الغاز مفتاح إستراتيحية واشنطن الجديدة في الشرق الأوسط

> ​واشنطن "الأيام" العرب اللندنية:

> سمح انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتقليص تواجدها العسكري في العراق وسوريا لمنافسيها الجيوسياسيين الرئيسيين، الصين وروسيا، بتعزيز وجودهما بشكل كبير في جميع أنحاء المنطقة، كما كانا يتوقان إلى القيام بذلك لسنوات دون تدخل كبير على الأرض من واشنطن.

وبمجرد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالدخول إلى أوكرانيا، كان من الواضح للولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين أن هذه كانت مجرد خطوة أولى في تحرك أكبر نحو الغرب يهدف إلى وضع أوروبا بأكملها تحت السيطرة الروسية.

ولوقف ذلك، لم تكن أوكرانيا بحاجة إلى تزويدها بالأسلحة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين فحسب، بل كانت العديد من هذه البلدان بحاجة إلى تزويدها بمصادر طويلة الأجل لإمدادات الطاقة لتعويض تلك المفقودة من روسيا.

وبما أن الصين وروسيا في تلك المرحلة كانتا قد عززتا بشكل كبير تحالفاتهما مع دول الشرق الأوسط الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والعراق وإيران وسوريا والإمارات العربية المتحدة، كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى نقطة دخول جديدة إلى قلب الشرق الأوسط، حيث كانت مصر هي الاختيار.

ويرى المحلل الاقتصادي سيمون واتكينز في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي أنه قد تم اختيار مصر كنقطة انطلاق لإعادة تأكيد قوة الولايات المتحدة في المنطقة لأنها تتمتع تاريخيا بمكانة فريدة في الشرق الأوسط والعالم العربي.

وعلى مدار عقود من الزمن، كان العالم العربي ينظر إلى مصر باعتبارها المؤيد الرئيسي لأيديولوجية “الوحدة العربية” التي تؤمن بأن القوة الدائمة لا يمكن العثور عليها إلا في الوحدة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للعرب عبر البلدان المختلفة التي ظهرت في حربين عالميتين.

وكان أقوى مؤيد لهذه الفلسفة هو الرئيس المصري من عام 1954 إلى عام 1970، جمال عبدالناصر. ومن أبرز علامات هذه الحركة في ذلك الوقت، تشكيل اتحاد الجمهورية العربية المتحدة الذي تشكل بين مصر وسوريا في الفترة من 1958 إلى 1961، وتشكيل منظمة أوبك عام 1960، وسلسلة الصراعات مع الجارة إسرائيل خلال تلك الفترة، ومن ثم الحظر النفطي في عامي 1973 و1974.

ومن خلال ضم زعيم العالم العربي إلى جانبها، كانت الولايات المتحدة تأمل في تعويض التأثير الجيوسياسي السلبي الذي خلفته المملكة العربية السعودية، الحليف طويل الأمد، أمام الكتلة الصينية – الروسية. ومن الناحية السياسية والتاريخية، تعد مصر على الأقل رائدة في العالم العربي كما كانت المملكة العربية السعودية في أي وقت مضى.

وبصرف النظر عن أهميتها الجيوسياسية الفريدة، تتمتع مصر بموقع فريد أيضا في سوق النفط العالمية.

وعلاوة على تقديراتها الرسمية المحافظة بنحو 1.8 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، تسيطر مصر على ممر الشحن العالمي الرئيسي في قناة السويس، التي يتم من خلالها نقل حوالي 10 في المئة من النفط والغاز الطبيعي المسال في العالم. كما تسيطر على خط أنابيب السويس – البحر المتوسط الحيوي، الذي يمتد من محطة العين السخنة في خليج السويس، بالقرب من البحر الأحمر، إلى ميناء سيدي كرير غرب الإسكندرية على البحر المتوسط.

وتعد قناة السويس واحدة من نقاط العبور الرئيسية القليلة جدا التي لا تسيطر عليها الصين.

وعلى وجه التحديد، تتمتع الصين بالفعل بسيطرة فعالة على مضيق هرمز من خلال “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما”. كما تمنح الصفقة الصين السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يتم من خلاله شحن السلع صعودا عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن تنتقل إلى البحر المتوسط ثم غربا.

وقد تم تحقيق ذلك لأنها تقع بين اليمن (الحوثيون الذين دعمتهم إيران منذ فترة طويلة) وجيبوتي (التي أقامت الصين عليها أيضا قبضة خانقة من خلال الديون).

والأهم من ذلك أيضا هو أنه تم تحديد مصر في وقت سابق كنقطة ساخنة جديدة محتملة للغاز في مركز الغاز الضخم المحتمل في شرق البحر المتوسط.

وكان المفتاح بالنسبة للولايات المتحدة هو إدخال شركات النفط والغاز الكبرى الخاصة بها إلى هناك بسرعة، على أن تتبعها شركات مماثلة من حلفائها الرئيسيين بعد ذلك بوقت قصير.

وكانت شيفرون المشغل الأميركي الرئيسي منذ البداية، مع إعلانها في ديسمبر 2022 أنها عثرت على ما لا يقل عن 99 مليار متر مكعب من الغاز من خلال بئرها الاستكشافي نرجس – 1 في شرق دلتا النيل، على بعد حوالي 60 كيلومترا شمال شبه جزيرة سيناء.

وبعد ذلك، جاء الإعلان عن اكتشاف مع شركة إيني الإيطالية لحقل غاز بحري ضخم محتمل في منطقة امتيازها في البحر الأحمر، والذي يركز على بئر نرجس – 1.

وقد أدى ذلك إلى تعزيز وجودها الكبير بالفعل في منطقة شرق البحر المتوسط الأوسع من خلال تشغيلها لحقلي ليفياثان وتمار الضخمين في إسرائيل ومشروع أفروديت قبالة سواحل قبرص.

ومنذ ذلك الحين، تم استخدام جسر الولايات المتحدة من قبل العديد من شركات النفط الدولية الكبرى الأخرى التابعة لحلفائها، وأبرزها شركة شل البريطانية وشركة بريتيش بتروليوم.

وقالت شركة بريتيش بتروليوم مؤخرا إنها ستستثمر 3.5 مليار دولار في استكشاف وتطوير حقول الغاز المصرية في السنوات الثلاث المقبلة.

ويمكن مضاعفة هذا المبلغ إذا أسفر نشاط الاستكشاف عن اكتشافات جديدة. وفي الوقت نفسه، بدأت شركة شل تطوير المرحلة العاشرة من امتياز دلتا النيل البحري في غرب الدلتا البحري في البحر المتوسط.

وجاء ذلك بعد أن قامت الشركة البريطانية وشريكتها بتطوير مراحل التطوير التسع السابقة لامتياز يضم 17 حقلا للغاز، تقع على أعماق مائية تتراوح بين 300 و1200 متر، وتمتد حوالي 90 – 120 كيلومترا من الشاطئ.

ويبدو أن المرحلة التالية من إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في الشرق الأوسط تتمثل في ربط كبار المشغلين من تلك البلدان التي تعتبرها قد خسرت إلى حد كبير لصالح الصين وروسيا.

وشهد الأسبوع الماضي إعلان شركة بريتيش بتروليوم عن مشروع مشترك جديد مع شركة النفط والغاز الرائدة في الإمارات العربية المتحدة – شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، ليكون مقره في مصر.

وتتضمن الامتيازات الجديدة في المشروع المشترك امتياز شروق (التي تحتوي على حقل ظهر المنتج)، وشمال دمياط (التي تحتوي على حقل أتول المنتج)، وشمال البرج (التي تحتوي على حقل ساتيس غير المطور)، واتفاقيات استكشاف أخرى في شمال البحر المتوسط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى