مقتل خالد باطرفي ينذر بخسارة الحوثيين لحليفهم السني

> «الأيام» العرب:

> يرى محللون أن خالد باطرفي زعيم فرع القاعدة باليمن لو لم يُقتل لكان مصيره عاجلا أم آجلا الإزاحة أو الانقلاب عليه من قبل ساخطين على سوء إدارته وفساده وعلاقاته الغامضة بجماعة الحوثي، وقادة مركز التنظيم في طهران.

ومع الإعلان عن مقتل خالد باطرفي المُكنى بأبي المقداد الكندي في العاشر من مارس الجاري سوف تصبح سياساته وتحالفاته قيد التصويب من جانب خلفه سعد بن عاطف العولقي الذي منعه ولاؤه التنظيمي وتقديسه للسمع والطاعة، عن قيادة تمرد مع أبناء الجنوب الذين باتوا على قناعة بأن التنظيم صار عبئا عليهم.

وعلى رأس المآخذ التي جعلت العديد من القادة يتركون التنظيم وآخرين يكتمون انتقاداتهم خوفًا من التصفية بذريعة الاتهام بالعمالة والجاسوسية، أن خالد باطرفي قطع شوطا في ربط مصير فرع القاعدة باليمن بأجندات إيران وجماعة الحوثي وتمكين القيادات الأجنبية وتعظيم نفوذهم على حساب العناصر اليمنية.

وما أكد أن التغيير وشيك في حال حضور باطرفي أو غيابه تصاعد المخاوف داخل التنظيم من استهداف عناصره ضمن الحملة الأميركية والبريطانية التي تشن ضد الحوثيين، على خلفية عملياتهم العسكرية المهددة لأمن الملاحة وإمدادات الطاقة في جنوب البحر الأحمر.

أجندة إيران

رضخت قيادة فرع القاعدة في اليمن السابقة لأجندة إيران والحرس الثوري وتحولت إلى أداة مساعدة لتوسيع نفوذ الحوثيين داخليًا وداعمة لموقفهم المعادي للغرب تحت ستار دعم المقاومة الفلسطينية في حربها ضد إسرائيل. وأبدى معارضو باطرفي قلقا من جذب الاهتمام الدولي وعودة قنصهم بالطائرات المسيرة نتيجة ظهور بوادر تعاون غير معلن مع الحوثيين قبل هجوم عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.

وتحول القلق إلى ذعر حقيقي بعد هذا التاريخ خوفًا من أن تشمل التنظيم ردة فعل الولايات المتحدة، والتي يرجح ألا تتوقف عند حدود الضربات الجوية بعد مواصلة جماعة أنصار الله (جماعة الحوثي) مهاجمة السفن واستمرار فرع القاعدة في إظهار دعمه لها بالأقوال والأفعال. وتحت ضغط إملاءات قائد القاعدة المركزي محمد صلاح الدين زيدان (سيف العدل) المقيم في إيران وليظهر القاعدة في اليمن في الصورة رفقة الحوثيين في إطار مؤازرة الفلسطينيين في غزة، أعاد الفرع إصدار المجلة المصورة “إنسباير” الناطقة بالإنجليزية بعد توقفها ست سنوات.

وحرض فرع القاعدة باليمن في أعداد المجلة الأخيرة على شن هجمات وفقًا لتكتيك الذئاب المنفردة انتصارا لغزة، على غرار هجمات نفذها متعاطفون مع التنظيم في السابق داخل بعض الدول الغربية. واكتفى خالد باطرفي قبل وفاته الغامضة، وكان في أوائل الأربعينات من عمره، بشن عمليات ذئاب منفردة داخل العمق الأميركي والأوروبي ليظل قادرًا على ترك مسافة إعلامية بينه وبين الحوثيين ويخفف من غضب عناصر التنظيم والقبائل السنية، وكانت هذه العمليات سهلة التنفيذ وقليلة الكلفة وقابلة للتوظيف الدعائي الذي كان يجيده باطرفي.

وعلى الرغم من ذلك كان التحول باتجاه التقارب والتعاون مع الحوثيين ظاهرًا للجميع، فلم يكتف تنظيم القاعدة بوقف العمليات والتحريض الدعائي ضدهم بوصفهم (رافضة ومجوسا) كما كان الحال حتى عام 2014، بل صار أحد الأطراف المُستخدمَة في تصفية الحسابات الإقليمية ومع الولايات المتحدة لإظهار إيران كدولة قادرة على اللعب بمختلف الأوراق السنية والشيعية المتاحة في اليمن.

وضحّى خالد باطرفي بتماسك القاعدة باليمن الذي كان يُعد أقوى فروع التنظيم عبر إقحامه في نشاطات إرهابية خارجية، رغم ما أثارته من خلافات وتصدعات داخلية وما سببته من انشقاقات لقادة مؤثرين رأوا في ذلك انحرافا عن المسار الأصلي، في سبيل الحفاظ على علاقاته المتينة بسيف العدل قائد القاعدة المركزي الذي أولى اليمن عناية خاصة بهدف جعل الحالة الميليشياوية السنية والشيعية متناغمة وقادرة على الإنجاز وفقًا للحسابات الإيرانية.

ولم تكن هرولة القاعدة في اليمن للتحالف مع ميليشيا الحوثي بداية من تمكينها من مناطق إستراتيجية كان يسيطر عليها وصولًا إلى دعوته إلى شن هجمات ذئاب منفردة ضد المصالح الغربية سبب الخلافات الوحيد، حيث نشب خلال الفترة الماضية صراع متعدد الأوجه بين قادة أجانب ويمنيين من جهة، وبين متنفذين مُرفهين وفقراء معوزين من جهة أخرى.

وشعرت الكثير من العناصر خاصة اليمنيين بالتمييز والظلم بسبب تمكين غير اليمنيين من الهيمنة على مقاليد التنظيم، مثل القيادي المصري إبراهيم البنا الذي تربطه علاقات وثيقة بسيف العدل، ويُعد الرجل القوي داخل التنظيم وأقصى الكثيرين من القادة والعناصر فور إبدائهم اعتراضا على بعض السياسات مستخدمًا تهمة الجاسوسية والعمالة، مقابل منح الموالين امتيازات مالية وحياة فارهة.

وبات القيادي اليمني بالقاعدة سعد العولقي الذي طرح اسمه كمناهض لتصورات باطرفي والمجموعة الأجنبية المقربة منه ويدعمها سيف العدل في إيران، مطالبا بحكم الأمر الواقع بعد تسميته قائدًا للتنظيم بتدشين مسار مختلف وإجراء إصلاحات نادى بها بلا جدوى في حياة خالد باطرفي.

وتواجه العولقي العديد من التحديات، أبرزها النفوذ الكبير الذي اكتسبه من يُعرفون بمجموعة الحضارم التي كانت مقربة من باطرفي والمسؤولة عن الشؤون المالية والمتهمة بالفساد والاستيلاء على مبالغ ضخمة من مخصصات التنظيم، علاوة على النفوذ المتعاظم للقيادي المصري إبراهيم البنا مسؤول الجهاز الأمني بالتنظيم. ويصعب أن تقبل جماعة الحوثيين الموالية لإيران بسهولة عودة فرع القاعدة باليمن إلى سابق عهده ككيان مناهض لها، ناهيك عن فض التحالف بينهما. ويمتلك سعد العولقي نقاط قوة تمكنه من تثبيت أقدامه وتكريس نفوذه داخل تنظيم ممزق تعصف به صراعات عدة، منها فرضية عودة العناصر الموالية له ممن تركوا التنظيم سخطا على سياسات باطرفي والبنا.

مسار للتصحيح

من المُرجح أن يحظى العولقي صاحب النفوذ القبائلي بالدعم من قبائل جنوب اليمن الساخطة على التحالف بين تنظيم القاعدة وميليشيا الحوثي على خلفية تمكين الأخيرة من التوسع على حسابه، علاوة على الدعم الذي سوف يحظى به من قبل العناصر الفقيرة واليمنيين داخل التنظيم.

وتكمن قوة العولقي الفعلية في أنه أتى بعد تولي قيادات ضعيفة ارتكبت جرائم فساد وقتل داخلي باستخدام شماعة العمالة لكل من يرفض توجهاتها، ودأبت على تغطية عجزها الإداري بصناعة انتصارات وهمية واكتساب نفوذ خيالي عبر العمل ضمن أجندة إيرانية رفقة الحوثيين.

وتُفسر السرعة التي تمت بها تسمية سعد العولقي كقائد للتنظيم خلفا لباطرفي بالرغبة الملحة في تصحيح المسار باتجاه تفكيك الروابط مع جماعة الحوثيين وتحجيم نفوذ القادة الأجانب وإعادة تمكين اليمنيين، تمهيدا لتدشين سياسة داخلية تنأى بالقاعدة في اليمن عن توجهات تنظيم القاعدة المركزي الذي يقيم قادته في إيران، والتي حرصت طوال الفترة الماضية على رهن الفرع اليمني لخدمة الإستراتيجية الإقليمية لطهران.

وقد يعجز فرع القاعدة في اليمن بقيادته الجديدة عن تدشين سياسات مختلفة والمضي في مسار معاكس لما كان عليه طوال السنوات الأربع الماضية، إلا إذا حقق استقلالا ماليا وتسليحيا، واستغنى عن الخدمات التي تقدمها له ميليشيا الحوثي في هذا السياق.

ويقتضي البدء في مسار التصحيح تحييد مراكز القوى داخل التنظيم خاصة القيادي إبرهيم البنا والقيادات غير اليمنية المرتبطة بقوة بسيف العدل، فضلا عن مجموعة الحضارم النافذة التي اعتمد عليها باطرفي في إدارة الشؤون المالية خاصة عاشور عمر (أبويونس الحضرمي) وعبدالله بادرة (أبوأحمد الحضرمي) وعبدالله شاكر بن هامل (أبوياسين الحضرمي).

ومن دون اكتساب القوة والتماسك سريعا لن يقوى العولقي على اتخاذ مسار مستقل بعيدا عن التحالف الذي دشنه سلفه مع ميليشيا الحوثي، والتي زادت حاجتها إلى تنظيم القاعدة بعد تصاعد وتيرة الصراع في البحر الأحمر، ما يستدعي الإمعان في اللعب بورقة التنظيمات الإرهابية السنية بهدف خلط الأوراق وتوسيع حلقات المناورة، وتنفيذ أهداف طهران بأقل الخسائر الممكنة في صفوف وكلائها الشيعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى