إسرائيل تصعّد غارات “الأحزمة النارية” وتحكم على سكان شمال غزة بالإعدام

> «الأيام» القدس العربي:

> مع طول مدة الحرب الدامية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي دخلت شهرها الثالث، تسوء يوماً بعد يوم أوضاع السكان الخاضعين لحصار محكم، طال أمنهم وأكلهم ودواءهم، إذ لم يعد الموت بالصواريخ هو وحده من يقتل السكان، في ظل تفشي الأمراض، وعدم وجود مرافق طبية في العديد من الأماكن التي يلجأ إليها المرضى أو المصابون للعلاج.

وتزيد الحرب التي يشنها الاحتلال يومياً من مخاطر موت السكان، وترفع من عدد الضحايا، سواء العدد الكبير الذي يقتل بالصواريخ الفتاكة التي تلقيها الطائرات الحربية والمدفعية والزوارق، أو بسبب منعهم من العلاج الذي يتوفر بالأصل بكميات قليلة، نظراً لمنع سلطات الاحتلال وصوله بالكميات المطلوبة للسكان، أو بسبب استهدافها المخطط للمنظومة الصحية، المشافي ومراكز العلاج وخدمات الإسعاف، إما بالقصف المباشر، أو بالحصار من خلال الدبابات، أو من خلال تقطيع الطرق أمام عربات المسعفين.

قرارات بالإعدام

وفي مناطق غزة والشمال تحديداً يزداد هذا الخطر بشكل أكبر، وروى شهود عيان، ما عايشوه عند قصف جيش الاحتلال مسجداً في بداية شارع الجلاء، أحد شوارع مدينة غزة المعروفة، حيث أدى ذلك القصف إلى وقوع إصابات في عدد من القاطنين في بنايات قريبة.

وحسب الشهود، فقد منعت طواقم الإسعاف من خلال استهدافها من قبل آليات عسكرية إسرائيلية كانت قريبة من المكان، من الوصول إلى المنطقة المستهدفة، ما أدى إلى استشهاد أحد المصابين بعد ساعات من الإصابة، فيما بات الآخرون في وضع صحي حرج جداً، حتى جرى إجلاؤهم بصعوبة في صباح اليوم التالي، وبعد أكثر من 12 ساعة على الاستهداف، ومن بينهم أطفال.

وتتجه الأوضاع الصحية في مناطق غزة والشمال إلى مرحلة الخطر الكبير، وهي المناطق التي طلب جيش الاحتلال من سكانها مغادرتها، بعد أيام من بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، إلى مناطق “جنوب وادي غزة”، والتي تتعرّض هي الأخرى لاستهدافات خطيرة منذ بدء الحرب.

ويعود ذلك، إلى النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بسبب منع قوات جيش الاحتلال التي تفصل مناطق شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وصول مساعدات طبية إلى المشافي هناك، بعد أن تعرّضت من قبل لقصف وتدمير وحصار ومداهمات نفذتها قوات الاحتلال.

كما منع جيش الاحتلال وصول كميات من الوقود إلى المشافي والمراكز الطبية وعربات الإسعاف في مناطق شمال قطاع غزة، وسمح فقط، وقت الهدن الإنسانية، بمرور النزر اليسير من المساعدات، التي لم تف بحاجة السكان هناك، الذين يعانون من ندرة الطعام، ولا حاجة المراكز الطبية، التي قدمت ولا تزال خدمات لعشرات آلاف المصابين، بسبب الغارات الدامية، التي أدت إلى نفاد ما لديها من مستلزمات طبية.

وأدت تلك الغارات إلى إعلان وزارة الصحة، عن خروج مشفى كمال عدوان عن الخدمة، وهو المشفى الوحيد الذي كان يعمل في مناطق شمال القطاع، بعد استهداف المشفى الإندونيسي، ومحاصرة مشفى العودة وشل خدماته في شمال القطاع.

وقد أعلن المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش أن منطقة شمال غزة بالكامل أصبحت دون خدمات صحية، لافتاً إلى أن الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان، حيث يتواجد على بعد كيلومتر واحد من كل اتجاه، والذي يقوم في ذات الوقت بإطلاق النار على كل من يتحرك داخله، فيما هناك أكثر من 100 جثة داخل المستشفى لا يسمح الاحتلال بدفنها.

كما أعلن المسؤول في وزارة الصحة في غزة أن هذا المستشفى أصبح دون وقود، مشيراً، في ذات الوقت، إلى أن هناك أكثر من 800 ألف شخص لا يزالون في مناطق غزة والشمال، لا تستطيع المنظومة الطبية تقديم الرعاية الصحية لأي منهم.

وأكد في ذات الوقت أن الاحتلال لا يترك فرصة لعمل المنشآت الطبية، ويستهدف المستشفيات مباشرة.

وما زاد من خطورة الوضع المأساوي، هو إعلان جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وهي الجهة التي توكل إليها مهمة إجلاء المرضى والمصابين إلى المشافي، عن توقف مركز إسعاف الجمعية في محافظة شمال غزة عن العمل.

وقالت الجمعية، في بيان صحافي، إن نفاد الوقود الخاص بمركبات الإسعاف، وخروج المستشفيات العاملة في شمال القطاع عن الخدمة، أدى إلى استحالة العمل على إخلاء الجرحى وجثامين الشهداء.

وأوضحت في ذات الوقت أن النقطة الطبية التي أقامها فريق إسعاف الجمعية في جباليا للتعامل مع الإصابات الطفيفة والمتوسطة ما تزال تعمل، وتستقبل يومياً ما لا يقل عن 250 جريحاً.

ويعني توقف مشفى كمال عدوان عن الخدمة، وتوقف مركز الإسعاف شمال القطاع أن جيش الاحتلال حَكَمَ على مرضى ومصابين منطقة الشمال بالإعدام.

وترافق هذا الأمر مع تصعيد جيش الاحتلال من هجماته خلال الـ48 ساعة الماضية ضد مناطق غزة وشمال القطاع، من خلال تنفيذ غارات جوية استهدفت عدة مناطق، أبرزها مخيم جباليا وحي الشجاعية، على شكل “أحزمة نارية”، أدت إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، حيث أبادت الغارات عائلات بشكل كامل، فيما واجه السكان صعوبة كبيرة في انتشال الضحايا وإجلاء المصابين.

وأطلق الكثير من السكان مناشدات على مواقع التواصل تدعو طواقم الإسعاف، أو من يقدر على تقديم الخدمات الطبية، للوصول إلى المناطق المستهدفة لتقديم خدمات الإسعاف.

أوضاع مأساوية

وهذا الخطر ليس بعيداً عن الوضع في مناطق وسط وجنوب القطاع، التي يكثر فيها عدد النازحين، وذلك في ظل الهجمات الجوية الإسرائيلية التي أوقعت آلاف الشهداء والمصابين، إذ زاد الوضع خطورة بعد بدء جيش الاحتلال بعملية عسكرية برية تستهدف في هذه الأوقات مدينة خان يونس جنوب القطاع، والتي أجبر سكانها على النزوح القسري لعدة مناطق في وسط القطاع وفي مدينة رفح جنوباً.

وبسبب العملية العسكرية التي قطع خلالها جيش الاحتلال الطريق الرئيس الواصل بين المدينة ووسط القطاع، وهي الطريق التي تسلكها الشاحنات التي تمر من معبر رفح محملة بالمساعدات الإنسانية والطبية للمواطنين، لم يعد أمر وصول هذه المساعدات يسيراً لا لمدينة خان يونس، التي أعلنت المؤسسات الإغاثية توقف عملياتها هناك بسبب الهجوم الإسرائيلي، ولا لمناطق وسط القطاع، التي تزدحم كثيراً بالنازحين من عدة مناطق في القطاع.

وفي هذا السياق، كان برنامج الأغذية العالمي دعا إلى وقف إطلاق النار بشكل عاجل، لأسباب إنسانية في غزة، وأكد أن توزيع المساعدات في غزة أصبح شبه مستحيل، ويعرض حياة العاملين في المجال الإنساني للخطر.

وتشهد مناطق وسط القطاع شحاً كبيراً في إمدادات الطعام، سواء الخضروات التي كانت تصل إليهم من مناطق جنوب القطاع، أو من مواد المساعدات الإغاثية التي تدخل من معبر رفح، كما تأثرت بذلك المنظومة الطبية في المنطقة، التي يقطنها مئات الآلاف من الغزيين.

وتخلو الأسواق في هذه الأوقات في مناطق وسط القطاع من الكثير من الأصناف الغذائية الرئيسة، فيما يشتكي النازحون المتواجدون في “مراكز الإيواء” من عدم حصولهم على الأطعمة التي تسد جوعهم وجوع أطفالهم، وقال أحد النازحين لـ “القدس العربي” إنه تلقى وأسرته بعضاً من قطع البسكويت قليلة الحجم والكمية، وكيساً صغيراً من البقوليات، على مدار يومين، لافتاً إلى أن الكمية لا تكفي إفطار أسرته المكونة من سبعة أفراد.

ويشكو النازحون في مراكز الإيواء المزدحمة، والذين قدموا من مناطق غزة والشمال، ومن مناطق حدودية شرق المنطقة الوسطى، والتي تتعرض هي الأخرى لقصف إسرائيلي عنيف، من عدم دخول إمدادات غذائية لهم بالكم المطلوب، منذ أن انتهت الهدنة الإنسانية قبل أسبوع، وتحديداً مع بدء التوغل البري في مدينة خان يونس.

وتأثر النازحون جراء ذلك، خاصة في مجال التغذية الضرورية لكبار السن والأطفال والمرضى، وأكد أحد المسؤولين في تلك المراكز أن موجة البرد الأخيرة التي ترافقت مع المنخفض الجوي أدت إلى إصابة غالبية من في “مركز الإيواء” الذي يعمل به بأمراض البرد وبنزلات معوية معدية، بسبب العدوى التي انتقلت بسهولة بسبب الازدحام، وطالت حتى العاملين.

وقال المدير الطبي لمستشفى شهداء الأقصى، الذي يخدم سكان وسط القطاع، إن الأمراض بدأت تنتشر بين النازحين، مثل الالتهابات الرئوية والطفح الجلدي، لافتاً في ذات الوقت إلى أن بعض المرضى يموتون في قسم الطوارئ بسبب نقص غرف العناية المركزة.

كوارث في الجنوب

وهذا المشهد المأساوي في العيش لا يختلف عن الوضع في مدينتي خان يونس التي تتعرض لهجوم بري عنيف، ولا في مدينة رفح، الواقعة على الحدود مع مصر، حيث تشهد الأولى هجمات دامية وعنيفة، تمهد لتوسيع رقعة الاجتياح البري، وتضرب مربعات سكنية، وتقتل من فيها من سكان ومن ضمنهم الأطفال، فيما باتت الثانية ممتلئة بالنازحين الفارين من الغارات والهجوم على خان يونس.

ومجدداً أكد سكان من رفح أنه لم يعد هناك أي مكان يمكن أن يستقبل النازحين الجدد، الذين اضطر الكثير منهم للمبيت في الشارع بلا أغطية في ظل تدني درجات الحرارة خاصة في ساعات الليل.

وكانت مديرية الأوقاف في تلك المدينة أعلنت عن فتح أبواب المساجد هناك أمام الأطفال والنساء والمسنين للإقامة فيها، مع استمرار توافد النازحين في أجواء البرد.

والجدير ذكره أن قوات الاحتلال، رغم طلبها من سكان خان يونس إخلاء منازلهم والتوجه إلى مدينة رفح، إلا أنها واصلت غارتها الجوية التي طالت أماكن النزوح الجديدة.

وفي هذا السياق، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” أن قطاع غزة بأكمله، أصبح من أخطر الأماكن في العالم، ولا توجد منطقة آمنة فيه.

وأشارت إلى وجود موجة أخرى من النزوح تجري في غزة، وأكدت أيضاً أن الوضع يزداد سوءاً كل دقيقة.

وإلى جانب هذا الخطر الكبير الذي يهدد حياة السكان، يخشى من خطر آخر، يتمثل في تنفيذ مخطط جيش الاحتلال، لضخ مياه البحر، بحجة إغراق الأنفاق التي تقيمها المقاومة في باطن الأرض.

ولذلك حذرت سلطة المياه الفلسطينية، من المخاطر التي قد تترتب على إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ تهديداته، باستخدام مضخات كبيرة لضخ مياه البحر إلى داخل قطاع غزة، وقالت إن ذلك سيتسبب بحدوث كارثة مائية وبيئية ومخاطر جسيمة، وخصوصاً على المياه الجوفية قد يصعب تداركها مستقبلاً.

وأكدت أن تنفيذ هذا التهديد بضخ مياه البحر، سيكون له آثار مدمرة على الخزان الجوفي الساحلي في قطاع غزة، من حيث ارتفاع معدلات ملوحة المياه الجوفية بشكل غير مسبوق، بسبب ملوحة مياه البحر، والتي تقدر بحوالي 30 ألف ملغم/ لتر، ما سيؤدي إلى تدمير الخزان الجوفي، وبالتالي القضاء على أي أمل مستقبلاً في إعادة تأهيله.

وأشارت إلى أن ذلك ينسف الجهود الكبيرة والمضنية التي بُذلت، خلال السنوات السابقة، لمعالجة وضع الخزان الجوفي وتجاوز الكارثة البيئية التي كانت تهدد القطاع في العام 2020، وتهدد باستحالة استمرار الحياة فيه.

وأكدت أن ضخ مياه البحر أسفل القطاع في طبقات رملية سيؤدي إلى “خلخلة وتمييع التربة الرملية”، وبالتالي حدوث هبوط في سطح الأرض في العديد من مناطق القطاع، مشيرة إلى أن هذا الأمر ينذر بانهيار ما تبقى من منازل ومباني وبنية تحتية، عدا عن انعكاس ذلك على زيادة نسبة الملوحة في التربة، ما سيجعلها غير قابلة للزراعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى