رمضان في عدن.. حرّ وظلام ودعوات مظلومين

> استطلاع/ عبد ربه اليزيدي:

>
"بيت الغُدرة" نموذج تحبذ الحكومات الاقتداء به..
اتهامات للحكومة والتحالف بزعامة حرب الكهرباء والمؤسسة تتهرب من الإجابة
عرفت مدينة عدن الكهرباء في بدايات القرن الماضي، تحديدا في العام 1926م عندما أنشئت آنذاك محطة بخارية بطاقة توليدية 3 ميجاوات لمد القاعدة العسكرية البريطانية بالطاقة.
بعدها وكأي منطقة بدأت تشهد توسعا عمرانيا يستدعي مواكبته جرى استحداث محطات أخرى ومنها محطة حجيف البخارية.

وفي فترة حكم الحزب الاشتراكي، تم إنشاء محطة خورمكسر في 1975، بقدرة 25 ميجاوات، توسعت لاحقا بقدرة إضافية 16 ميجاوات، ثم أنشئت محطة المنصورة بقدرة 65 ميجاوات في عام 1982، ثم بنيت محطة الحسوة الكهروحرارية في الثمانينيات بقدرة توليدية 166 ميجاوات، ومعها، بدأت عملية الربط الكبرى للمنازل في عدن والمحافظات المجاورة، واستبدل الفانوس بالمصباح، وزير تبريد الماء بالثلاجة، باستثناء بيت واحد يتيم في عدن سمي بـ "بيت الغُدرة".

يقع بيت الغُدرة أو الظَّلمة في مدينة الشيخ عثمان، وعُرف عنه أنه لم تدخله الكهرباء حتى عام 1986، وظلّ أهل هذا البيت متمسكين بالفانوس للإنارة، والزير لتبريد الماء، وبما أن البيوت كانت واسعة، ومبنية من اللبن "الطين"، فلم تكن ثمّة حاجة للتكييف.
وعندما قرر الجيل الجديد من بيت الغدرة وبشكل قاطع، التطور ومواكبة العصر، بإدخال نعمة الكهرباء إلى دارهم، كان قرارهم معاكسا لقرار حكومة الوحدة وما تلتها من حكومات تعاقبت على عدن، وهو الاقتداء بهذا البيت الشهير وتحويل عدن كُلََّها إلى "بيت الغدرة".

تحت الحضيض
"بضع ساعات كهرباء في اليوم، هي حصة سكان عدن اليومية في عام 2021، المدينة التي كانت من أوائل المدن العربية على كافة الأصعدة، وشهد أهلها أعجوبة توماس أديسون "المصباح الكهربائي" منذ نحو 100 عام"، هكذا يقول المذيع جميل عبده عبر أثير إذاعة "لنا FM" المجتمعية، وفي حديثه لـ "الأيام" يوضح جميل: "ألا يا ليت بمقدرونا أن نمد سلكا من تاريخ كهرباء عدن، ونستفيد منه خلال شهر رمضان فقط، تصّوروا حال النساء والأطفال وكبار السن، وهم صيام خلال الصيف، وكهرباء عدن وصلت إلى الحضيض، ويا خوفي أنه هذا ليس بالحضيض، وثمّة موضع أسفل وأسوء منه".

وتابع جميل: "رأيي كمواطن بالأول والأخير أن علينا تحميل الحكومة جزءا من المشكلة لا كلها، لأنه بالأول والأخير، جميعنا يعلم من بيده الأمر، وتحت سيطرته ملفات المحافظات المحررة كافة، بالطبع، أنا أقصد "التحالف"، التحالف المسيطر، التحالف بيده كل شيء، وأثبت ذلك في بداية تعيين أحمد حامد لملس محافظا لعدن، وكيف تمكن المحافظ في بداية تعيينه من إمساك زمام الأمور، وإلى أي حد تحسنت أغلب الخدمات من كهرباء ومياه ومشاريع نهضت بعدن، وصنعت صيتا للمحافظ".

الكهرباء ليست بالمجان
الناشط المجتمعي د. المنذر نادر له وجهة نظر مغايرة، حيث يحمل أسباب تدهور خدمة الكهرباء، الحكومة والشعب على حد سواء، قائلا: "إذا الحكومة فعلا ليس بمقدورها دفع قيمة مادة المازوت أو الديزل، وذلك لأن المواطنين لا يدفعون فواتير الكهرباء، مقابل استهلاك الخدمة، الكهرباء خدمة ليست مجانية، في العالم كله المواطنون يقومون بسداد قيمة استهلاكهم للطاقة وبانتظام، حتى في الدول الغنية"، لافتا إلى أن المواطن يتحجج بغياب رواتب الجيش، لكن ليس الجميع في السلك العسكري، هناك موظفون مدنيون، أطباء ومهندسون، وتجار، بمقدورهم دفع وسداد فاتورة الكهرباء والمياه وغيرها من التزامات يتحتم عليهم دفع قيمة توفيرها.

وأرجع د. المنذر تهرب المواطنين من سداد الفواتير، إلى "ثقة المواطن في الحكومة قد فقدت كليا، ويعتقد المواطن أنه حتى وإن دفع لها قيمة استهلاكه فلن تتحسن خدمة الكهرباء، أضيفوا إلى ذلك، أن الحكومة تتعمد التسيب في مسألة متابعة ومراقبة سداد فاتورة الكهرباء لغرض في نفس يعقوب".
وأقترح د. المنذر على الحكومة أن تركب للمواطنين نظام عدادات كهرباء ذكية تعمل بالدفع المسبق، وأن تقتدي بدول أخرى طبقت هذا النظام، فكيف المواطن يسدد قيمة استهلاكه للإنترنت ولا يسدد الكهرباء؟

الحكومة وحرب الكهرباء
الجميع تضرر من الكهرباء حتى المسؤولون في الدولة والطبقة البرجوازية في المجتمع العدني، فلا بيت يخلو من متاعب استخدام بدائل محطة الكهرباء كالمولدات المنزلية والتجارية، وغيرها من وسائل خزن الطاقة، وحرصنا في أثناء إعداد المادة على نقل تأثير انقطاعات الكهرباء في عدن على مختلف فئات المجتمع.
م. أسامة طاهر يقول: "يجب على الحكومة إيجاد حلول لمشكلة الكهرباء وإيجاد المعرقل الحقيقي والمستفيد من انقطاعها، لأن انقطاع الكهرباء حرب بقاء للمواطن، كما هي الحرب بين الحكومة والحوثيين".

ويضيف: "وصلت حدة الانقطاعات لساعات وفترات زمنية طويلة، مما أرهق الشعب خصوصا أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن، إضافة لتعطيل أعمال تجارية مرتبطة بوجود الكهرباء"، مشيرا إلى أن ملف الحرب ضدّ الحوثي لم يعد هو الملف الوحيد أمام الحكومة لصب جلّ جهدها وإمكاناتها فيه، وإنما ملف الكهرباء يعد من الأساسيات والأولويات التي يجب على الحكومة أخذه بالحسبان، وحله بأسرع وقت، ومن العار أن تكون عدن أولى المناطق المحررة نموذجا سيئا أمام العالم بأسره.

وأكد م. أسامة أنه مهما كانت الأسباب ومشكلات انقطاع الكهرباء فالمواطن مع أي قرار من شأنه أن يصحح الخلل، سواء باتخاذ إجراءات صارمة ضد المتهربين من السداد لفترات طويلة أو للرابطين التيار بشكل عشوائي.

"أصحاب الكهرباء ليسوا بمسلمين"
أصبح أهالي عدن لا يطيقون البقاء في منازلهم وخصوصا البيوت الشعبية، فخلال الصيف تتحول البيوت إلى أفران، جراء ارتفاع درجات الحرارة، فيضطر ساكنوها للهروب منها إلى الشارع.

وكحال آلاف كبار السن، أخرج انقطاع الكهرباء الحجة فاطمة (80 عاما) من منزلها، قائلة بأسف: "خرجنا ضد الاستعمار البريطاني اللي نسميهم كفار، وهم من عرفنا بالكهرباء، وبفضلهم استقر الناس في عدن، والآن الحكم بيد المسلمين وأذاقونا الويل، أخرجونا من بيوتنا، لم يدعونا نصوم رمضان، ولا امرأة قادرة تطبخ في هذا الحرّ، ولا إنسان يعيش، هؤلاء مسؤولو الكهرباء مستحيل أن يكونوا مسلمين، حسبنا الله ونعم الوكيل".

أسئلة للكهرباء والكهرباء لا تجيب
حاولنا مرار وتكرار اللقاء بإدارة مؤسسة كهرباء عدن (المنطقة الأولى تحديدا)، بالذهاب إلى مقر المؤسسة في نهار شهر رمضان، للحديث معها بخصوص ملف الكهرباء، واطلاع الرأي العام على ما يعترض عمل المؤسسة والتعليل إزاء تردي خدماتها، إلا أن الإدارة تجاهلت ذلك، وتهربت من الرد على أسئلة أعددناها لضمها لنسق هذا التقرير منها:

- لماذا لا يتم فتح باب الاستثمار لرؤوس الأموال في عملية توليد الطاقة الكهربائية وبيعها للمواطنين؟
- ثمّة ادعاءات حول نهب مخصصات وقود الديزل الخاص بمحطات كهرباء عدن، ما مدى صحتها ومن المسؤول؟

- هل بإمكان مؤسسة الكهرباء الاستمرار بهذا الكم الهائل من الموظفين، خصوصا أن معظمهم يتسلمون رواتبهم وهم نائمون في البيوت؟
- لمَ تتعمد مؤسسة الكهرباء إهمال عملية تحصيل الفواتير وما على المواطنين من مديونية؟
وفي ظل عدم وجود إجابات واضحة تبقى المؤسسة محط اتهام بالضلوع في حرب الخدمات المستعرة ضد الشعب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى