موروث لحج الرمضاني ابتهاج مبارك غير قابل للاندثار

> محمود المداوي

> مجددا يجذبني الحديث عن موروث لحج الرمضاني، وأجد حلول هذا الشهر الفضيل هبة ربانية لتسليط كثيرا من الضوء على هذا الموروث الحي النابض بالمصداقية وتلقائيتها الجمعية لدى أهلنا في واحدة من أكثر بقاع الوطن الجنوبي حضورا في هكذا مناسبات ومواسم دينية، إذ أن لحج بهية في كل حضور ثقافي لها على مستوى داخلها الإداري والجغرافي أو في خارجه وعلى مساحة جغرافية أوسع تتجاوز منطقة اليمن وتمتد إلى دول الخليج العربي والجزيرة العربية، وكلامي هذا ليس تعصبًا مني لأني أحد مواطنيها ولكنها الحقيقة التي ينبغي التصريح بها وعدم تجاهلها كما يحلو للبعض أن يعمل لغايات سياسية وثقافية غير شريفة.

رمضان تحضير كريم للابتهاج به يجري على قدم وساق وبهما وقبل ذلك بقلوب جدا فرحة لمقدمه في شهر شعبان فقد جرت على السنة ناس لحج الطيبين مقولات جدا تلقائية تتماهى وبساطة هؤلاء الأهالي المتوارثة جيلا عقب جيل، وهنا نموذج لواحدة من تلك المقولات على سبيل المثال وليس الحصر: فقد نكون في شهر شعبان ومن قبله شهر رجب، وتجد أحدنا يقول وبعفوية وحتى يومنا هذا وبلهجة لحجية أصيلة:"سبحان الله.. واااابوي تقول قدنا في رمضان!. ويكون الرد بـ "سبحان الله" ومن ثم يكون الضحك البريء والذي يبقى عنوانا لهكذا استذكارات جميلة على مر السنين.


ولا يخفى على أحد طبيعة الإنسان اللحجي وعلاقته بالأرض والزراعة والذي جعل من هذه البقعة واحة خضراء بكل ما في هذه الكلمة من معان ودلالات تنبض بالحياة والخلود إلى يومنا هذا رغم المعاناة وانعكاس الأوضاع السياسية والاقتصادية سلبا عليها غير أن هذه الخضرة وأن بهتت ما برحت تتواجد هنا وهناك كموروث يطيب استرجاعه ولتكن البداية مع العاب الأطفال و ترنيمتهم الترحيبية بشهر رمضان الفضيل، حيث يتجمع هؤلاء الفتية والفتيات كما هو معروف في حارات مدينة الحوطة حاضرة لحج الأبدية و يرددوا وبإيقاع تراثي متداول منذ زمن الأجداد:

مرحب مرحب يا رمضان يامرحبا بك يا رمضان إلخ وكضيف عزيز كريم يتهيأون لاستقباله.. وهنا لابد من الإشارة إلى الأدوات المستخدمة أثناء ترديد الأهزوجة وهي الفانوس القديم، خاصة إذا تمت لمتهم ليلا وقطع من الصفيح الذي يعطي صوتا إيقاعيا عند الدق عليه.

وكما هو معلوم أن هذه الأهزوجة الرمضانية منتشرة بامتداد لحج الجغرافي إلى عدن باعتبارها جزء لا يتجزأ من السلطنة العبدلية_لحج- وتأثير ذلك باق حتى يومنا هذا في عديد أوجه الحياة في عدن الحبيبة أيضا.

ونأتي إلى بيت القصيد وهي ألعاب رمضان الشعبية لجميع الفئات ومن الجنسين والبداية دائما مع صبيان وصبايا الحافة اللذين كثيرا ما تكون ألعابهم مشتركة_أنا هنا أتحدث عن فترة طفولتي وشبابي في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي_ والتي نحب دائما وصفها بأيام الزمن الجميل اذا كنا نلتقي ونتفق على مسار ما سنلعبه هذه الليلة لاسيما بعد الانتهاء من صلاة التراويح وغالبا ما تكون اللعبة الأكثر شعبية أنذاك وهي لعبة : "السرى" وتفاصيل هذه اللعبة معروفة وقد سبق لي الكتابة عنها تحت عنوان ألعاب لحج الترويحية ومنها ايضا لعبة الدبز واختها لعبة المصد ولعبة من كبته طيار او عبيد منضاح والحنجله والتوف وشوطح وامسلماني وغيرها ولكل لعبة قواعدها التي تلعب عليها وللاسف قد غابت عن المشهد الثقافي في الوقت الحاضر الا القليل منها التي يحاول فيها جيل الاباء والأجداد منا ربط الأجيال فيما بينها برابط التراث الوثيق.

ومن العادات الرمضانية ايضا والتي يشتد حماها التي تأتي في أواخر هذا الشهر الفضيل هي ليلة "حبة الكشري" في رحاب توديع رمضان واستقبال ليلة القدر وهي ليلة مميزة بمعناها الاحادي المجازي كليلة واحدة فقط غير أنها تستمر عدة ليال حتى آخر رمضان وصباح يوم عيد الفطر إذ يتجمع صغار الحارة والحافة ويقوموا بجولة على المنازل وكل واحد منهم /منهن يمسك بكيس أيا كان حجمه وهم يرددوا أهزوجة هذا الموروث كرسالة للساكنين في مدهم بالفطرة أيا كان نوعها وقيمتها العينية والمادية ومن كلماتهم فيها وبصوت عال وواضح: يا حبة الكشري لا تنجحي قبلي أو لا تطلعي قبلي/اندونا اندونا لاتتوا تبونا وتحبونا. وهذه اللعبة مستمرة حتى الآن.

وكعنوان للكرم اللحجي المتوارث، كانت بيوت الأهالي مفتوحة لإفطار الصائمين من أهل الحي ومن خارجه كعابري السبيل العائدين إلى أحياءهم أو قراهم البعيدة مترجلين أو على دوابهم كالحمار أو الجمال ومؤخرا دراجاتهم النارية، زد في هذا الجانب أن موائد الرحمان للإفطار في لحج وتحديدا العاصمة الحوطة كمدينة والوهط كبلدة كبيرة وغيرهما من البلدات والقرى المنتشرة على ضفتي وادي تبن الشرقية والغربية كانت موائد عامرة بما لذ وطاب من زاد لحجي هو نتاج هذه الأرض الطيبة وإنسانها المكافح أبدا في حب الخير له وللآخرين.

وفي حاضرنا نجد كثيرا من بناتنا الراشدات يحددن ليلة رمضانية تكون في العشر الثانية وقبل ليلة يوم منتصف رمضان أو بعدها بيوم أو بيومين يجتمعن فيها في منزل إحداهن ويطلقون عليها مسمى لمة أو جلسة رمضانية يستذكرن فيها أيامهن الخوالي سواء أيامهن في الحارة "الحافة" أو في المدرسة ويتبادلن الأدوار في الحديث المتعدد الفضاءات والسهل العفوي جدا جدا.

وفي ختام هذه الورقة، لابد من التذكير بأن كل ما سبق الإشارة إليه يأتي ضمن المظاهر الدينية لهذا الشهر الفضيل النابعة من شعائره وطقوسه الروحانية وفي أولوياتها أداء فريضة الصيام والصلاة فيه وبقلوب جدا خاشعة لله سبحانه تعالى ولا تتجاوزها البتة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى