من علماء المسلمين .. ابن النفيس

> هو أبو الحسن، علاء الدين علي بن أبي الحزم الخالدي المخزومي القَرشي الدمشقي الملقب بابن النفيس (1213م – 1288م) ويُعرف أحيانًا بالقَرَشي (بفتح القاف والراء) نسبة إلى قبيلة قريش العربية.
ويُعد ابن النفيس أحد أشهر العلماء العرب، الذين أضافوا إلى علم الطب الكثير، من خلال اكتشافه للدورة الدموية الصغرى، والكبرى في جسم الإنسان، وريادته في تأسيس علم وظائف الأعضاء، بالإضافة إلى معرفته الموسوعية، التي جعلت منه فقيهًا، ومؤلفًا في النحو، والتاريخ، وظلت إسهاماته الطبية مرجعًا للعلماء، حتى العصر الحديث. نشأة ابن النفيس: ولد ابن النفيس في قرية على مشارف مدينة دمشق السورية، ودرس في البيمارستان (المستشفى) النوري، وتعلَّم الفقه على مذهب الإمام الشافعي، واطلع على العديد من المنجزات الفكرية في عصره، فدرس الفلسفة، واللغة، واهتم بتفسير القرآن الكريم، وقبل أن يتمَّ الثلاثين من عمره، انتقل إلى مدينة القاهرة. عمل طبيبًا في المستشفى الناصري، وأصبح بعدها رئيسًا للأطباء في المدينة، في عهد السلطان قلاوون، كما عُيّن طبيبًا خاصًا للسلطان الظاهر بيبرس، واشتُهر في القاهرة بمجلسه، الذي كان يعقد في منزله، وكان يحضره الأمراء، ووجهاء، وعلماء المدينة.
جامع ابن النفيس وضريحه في منطقة الرحمانية بمصر
جامع ابن النفيس وضريحه في منطقة الرحمانية بمصر

أشهر أعمال ابن النفيس، شرحه لكتاب القانون، لابن سينا في الطب، وتضمَّن هذا الشرح العديد من الإضافات الجديدة في علم التشريح، أهمها اكتشافه للدورة الدموية الصغرى، والشريان التاجي، وكيفية عملهما، وهو الكتاب الذي خالف فيه كثيرًا، مما أورده ابن سيناء، وبذلك فقد امتلك الجرأة لما لابن سيناء من صيت، وشهرة حينها، وبعد الانتهاء من هذا المؤلف بدأ ابن النفيس في وضع كتابه المسمَّى بالشامل في الصناعة الطبية، الذي تكون من ثلاثمائة مجلد، لم ينشر منها سوى ثمانين مجلد قبل وفاته، وبعد نشر بقية أجزائه، أصبح هذا الكتاب بديلًا عن القانون لابن سينا. مع سقوط بغداد في أيدي المغول فُقِدَت الكثير من مؤلفات ابن النفيس، وظلَّت بقيتها مبعثرة بين المكتبات الكبرى في العالم، إلى أن تمَّ جمعها، وتحقيقها في عام 2000، ويجمع بين مؤلفات ابن النفيس الجرأة، والشجاعة في الطرح العلمي، والاختلاف مع كبار الأطباء في عصره. إلى جانب المؤلفات الطبية، ساهم ابن النفيس في الإضافة للعلوم الشرعية، فوضع مؤلفات في السيرة والحديث، أشهرها "الرسالة الكاملية في السيرة المحمدية"، و"مختصر في علم أصول الحديث"، ولم يتم العثور على مؤلفاته في الفقه، إلا أنها ذكرت في معرض حديث المؤرخين عن تلك الفترة، كذلك كتب ابن النفيس شروحًا للعديد من الكتب الفلسفية الشهيرة في عصره، وهي كتب (الإشارات) و (شرح الهداية لابن سينا).

توفي ابن النفيس عن عمر يناهز الثمانين عامًا، ويروي المؤرخون أن الأطباء، حاولوا تخفيف آلام مرضه عن طريق الخمر، ولكنه أبى شربها، وفضل الألم، إلى أن توفاه الله، بعد أن أوقف مؤلفاته، وكل ما يملك للمستشفى المنصوري بالقاهرة.
أما من أعظم إنجازات ابن النفيس، فالجدير ذكره، ما أقره علماء الدول الأوربية، مثل جامعة بادوفا في إيطاليا، والعالم الإنكليزي هارفي، أن ابن النفيس كان السباق في وصف الدورة الدموية الصغرى، حيث وصفها وصفًا دقيقًا، وكان ذلك قبل أربعة قرون من وصف العديد من علماء الغرب، ومن هؤلاء العلماء: ويليام هارفي، وسيرفيتوس، وفيزاليوس، وكولمبو، وسيزالبينو. والدورة الدموية الصُغرى هي جزء من جهاز الدوران، وجهاز الدوران يتألف من القلب، والأوعية الدموية، وتتألف الدورة الدموية الصغرى من الأوعية الدموية المحملة بالدم الخالي من الأكسجين من القلب إلى الرئتين، ومن ثم إعادة الدم المحمل بالأكسجين إلى القلب، عبر جزء القلب الذي يُدعى "البطين الأيمن" مرةً ثانيةً، وبعدها يقوم الدم غير المحمل بالأكسجين، بمغادرة البطين الأيمن من القلب، بواسطة شرايين الرئة، التي توصل الدم إلى الرئتين، وفي الرئتين هناك تعمل خلايا الدم الحمراء، على تحرير ثنائي أوكسيد الكربون، والاتحاد مع الأكسجين، خلال عملية التنفس، وبعدها يُغادر الدم المحمل بالأكسجين الرئتين من خلال الأوردة الرئوية، لتصب في الجزء الأيسر من القلب، وبذلك تكتمل الدورة الدموية الصغرى.

و كان الرأي السائد في ذلك الوقت، أن الدم يتولد في الكبد، ومنه ينتقل إلى البطين الأيمن بالقلب، ثم يسري بعد ذلك في العروق إلى مختلف أعضاء الجسم. وظل اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية الصغرى (الرئوية) مجهولًا للمعاصرين، حتى عثر محيي الدين التطاوي عام 1924، أثناء دراسته لتاريخ الطب العربي، على مخطوط في مكتبة برلين رقمه 62243 بعنوان "شرح تشريح القانون"، فعني بدراسته، وأعد حوله رسالة للدكتوراه، من جامعة فرايبورغ بألمانيا، موضوعها "الدورة الدموية عند القرشي". ولجهل أساتذته بالعربية، أرسلوا نسخة من الرسالة للمستشرق الألماني مايرهوف، المقيم بالقاهرة وقتها، فأيد مايرهوف ماقاله محي الدين التطاوي. وأبلغ الخبر إلى المؤرخ جورج سارتون، الذي نشره في آخر جزء من كتابه "مقدمة إلى تاريخ العلوم"، ولولا ذلك الكشف الذي تمَّ بالصدفة، والذي أنصف الطبيب العالم المسلم ابن النفيس، لظل العالم يعتقد حتى الآن، بأن وليام هارفي، هو مكتشف الدورة الدموية الصغرى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى