روسيا تبحث عن طريق العودة إلى اليمن

> كيريل سيمينوف

> استضافت مدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود محادثات في 26 مايو الجاري بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك، الذي كان في روسيا في زيارة عمل.

وكان الموضوع الرئيس على جدول المباحثات هو الوضع العسكري والسياسي والإنساني في اليمن، حيث تستمر المواجهة المسلحة بين الحوثيين وجيش السلطات اليمنية الرسمية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي لأكثر من ست سنوات. الحوثيون، المعروفون أيضًا باسم حركة أنصار الله، مدعومون من إيران، بينما تتلقى قوات هادي مساعدات عسكرية من السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى.

تعتقد روسيا أن استقرار اليمن على المدى الطويل يتطلب وقفًا كاملا للأعمال العدائية وحلًا تفاوضيًا للمشاكل القائمة.
خلال محادثات سوتشي، شددت موسكو على الحاجة إلى إطلاق حوار وطني واسع يتم بموجبه مراعاة مقاربات ومخاوف جميع القوى السياسية الرائدة في اليمن.

والجدير بالذكر أن موضوع حل الصراع اليمني طغى في المحادثات الروسية اليمنية على قضايا العلاقات الثنائية. وهذا يشير إلى أن موسكو على الأرجح تتخذ بعض الخطوات المبدئية من أجل انخراط أعمق في حرب اليمن.
على عكس الصراعين السوري والليبي، ظل موضوع التسوية اليمنية دائمًا في الظل، فيما يخص سياسة روسيا في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، واصلت موسكو الحفاظ على اتصالاتها مع جميع الأطراف المتحاربة في اليمن، وأظهرت استعدادها للمشاركة بشكل أكثر فاعلية في عملية السلام في هذا البلد.

لكن ما وراء توقيت هذه التحركات؟ ظهرت عوامل جديدة زادت من اهتمام الكرملين بالشؤون اليمنية. وصلت الأزمة السورية إلى طريق مسدود، وعلى الرغم من أن الجانب الروسي قد حل معظم المهام المحددة لنفسه في سوريا، إلا أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد جني المكاسب الدولية من المشاركة في هذا الصراع. وينطبق هذا أيضًا على ليبيا، إذ بعد وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، ضعفت مواقف موسكو إلى حد ما.

المشاركون في الصراع الليبي (الخارجي والداخلي) لديهم الآن اهتمام منخفض في جذب روسيا كقوة حليفة. في ظل هذه الخلفية تحتاج موسكو إلى الاستمرار في التأكيد على أهميتها في شؤون الشرق الأوسط، وإظهار أنها لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وأنها مستعدة لتقديم خدماتها ليس فقط كوسيط، ولكن كمشارك في تسوية أزمات الشرق الأوسط.

طوال الصراع في اليمن، حاولت روسيا البقاء على مسافة متساوية من المشاركين فيه. كانت موسكو مهتمة بتطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث نأت روسيا بنفسها عن الدعم المفتوح لإيران، التي قدمت المساعدة لأنصار الله.

على الرغم من علاقات الحلفاء بين إيران والاتحاد الروسي على المسار السوري، لم يتم ملاحظة مثل هذا التوافق في المواقف خلال الصراع اليمني. كانت موسكو في مرحلة معينة أكثر تعاطفا مع معارضي التحالف المناهض للحوثيين - بقيادة السعودية والإمارات – سيما أن الرئيس اليمني السابق ورئيس حزب المؤتمر الشعبي العام علي عبد الله صالح ، الذي كان حليفا للحوثيين. كان يعتبر "المفضّل" لدى موسكو. وأعرب الجانب الروسي عن اعتقاده بإمكانية إطلاق عملية السلام حول هذه التركيبة.

ومع ذلك، بعد اندلاع الصراع بين صالح والحوثيين، وقتل صالح على يد الحوثيين في ديسمبر 2017، بدأت موسكو تنأى بنفسها عن الحوثيين. على وجه الخصوص، في ذلك الوقت تم إغلاق السفارة الروسية في صنعاء. (حافظت روسيا على اتصالات مع طرفي الصراع من خلال بعثتها في الرياض، حيث كان يوجد السفير الروسي في اليمن، وفي صنعاء بقي القائم بالأعمال).

بعد اغتيال صالح، قال مسؤول وزارة الخارجية الروسية إن الحوثيين "تطرفوا". ومع ذلك لا يزال الجانب الروسي يحتفظ بعلاقات مع الحوثيين ومستعد لاستضافة اجتماعات مع الجماعة في روسيا إذا دعت الحاجة.

بدوره أثار لافروف، في محادثات مع نظيره اليمني، موضوع الكارثة الإنسانية في البلاد، الناجمة عن العزلة الخارجية لتلك المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون. ونوه رئيس الخارجية الروسية إلى ضرورة رفع الحصار البحري والبري والجوي عن الأراضي اليمنية، واتخاذ خطوات عملية عاجلة أخرى لتقديم المساعدة للسكان المدنيين، بغض النظر عمن يسيطر على مناطق معينة من اليمن كبلد، وأكد أن روسيا ستواصل تقديم المساعدة بكل وسيلة ممكنة في إيجاد حل شامل لكثير من المشاكل التي يواجهها اليمن اليوم، والتي تشعر دول الجوار بعواقبها إلى حد كبير.

وناقشا خلال المحادثات بين لافروف ومبارك القواعد العسكرية الأجنبية في اليمن. نفى وزير الخارجية اليمنية، في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي، المعلومات حول وجود أي اتفاقيات مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بشأن إنشاء قواعد عسكرية أجنبية دائمة على أراضي البلاد، ولا سيما قاعدة القوة الجوية الإماراتية. وقال وزير الخارجية اليمني إن مثل هذه الاتفاقيات يجب أن يوافق عليها البرلمان اليمني. هذه مسائل تتعلق بسيادة البلاد. نحن نتمسك بمبدأ رئيس واحد: كل الأراضي اليمنية والمياه والسماء هي قيمها الرئيسة، ولا يمكن لأي طرف رفض ذلك. لا اتفاق تم توقيعه مع أي شخص فيما يتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي اليمنية، كما وصفت التقارير عن منشآت عسكرية إسرائيلية مزعومة تقع في جزيرة سقطرى بأنها "خيالية".

كانت مثل هذه التصريحات مهمة في المقام الأول؛ لأن روسيا قد تستمر في إبداء الاهتمام بإنشاء قواعد عسكرية خاصة بها في اليمن. في وقت سابق، وفي عام 2016 قبل وفاته، أوضح الرئيس السابق صالح لموسكو أنه مستعد لدعم الوجود العسكري الروسي في البلاد.

بالنظر إلى حقيقة أن الوضع حول القاعدة الروسية في بورتسودان لم يتم توضيحه بالكامل، ولم يتم الإعلان عن القرار النهائي من الجانب السوداني، فقد تفكر موسكو في اليمن كموقع بديل لقاعدتها البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. لذلك ، يرجح أن يكون اليمنيون أوضحوا أن وجود القوات الإماراتية والمنشآت العسكرية في اليمن ظاهرة مؤقتة، وإذا تم اتخاذ القرار المناسب، فقد تظهر القوات الروسية في هذه القواعد بدلا من القوات الإماراتية.

خلال الحقبة السوفيتية، تم النظر في إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في جزيرة سقطرى، حيث أجرت البحرية السوفيتية تدريبات عسكرية بمشاركة مشاة البحرية. ومع ذلك، لم يتم إنشاء القاعدة أبدًا نظرًا لوجود قاعدة دائمة مجهزة بالكامل من الأسطول السوفيتي في أرخبيل دهلك، في إثيوبيا (إريتريا الآن)، في مكان قريب.
في عام 2009، أُعلن مرة أخرى أن موسكو تنوي إنشاء قاعدة بحرية في سقطرى، لكن أحداث الربيع العربي أحبطت هذه الخطط.

وترغب روسيا في استعادة التعاون العسكري التقني مع اليمن، الذي أوقفته الحرب الأهلية.

في عام 2010، أعلنت اليمن عن استعدادها لشراء معدات عسكرية من روسيا بمبلغ إجمالي يزيد عن مليار دولار، بما في ذلك ما يصل إلى 30 مقاتلة من طراز ميج 29، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز Mi-35 و Ka-52، وطائرات هليكوبتر نقل عسكرية من نوع Mi -17، ودبابات T-72M1، وأنظمة كورنيت المضادة للدبابات، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة سميرش، وعربات القتال المشاة BMP-3.

في 2013-2014، بعد الثورة في البلاد، أكدت القيادة اليمنية الجديدة خطط هذه المشتريات. بحلول ذلك الوقت، توقعت مؤسسة التصنيع العسكرية الروسية، الوكالة الوحيدة المملوكة للدولة لتصدير المعدات العسكرية، إكمال الطلب بحلول نهاية عام 2021. ومع ذلك، بسبب حظر الأسلحة الساري منذ عام 2015، تم تجميد هذه العقود.

حافظت روسيا على علاقة ثقة مع الحوثيين، بينما تحافظ في الوقت نفسه على مستوى عالٍ من الاتصال مع كل من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا (تحت حكم هادي) ومع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي زار ممثلوه موسكو أيضًا. ويمكن للروس استخدام هذه المنصات لتنظيم الاتصالات بين مختلف أطراف النزاع وممثليهم. بالإضافة إلى ذلك، في حل الأزمة اليمنية، قد تتطابق مصالح روسيا والولايات المتحدة، ويمكن للدولتين العمل في نفس الاتجاه لتسوية مبكرة للأزمة اليمنية، والتغلب على الكارثة الإنسانية في هذا البلد.

"المونيتور"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى