوار الوطني" باعتباره العقد الاجتماعي الجديد الذي يمكن البناء عليه لقيام دولة فيدرالية جديدة، إلا أن هذا العقد مشكوك في شرعيته نظرا لعدم مشاركة القوى السياسية الجنوبية الفاعلة على الأرض في صياغته ورفضها لأي طرح ينتقص من حق الجنوب في تقرير مصيره.

لهذه الأسباب كلها يمكننا القول إن ما يسمى بـ (الدولة اليمنية) ليس لها وجود على الواقع ماديا أو معنويا وهي مجرد افتراض ذهني لا أكثر مثل حكايات ألف ليلة وليلة والأساطير الشعبية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى