من علماء المسلمين .. ابن الهيثم (أبو البصريات)

> ابن الهيثم هو أبو العلي الحسن بن الحسن بن الهيثم أو ابن الهيثم، وقد عُرف في المصادر الأجنبية بـ "Alhazen"، وهو عالم عربي مسلم واسع المعرفة في علوم متعددة؛ كالرياضيات، والطب، والفلك، والفلسفة، والفيزياء، أمّا أكبر مساهماته المشهودة حتّى الوقت الحالي فهي في علم البصريات.
ولد ابن الهيثم في مدينة البصرة جنوب العراق عام 965م، وتوفي في 1040م، وأُطلق عليه اسم البصري نسبةً لها، وكان والده عاملا حكوميا ممّا أتاح له تعليما ممتازا، فتلقّى تعليمه في البصرة، وأكمله في بغداد. وفي فترة من حياته عُيّن قاضيا على البصرة، ولكنّه ترك القضاء متجها نحو دراسة العلوم المتنوعة بعد انتشار حركات دينية متناحرة أحدثت اضطرابا في ذاك الوقت.

 سافر ابن الهيثم إلى العديد من البلاد كإسبانيا، كما أنّه عاش في مصر فترةً طويلةً، وذلك بعد استدعائه إليها من قِبل الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.
تميّز ابن الهيثم في نظريته عن الضوء والرؤية، فهي لم تكن مبنيةً على أيّة نظرية سبقتها في التاريخ القديم أو الإسلامي، فهو أول من درس العدسات، واكتشف قدرة العدسة المُحدبة على تكبير الأجسام، وقد تمّت الاستفادة من هذا الاكتشاف لخدمة الناس في القرن الثالث عشر الميلادي في صناعة النظارة أيّ بعد ما يُقارب مئة سنة من اكتشاف ابن الهيثم، كما أنّه درس طريقة مرور أشعة الضوء عبر مواد مختلفة ليكتشف قواعد انكسار الضوء، وهو أول من قام بتجربة تشتّت الضوء إلى ألوان الطيف الأساسية.

 كتب أطروحته العلمية بأجزائها السبعة عن البصريات، وسمّاها "كتاب المناظر" الذي اعتُبر من أكثر الكتب المؤثّرة في الفيزياء المعاصرة، وفهم الرؤية والضوء، بما يُضاهي كتاب الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية لإسحاق نيوتن. تُرجم كتاب المناظر للغة اللاتينية ووصل إلى أوروبا عام 1200م، فقد كان مساهما أساسيا في التطوّر العلمي في أوروبا، وأثّر على أعمال علماء أوروبيين مثل يوهانس كيبلر، واعتُبر الكتاب الأهم في البصريات حتّى كتابة العالم كيبلر لكتابه عن البصريات الفلكية عام 1604م.

 اهتم ابن الهيثم بدراسة العديد من الظواهر الفيزيائية؛ كالظل، والكسوف، وقوس قزح، ودرس ابن الهيثم طبيعة الضوء الفيزيائية، وبناءً على نظرياته استطاع تفسير ظاهرة تضخم حجم الشمس أو القمر عندما يقتربان من خط الأفق، ومن أكثر ما عُرف عنه أنّه من أوائل من استخدم حجرة التصوير المظلمة، والكاميرا ذات الثقب، واجتهد في تفسير آلية الرؤية في العيون مناقضا نظريات العالمين بطليموس وإقليديس عن الرؤية التي تقول إنّ الأشعة الصادرة من العينين هي ما تُمكّنهما من رؤية الأجسام، بينما هو من اكتشف أن الأجسام هي التي تصدر الضوء أو تعكسه للعين، ولهذا نراها. وبهذه البحوث والإسهامات في علم البصريات اعتُبر ابن الهيثم أبو علوم البصريات المعاصرة.

كما تخصّصت دراسات ابن الهيثم في مجال علم الهندسة الرياضية، وليس الجبر. سجّل ابن الهيثم العديد من الإنجازات في الهندسة الرياضية، منها اثنتا عشرة ورقة علمية في الرياضيات اللانهائية بالإنجليزية Infinitesimal Mathematics، ولم يصل إلينا سوى سبع منها، وعشر ورقات علمية في نظرية الأقسام المخروطية وتطبيقاتها، وعالج مشاكل أساسية في الرياضيات في عدّة ورقات علمية، مثل مقالة في التحليل والتركيب، وكتاب في المعلومات، وشرح أصول إقليدس في الهندسة والأعداد والعناصر، وكتاب في حل شكوك كتاب إقليدس في الأصول وشرح معانيه. ودرس وعالج مشاكل الفرضية الخامسة لإقليدس المُسلّم بها في نظرية البرهنة الرياضية، وعدّل على ورقة علمية عن نظرية الأعداد، وكتب أربع ورقات عن علم الحساب ومثلها عن علم الهندسة التطبيقية.

 وفي علم الفلك، استطاع ابن الهيثم أن يُفيد علماء الفلك المسلمين والأوروبيين على حدّ سواء بدراساته الفلكية، فقد حلّ بعض المشاكل التي واجهت العلماء المسلمين في تحديد القبلة، ونقد نموذج حركة الكواكب الخاص ببطليموس، ممّا أدى إلى ظهور دراسات في العالم الإسلامي تُفسّر حركة الكواكب بشكل مختلف في القرن الثالث عشر بمدينة مراغة الإيرانية، وفي القرن الرابع عشر في مدينة دمشق، كما أثّر ابن الهيثم على علماء الفلك الأوروبيين في عصر النهضة من خلال تفسيراته لبنية الكون وحركة الكواكب.

وطور ابن الهيثم طرقا دقيقةً للتجارب العلمية المُتحكّم بشروطها؛ ليتمكّن من التأكّد من صحة الفرضيات والتخمينات، وهي طريقة مشابهة لعلماء العصر الحديث في البحث العلمي، التي تتضمّن مراقبة نتائج التجربة عن طريق تكرارها، واختبار الفرضيات، والحاجة إلى دليل مستقل لتأكيد صحتها.
كتب ابن الهيثم أكثر من مئتي عمل في مجالات العلوم المختلفة، ستة وتسعون منها معروفة ولكن لم يصل سوى 50 عملا إلى عصرنا هذا، أكثر من نصفها عن الرياضيات، وثلاثة وعشرون منها عن علم الفلك، وأربعة عشر عن البصريات، والباقي توزّع بين المجالات العلمية التي تخصّص بها.

 كتب ابن الهيثم كتبه وأبحاثه في غرفة متواضعة في جامع الأزهر، وتكريمًا لابن الهيثم، أطلق اسمه على إحدى الفجوات البركانية على سطح القمر، وفي 7 فبراير 1999، أطلق اسمه على أحد الكويكبات المكتشفة حديثًا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى