العرب: رسالة أمريكية غير موفقة للحوثيين وراء اجتماع قوى حزبية يمنية متنافرة في عدن

> "الأيام" العرب اللندنية:

> ​كرّس اتّفاق على تشكيل تكتّل سياسي واسع مساند للشرعية اليمنية تمخّض عنه لقاء احتضنته مدينة عدن وجمع طيفا واسعا من الأحزاب المتباعدة سياسيا وفكريا وأيديولوجيا، حالة الارتباك في المشهد السياسي بجنوب اليمن الذي تحوّل إلى مدار صراع شرس بين قوى متضادّة في التوجّهات والأهداف رغم اشتراكها في الانتماء إلى المعسكر المضاد للحوثيين.

ورغم احتضان عدن التي تعتبر المعقل الرئيس للمجلس الانتقالي الجنوبي للقاء بحضور ممثل عن المجلس ذاته، إلاّ أن المخرجات التي توصّلت إليها الأحزاب وصاغتها في بيان ختامي من سبع نقاط جاءت مضادة للمشروع الأساسي للمجلس والمتمثّل في استعادة دولة الجنوب، الأمر الذي تسبّب له بحرج كبير وجعله يهاجم مخرجات اللقاء بشدّة ويتبرّأ منها.

وبدأ ارتباك المشهد وضبابيته انطلاقا من قبول المجلس الانتقالي بحضور اجتماع تحت سقف واحد جنبا إلى جنب خصوم معلنين له وعاملين على إحباط مشروعه في استعادة دولة الجنوب، على غرار حزب التجمّع اليمني للإصلاح الذراع اليمنية لتنظيم الإخوان المسلمين، والذي بذل على مدار السنوات الأخيرة جهودا واضحة ميدانية وسياسية لترسيخ حضوره في محافظات يعتبرها المجلس جزءا لا تنازل عنه من الدولة التي يعمل على استعادتها.

كما حضرت الاجتماع أيضا أحزاب أخرى مناهضة بطبيعتها لدولة الجنوب بفعل الفكر الوحدوي الذي تتبناه ودفاعها عن جمهورية اليمن في شكلها الذي نتج عن الوحدة المنجزة في تسعينات القرن الماضي، على غرار ما ينادي به حزب المؤتمر الشعبي العام والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والتجمع الوحدوي اليمني، تمثيلا لا حصرا.

ومثّل المجلس الانتقالي الجنوبي في اجتماع الأحزاب بعدن فضل الجعدي القيادي في المجلس والذي يشغل منصب أمين عام لهيئته الرئاسية.

وجاءت الانتقادات للمجلس من قبل العديد من مقربيه ومن شخصيات ومنابر إعلامية مساندة لمشروعه وانطلقت من نقطة إجرائية تمثّلت في قبوله المعاملة كمجرّد “حزب” من بين أحزاب أخرى، بينما هو في واقع الأمر قوة مهيكلة سياسيا وإداريا وتمتلك حضورا فعليا على الأرض عن طريق قواتها الأمنية والعسكرية المنتشرة في عدّة مناطق بمحافظات الجنوب.

وكتب الناشط السياسي الجنوبي صلاح السقلدي قائلا إنّ مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في اللقاء الذي ضم عدة أحزاب وقوى سياسية يمنية في عدن لا تضر الانتقالي فحسب بل كل الجنوب.

ورأى أنّ “ضرر الانتقالي أنه بهذه المشاركة وربما مشاركات قادمة يكرس بقصد أو دون قصد الجهود والنوايا الخبيثة الرامية إلى جعله مجرد كيان (حزب) سياسي شأنه شأن بقية الأحزاب، بل أقل شأنا من الأحزاب الكبرى مثل الإصلاح والمؤتمر”.

وأضاف قوله “كما أن هذه المشاركة في ذلك اللقاء الذي أقر تشكيل جبهة حزبية سياسية يمنية عريضة في قادم الأيام ستعني بالضرورة قبول الانتقالي بقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، ما سيعني عمليا القبول بواقع الجمهورية اليمنية بنسختها الموجودة اليوم بكل علاتها القديمة، وهذا سيفضي بالمحصلة إلى إسقاط المشروع الجنوبي والقبول بواقع وحدة 1994 وجمهورية 2015”.

لكنّ أكثر ما أثار حفيظة المنتقدين هو ما ورد ضمن مخرجات الاجتماع من “تقزيم” لقضية الجنوب حسب تعبير هؤلاء المنتقدين وتلخيصها في مجرّد عنصر فرعي ضمن قضايا أخرى متعلّقة بالصراع ضدّ جماعة الحوثي واستعادة الجمهورية اليمنية كما كانت عليه قبل سيطرة الجماعة على أجزاء من أراضيها.

وجاء ضمن النقاط السبع التي توافقت الأحزاب عليها في اجتماعها أنّ “حل القضية الجنوبية كقضية رئيسية ومفتاح لحل كل القضايا الوطنية وإنهاء الانقلاب (الحوثي) واستعادة كل مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات”.


وعلى الطرف المقابل هونت مصادر قريبة من المجلس الانتقالي الجنوبي من شأن اجتماع الأحزاب في عدن ومن مخرجاته، معتبرة أن كلا الأمرين جاءا شكليين وبروتوكوليين إلى أبعد حدّ، ومؤكّدة أن ما تمخّض عنه من توافقات لا يمتلك أي فرصة للتنفيذ، متسائلة “أين مخرجات الكثير من اللقاءات والتجمعات التي انعقدت من قبل في عدد من المحافظات لإنشاء كيانات جهوية ومناطقية؟ وأين أثرها على الأرض؟”.

وتوقّع مصدر سياسي من عدن، طلب عدم الكشف عن اسمه، “أن يكون حضور ممثل المجلس الانتقالي للقاء الأحزاب لمجرّد  المراقبة ومجاملة لأطراف خارجية رغبت في عقد اللقاء ضمن رؤية تتعلق بمحاولات تشكيل جبهة واسعة مضادة للحوثيين”.

وذكّر المصدر بأن الاجتماع الحزبي الموسّع انعقد برعاية المعهد الديمقراطي الأميركي ووكالة التنمية الأميركية، مؤكّدا أن قيادة الانتقالي كانت على قناعة مسبقة بأن اللقاء لن يتمخّض في نهاية الأمر عن شيء ذي بال وتأثير فعلي على الأرض.

ولم يستبعد المصدر ذاته أن يكون وقوف المؤسستين الأميركيتين وراء الاجتماع جاء انعكاسا لرغبة واشنطن في توجيه رسالة للحوثيين بشأن توحّد جميع القوى اليمنية ضدّهم، مضيفا “لكن يبدو أن الرسالة لم تكن موفّقة وجاءت صورية إلى أبعد حدّ”.

وشارك في اللقاء إلى جانب ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلون عن المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية وحزب اتحاد الرشاد اليمني وحركة النهضة للتغيير السلمي والتجمع الوحدوي اليمني وحزب البعث العربي الاشتراكي واتحاد القوى الشعبية وحزب العدالة والبناء وحزب التضامن الوطني وحزب السلم والتنمية ومؤتمر حضرموت الجامع والائتلاف الوطني الجنوبي والحزب الجمهوري وحزب جبهة التحرير ومجلس حضرموت الوطني وحزب البعث الاشتراكي القومي وحزب الشعب الديمقراطي ومجلس شبوة الوطني والحراك الثوري المشارك في مؤتمر الحوار الوطني والمجلس الثوري للحراك السلمي.

وعمليا توصف الغالبية العظمى من تلك القوى والأحزاب بأنها في حكم الميتة وعديمة الحضور في المشهد السياسي اليمني شمالا وجنوبا.

ومن ضمن ما اتّفق عليه المجتمعون وفقا للبيان الصادر عنهم “تشكيل تكتل سياسي وطني واسع للدفع بعملية إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة”. وأكّدوا على “توفير الخدمات العامة الحيوية للمواطنين في المحافظات المحررة لخلق نموذج جاذب”، وعلى “ضرورة عودة جميع المؤسسات للعمل من العاصمة المؤقتة عدن وتعزيز مكافحة الفساد والإرهاب”.

كما اتفقوا على “تقديم الدعم اللازم لضمان سير عمل الحكومة وحشد الدعم الدولي لها لتعود شريكا فاعلا مع المجتمع الدولي، لحفظ الأمن والسلم الدوليين”.

وصدرت الانتقادات للقاء من داخل المجلس الانتقالي نفسه. ونشر القيادي في المجلس أحمد عمر بن فريد تعليقا عبر حسابه في منصّة إكس قال فيه “كنت على ثقة بأن هناك خللا ما حدث، فلا يمكن لنا أن نقبل مخرجات حوار يومين رفضها شعبنا لأكثر من عشر سنوات”.

وأضاف “مازالت المشكلة تكمن في أن هناك من يعتقد بأن تحرير صنعاء لن يأتي إلا من خلال الهيمنة على عدن، ولا يعي أن تهديد الحوثي هو تهديد وجودي للجميع، وهي معادلة سياسية يجب فهمها قبل فوات الأوان”.

ومن جهتها هاجمت الهيئة السياسية المساعدة للمجلس الانتقالي مخرجات الاجتماع الحزبي الموسّع في عدن، معتبرة أنها “محاولة لإنعاش جثة ميتة وسُتعيد الأمور إلى المربع الأول من الصراع وتعطل جهود السلام”.

ونددت بـ”محاولات إعادة إحياء الأحزاب اليمنية لنفسها عقب فشلها في عقر دارها، مستغلة  مساحة الحرية والاستقرار التي تعيشها عدن”، مؤكّدة “أن القضية الوطنية الجنوبية قضية شعب ووطن وهوية لا نقبل المساومة عليها أو الاستنقاص منها والتصنيفات القاصرة لها من قبل تلك الأحزاب المأزومة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى