تمزق النسيج الاجتماعي.. الأسباب والمعالجات

> عدن "الأيام" فردوس العلمي:

>
  • حمل السلاح وغياب السلطة من أسباب تفكك المجتمع
  • التمزق الأسري.. أخطاء فردية تنعكس على المجتمع سلبا
  • الفقر المدقع والغنى الفاحش يقودان لذات النتيجة
للصراعات الدموية أثرها البالغ سلبياً على المجتمعات وتماسكها، فمن المرجح أن ليس هناك ما ينخر في النسيج الاجتماعي أسوأ من الحروب والصراعات التي تؤثر في نفسية السكان آثرا غالبا ما يكون طويل المدى وواسع النطاق.

ويعاني مجتمعنا الذي طالته الحروب وأحرقته ودمرته الكثير من الظواهر السلبية التي لم تكن تُعرف من سابق في عدن، والتي من شأنها تأجيج النزاع والإسهام في التمزق المجتمعي، في هذا التقرير نسلط الضوء على الأسباب والآثار التي يخلفها تمزق النسيج الاجتماعي، والتي تم رصدها من خلال تقرير مخرجات الجلسات الحوارية للندوة التي نفذتها مؤسسة وجود للأمن الإنساني في أكتوبر 2020م، وخصصت لمعرفة الأسباب وإيجاد الحلول، ضمن مشروع تعزيز دور النساء والشباب لبناء مجتمعات متماسكة بالتعاون مع مؤسسة سيفر وورلد.

المشروع شمل المديريات الثمان في عدن، وهدف إلى تقييم مدى تمزق النسيج الاجتماعي على النساء بشكل خاص، وإيجاد توصيات ومعالجات من النساء حول تمزق النسيج الاجتماعي وكيف أثر عليهن.

ما تمت ملاحظته في التقرير أن القضايا العاجلة التي حددتها الثمان المديريات في التقرير كقضايا تؤجج النزاع وتساهم في التمزق المجتمعي فيها، تباينت من حيث النسب، حيث أكدت مديريات صيرة، دار سعد، الشيخ عثمان، والمنصورة، على أن حمل السلاح يمثل سبباً في تمزق النسيج بنسبة 50 %، وفيما أوضحت مديريات صيرة، المنصورة، والبريقة، أن غياب السلطة المحلية يؤثر بنسبة 37.5 %، أكدت مديريات الشيخ عثمان، دار سعد، وصيرة، أن وجود المناطق المهمشة والأقليات يسهم ما بنسبته 37.5 % في تأجيج المزارع، وفي ذات الوقت كان البسط على الأراضي والبناء العشوائي يمثل سبباً في الظاهرة بنسبة 25 %، والمخدرات بنسبة 12.5 % في المنصورة.

وأشار التقرير إلى الجهات المساهمة في بناء مجتمع متماسك، والأدوار المتوقع أن تحققها تلك الجهات والقضايا العاجلة التي تهم المجتمع، مقدماً اقتراحات وحلولاً ومعالجات تضع آليات واضحة للقضايا العاجلة.
وأكد التقرير أن الجهات التي يعول عليها لعب دور في بناء التماسك المجتمعي والحد من تمزق النسيج الاجتماعي، هي النساء والمنظمات النسوية، الإعلام، والمساجد بنسبة 62.5 %، المؤسسات التعليمية (المدارس والجامعات)، السلطة المحلية والمجالس الأهلية وأقسام الشرطة.

أسباب تمزق نسيج المجتمع
ذكر مواطنون من المديريات الثمان أن أسباب التمزق الاجتماعي هي الحروب التي قست قلوب الناس، تدني دخل الأسر، ارتفاع الأسعار، هبوط العملة، الحرمان من الراتب، اختلاف التوجهات السياسية ليس فقط في المجتمع، بل في إطار الأسرة نفسها، تدني المخرجات التعليمية، تدهور الصحة، انتشار الغش، وتفاقم البطالة.

وفيما يتعلق بالظواهر التي أدت إلى تمزق النسيج الاجتماعي، أكد المواطنون أن "التحرش بالنساء والأطفال، وخطف النساء ورمي المواليد في القمامة والطرقات، وتجارة المخدرات والزواج المبكر، وانتشار حمل السلاح، كلها ظواهر دخيلة على مجتمعنا أدت إلى زيادة التفكك الأسري والطلاق المبكر".

وتحدث مواطنون عن أن المدارس تعتبر من أول الجهات التي تساهم في بناء مجتمع متماسك وتصقل الطلاب بالتربية والتعليم، مطالبين بضرورة استحداث مادة أو مقرر دراسي يهتم بالتوعية بأهمية النسيج الاجتماعي، أو أن تضاف موضوعات إلى مادة التربية الوطنية حول التوعية بأهمية النسيج الاجتماعي، وحث الطلاب على عمل واجبات منزلية تدعم نسيج المجتمع، وطرح درجات عليها تحسب ضمن أعمال السنة، إضافة إلى مسابقات علمية ثقافية وأنشطة رياضية تخلق الانسجام والتوافق الاجتماعي بين أوساط الطلاب والهيئة التعليمية في المدرسة مع إشراك أولياء الأمور، وكذا عمل لقاءات لتعريفهم بأهمية النسيج الاجتماعي وأهميته ويوم مفتوح في المدارس لنبذ العنف والتمييز في المجتمع لتحقيق التقارب والتعاون بين التلاميذ.

كما أورد التقرير ضرورة تفعيل دور المشرف الاجتماعي بما يتناسب مع التوعية بالترابط الأسري والاجتماعي، وكذا تفعيل الإذاعة المدرسية بمواضيع أخلاقية تربوية ومواضيع متعلقة بالتماسك الاجتماعي، وتطوير المعلمين في مجال الدعم النفسي، وتأهيل العاملين في التربية والتعليم باعتبارهم أصحاب رسالة لا كموظفين، متطرقاً إلى دور الجامعات في تعزيز التماسك المجتمعي من خلال عمل دورات توعوية وجلسات حوارية للطلبة الجامعيين والتشبيك مع المنظمات أو ذوي الاختصاص، وعمل فعاليات وأنشطة يديرها الطلبة، وعمل مهرجانات تبرز الإيجابيات في المجتمع لدعم نسيج المجتمع وترابطه.

ولم يغفل التقرير دور المساجد والسلطة المحلية في نبذ التفرقة وتعزيز تماسك النسيج المجتمعي، والجهات الأمنية المناط بها تنفيذ حملات جادة للحد من ظاهرة حمل السلاح.
وفي هذا الشأن، قال نائب المدير العام للشؤون الاجتماعية والعمل المحامي أرسلان محمد علي: "إذا أردنا أن نبحث عن تأثير تمزق النسيج المجتمعي على الأسرة، فلا بد علينا من أن نبحث على أسباب نشوء هذا التمزق، وبمعرفة الأسباب سوف نعرف مدى التأثير على الأسرة، ومن ثم على المجتمع".

وأضاف: "هناك جملة من الأسباب منها الفقر أو الغنى المترف، فإنه في الحالتين سيحدث حتماً انشغال ولي الأمر إما في البحث عن مصدر دخل إضافي في حالة الفقر، أو تنمية هذه الثروة بالتفرغ لها في حالة الغنى، ويكون عادة هذا السبب على حساب متابعة الزوجة أو الأبناء وعدم التوعية لهما والتفرغ بمشاركتهما بالحياة والرقابة على تصرفاتهما وهنا بعد ذلك يأتي التأثير العكسي المتمثل بنشوز الزوجة والتصرف على هواها وعدم الاهتمام بحياتها الزوجية نتيجة التذمر الذي وصلت له وقد تقع بالخطيئة أو التصرفات غير المسؤولة المؤثرة على أسرتها وبعد ذلك على المجتمع، بينما التأثير على الأبناء يأتي بتعاطيهم أشياء محرمة لم يجدوا من يوعيهم بخطرها وغيرها من الممارسات الخاطئة".

وأكد أرسلان بان هذا الأثر ينعكس على الأبناء الفقراء و الأغنياء على حد سواء نتيجة عدم المتابعة والرقابة عليهم الانشغال عنهم بأمور حياتية يظن بأنها تؤمن لهم حياة كريمة، مشيرا إلى أن هذه الأسباب تنعكس بأثر عام على المجتمع وتحوله إلى فاسد يعاني من أزمة أخلاق وتظهر عليها تصرفات دخيلة أثرها أكثر خطرا من أثر تعاطي الحشيش والمخدرات التي من الممكن أن يصلوا إليها بسبب تمزق النسيج، حد تعبيره.

وقال:" الأثر العام على المجتمع يشكل حالة قلق للأسر الملتزمة بواجبها ، فتخشى من ان يكون أبناؤهم ضحايا الاختلاط بضحايا الأثر على الاسرة ويؤثر سلوكهم على ابنائهم، ولكي يتم الحد من هذا التمزق الأسري و المجتمعي يتحتم علينا أولا إنهاء آثار الحرب التي خلقت هذا كله بعدم الاستقرار المعيشي للأسر بسبب الغلاء او الثراء الفاحش لدى الفاسدين الذي يستغلون الحرب في تنفيذ اجندتهم على حساب المواطن البسيط و ذلك من خلال فرض سلطه الدولة و تطبيق القانون و خلق المشاركة المجتمعية التي تسهم برصد هذه الانتهاكات او هذه الظواهر المعروفة بتمزيق النسيج المجتمعي التي فرضت طبقة على حساب طبقة اخرى مهمشة، لقد كانت بالسابق هذه الطبقتين وغيرها من الطبقات تعيش في عدن في أجواء تعايش سلمي دون نزعة عرقية أو مذهبية أو مادية، بل أنه حتى في ظل تفكك الأسري في بعض الحالات، كانت الدولة توفر فرص للتكافل الاجتماعي وحل هذه المشاكل عبر أطر قانونية وهو ما نفتقده اليوم للأسف في عدن".

ورداً على سؤالنا حول دور الشؤون الاجتماعية للحد من هذا التمزق، قال أرسلان: "أكيد لنا دور مهم وفعال فبعد الرصد المجتمعي تقوم الشؤون الاجتماعية بعملية المسح لهذا الأسر والعمل على مساعدتها وتوعيتها، وخلق حلقة تواصل بين الجهات الرسمية لمساعدتها بحل هذه المشكلة بعد الخروج بتوصيات منها، كما يكمن دورها بخلق همزة وصل بينها وبين المنظمات الدولية الداعمة ومنظمات المجتمع المدني، لدعمها وحل مشكلتها والحيلولة من استمرار هذا التمزق والحد من هذه الظاهرة السلبية".

المسؤوليات والتمزق الأسري
القاضي منى صالح محمد، أفادت أن التمزق الأسري من الأمور الهامة التي تترك آثاراً كبيرة على الأسرة، ومن ثم المجتمع الذي يعد الكيان الكبير لهذا الكيان الصغير: "إن التمزق يعني التفكك من الناحية المجتمعية التي تكون بسبب المشاكل المعقدة بين أطراف الأسرة التي هي دائماً ما تكون بين الأب والأم من جهة، أوبين الأم وأولادها والأب وأولاده من جهة أخرى، وتكون بسبب عدم تفهم كلاهما للآخر مما ينتج عنه مشاكل وخيمة تؤدي إلى آثار سيئة تعكس نفسها على حياتهم"، عرفت التمزق الأسري.

وقالت: "التمزق الأسري يمكن أن يكون بوجود رب الأسرة إن كان أباً أو أماً، لكن لا يقوم بدوره الأساسي الذي يجب أن يكون كواجب عليه القيام به، من رعاية الأبناء واحتضانهم وتبني قضاياهم ومشاكلهم عن قرب، قد يكونون متواجدين بداخل الأسرة التي تعتبر المكون الأساسي الذي تنشأ من خلاله المجتمعات، لكنهم يتجاهلون بعضهم البعض ويغفلون أدوارهم".

وأضافت: "هناك تمزق أسري تنتج عنه آثار وخيمة بسبب انفصال الأب عن الأم وطلاقهما مما يؤدي إلى تشتت أفراد الأسرة في ظل عدم وجود القائم على الأولاد ورعايتهم وتلمس مشاكلهم ورعايتهم الرعاية الواجبة مما يؤثر على نفسيتهم سيكولوجياً ونفسياً".

ونصحت بأن: "الرعاية وعدم إقحام الأولاد بالمشاكل التي تحصل بين الأب والأم من قبل رب الأسرة إن كانت امرأة أو رجلاً، مهم جداً للحفاظ على تماسك الأسرة وحمايتها من التمزق والضياع، لأن ذلك من أهم مقومات الحياة المجتمعية والاجتماعية للمتعايشين تحت مظلة الأسرة التي يجب أن يكون من أهم ركائزها التوازن لحل أي مشكلة تواجه أفرادها، وألا يسمح بأن تتغلغل الأمور لتصل إلى مرحله مستعصية وتفلت زمام الأمور، وتصبح الأسرة ممزقة غير متجانسة ومفككة، ويصيب أنسجتها تمزق لا تًحمد عقباه".

توصيات لتعزيز لحمة المجتمع
تقرير المؤسسة أوصى بالاستمرار في عمل جلسات بؤرية توعوية لمختلف شرائح وفئات المجتمع وتوزيع منشورات وملصقات حول كيفية إعادة التماسك الاجتماعي في محافظة عدن وإلحاق الفئات المهمشة والأشد فقراً بالتعليم لزيادة الوعي وسد أوقات الفراغ لديهم.

وتطرق التقرير في توصياته إلى رفع مشاكل ومتطلبات الأهالي في كل مديرية للسلطات المختصة للحد من معاناتهم، ربما من خلال تشكيل لجان مجتمعية لها دور وتأثير إيجابي في المنطقة لحل المشاكل أو النزاعات المختلفة، ويكون دورها أيضاً دوراً وسيطاً فعالاً، إضافة إلى التنسيق مع أئمة المساجد لعمل خطب يومية أو أسبوعية لتوعية أفراد المجتمع بمخاطر النزاعات وأثرها على المجتمع بشكل سلبي، والتذكير بأن ديننا الحنيف يحثنا على التراحم والتلاحم ونشر السلام، وتوعية مجتمعية فعالة من شأنها تحذير الأفراد من تأثير الصراعات والنزاعات الناتجة عن التعصب الديني والسياسي على الفرد والمجتمع.

وحظ التقرير على إنشاء مراكز تأهيل نفسي للأفراد المشاركين في الصراع المسلح والحروب العبثية الدائرة في الوطن، وعدم إقحام الأطفال في الصراع المسلح، على أن يتم الجلوس مع طرفي النزاع من الذين لهم احترام في المنطقة، وعقال الحارات والمجالس المحلية لتقديم النصح بعدم استخدام السلاح في حل النزاع وتكاتف جهود المجتمع المدني والمجالس المحلية، وبدعم المنظمات المحلية والدولية لمساعدة الفقراء في جميع المناطق المهمشة في المديريات الثمان، مشدداً على أهمية إنشاء مراكز تعليمية للأطفال تعمل على سد الفراغ الذي سببه إغلاق المدارس الحكومية وإنشاء مراكز رياضة للشباب، للحد من البطالة.

وتظل هذه الظاهرة وغيرها مما يؤثر على المجتمع بصورة مباشرة تتفاقم، ويتطور أثرها السلبي على الأفراد بسبب تجاهل التقارير الراصدة والأرقام والمعلومات المؤشرة على استفحال تلك الظواهر، والتوصيات التي تصيغ حلولاً ومعالجات من شأنها وضع حد للظواهر السلبية لا يمكن تنفيذها بدون تعاون الجهات المعنية سواءً في السلطات أو منظمات المجتمع المدني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى