الأزمة الداخلية للصومال تفاقم أخطار انعدام الأمن في القرن الأفريقي

> "الأيام" العرب:

> يتابع مراقبون لمجريات الأزمة السياسية في الصومال، بنظرة تحمل في طياتها الكثير من علامات القلق والحيرة، على الرغم من أن قرار البرلمان إلغاء قانون تمديد ولاية الرئيس محمد عبدالله فرماجو، أعاد الارتياح لدى السكان، من أجل المضي قدمًا في العملية الانتخابية المؤجلة، والتي أدخلت القوى السياسية في صراع مسلح.
وبموجب إلغاء قانون التمديد، يتجه البلد الذي يعاني من أزمات مركبة تجتمع بين السياسي والأمني، والاقتصادي والاجتماعي، إلى إجراء انتخابات غير مباشرة لم يحدد موعدها بعد، وذلك استنادًا على اتفاقية 17 سبتمبر الماضي، بين الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية.

وشهد الصومال حالة من التوتر السياسي، بسبب خلافات بين الحكومة من جهة، ورؤساء الأقاليم، والمعارضة من جهة أخرى، حول تفاصيل متعلقة بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبعد تأجيل الانتخابات المقررة في مطلع فبراير الماضي، بعد أن انتهت ولاية البرلمان في الـ27 من ديسمبر الماضي، فيما انتهت ولاية فرماجو ومدتها أربع سنوات في الثامن من فبراير الماضي.

ولأن مسألة الهدوء السياسي باتت مطلبًا دوليًا حتى لا تخرج الأوضاع عن السيطرة، فإن المشاكل الاقتصادية التي يئن تحت وطأتها الصوماليون قد تكون أهون من عودة البلد إلى مربع العنف، خاصة وأن هناك خطوات أميركية للانسحاب من البلاد تدريجيًا، بعد تقليص عدد القوات الأفريقية.

ولكن المخاوف التي تسيطر على المشهد العام للدولة، تتعلق بالأساس بقدرة الجيش الصومالي المتعثر على تأمين الانتخابات، والذي قد تشتت جهوده الانقسامات السياسية، وأيضًا الصمود في وجه حركة الشباب المتشددة، إثر رحيل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي قائمة، ما يعيد إلى الأذهان قدرة المتطرفين على استغلال الاضطرابات السياسية من أجل بسط نفوذهم عبر الهجمات المباغتة.

كما أن الدول المجاورة تراقب بحذر مألات الوضع في الصومال، لاسيما وأنها ليست في حاجة إلى مراكمة المزيد من الأزمات، فكينيا تضم قاعدة عسكرية أميركية، أما إثيوبيا فتعيش في أزمة سياسية وأمنية مع استمرار الاضطرابات في إقليم تيغراي.
وتستمد الحركة قوتها من انغماسها داخل الهيكل العشائري والقبلي، حيث نجحت في مواجهة الخسائر على مر السنوات بترميم قاعدة مقاتليها، وهي تضع في استراتيجياتها الآنية العديد من الأهداف التي تسعى لتحقيقها مستقبلًا، ومن أهمها طرد القوات الأجنبية من الصومال، قصد إنشاء إمارة إسلامية في شرق أفريقيا.

وأدى تأجيل الانتخابات التشريعية وسط التجاذبات السياسية المستمرة إلى تمكين جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة من تحقيق مكاسب، مما زاد من خطر انعدام الأمن في شرق أفريقيا، وتقول مصادر مطلعة إن الحركة استغلت المأزق وانسحاب القوات الأميركية من البلاد لتجنيد مقاتلين جدد.

وأحبطت القوات الحكومية والأجهزة الأمنية بعض الهجمات، لكن هناك مخاوف في الحكومة من تفاقمها باطراد في الصومال، ودول مجاورة مثل كينيا، حيث نجحت حركة الشباب في توظيف الأزمة السياسية الداخلية لتقوية شوكتها، ما يجعل أمر القضاء عليها صعبًا في المستقبل القريب، على الرغم من تكثيف الجهود الدولية للحد من نفوذها، ومن ثمة القضاء عليها بشكل تامّ.

وخلال الأسبوعين الأخيرين، مرت العاصمة مقديشو بأيام عصيبة، إذ شلت الأحداث الأمنية الأخيرة حركة السير والتنقلات في الشوارع الرئيسة، كما أعادت مظاهر التسلح للعاصمة بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة موالية للمعارضة.
وهذا العامل كان أرضية مناسبة للجهاديين، من أجل القيام ببعض الهجمات، شملت قاعدتين عسكريتين في إقليم شبيلي السفلي، بجنوب البلاد والقصر الرئاسي، ويبدو أنهم سيستمرون في عملياتهم ضد الدولة.

ومع أن القوات الحكومية كثفت عملياتها ضد المتطرفين في المحافظات الجنوبية، وأسقطت العديد من قادتها ما بين قتيل ومعتقل، إلا أن المسلحين مازالوا يسيطرون على بعض المناطق الريفية، وينفذون الكمائن، ويزرعون الألغام الأرضية.
وعلى الرغم من تشابك جهود القوى الدولية، وكذلك الحكومات المحلية في الصومال وكينيا وبقية دول القرن الأفريقي، لإنهاء قرابة عقد من الإرهاب، إلا أن الوضع بقي على حاله، بل إن الحركة انتشرت مجددًا بأكثر حدة في دول أفريقية كثيرة، وغيرت استراتيجياتها التي باتت تستهدف في وقت من الأوقات القوات الأميركية.

وساهم النفوذ الداخلي الذي يمتد من الصومال إلى كينيا، في توفير أرضية خصبة، سمحت لحركة الشباب المتشددة بالعمل على مهاجمة القوات الأميركية في كينيا في السنوات الأخيرة.
ويقول محللون عسكريون: إن الأمر يرجع إلى قدراتها، التي تسمح لها بشن العمليات خارج قاعدتها الرئيسة في الصومال، حيث يتطلب النجاح في ضرب هدف عسكري محصن، وخاصة قاعدة للولايات المتحدة في كينيا، موارد وتنسيقًا أكبر مما هو مطلوب للهجوم على هدف غير محصّن في كينيا، أو على هدف عسكري في الصومال.

ويبدو أن هناك ما يبرر تزايد القلق، ففي تقرير حديث عن ظاهرة الإرهاب لمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، والذي يرصد الهجمات في المنطقة العربية، ذكر الباحثون أن الجماعات المتطرفة تعافت بشكل يجعلها قادرة على شن المزيد من الهجمات، وأن هذا التعافي بدأ يتضح منذ النصف الثاني من العام الماضي.
ويظهر التقرير بالأرقام كيف ارتفعت وتيرة العمليات الإرهابية، خلال الفترة الفاصلة بين يناير ومارس الماضيين، بمقارنة سنوية، وأن الصومال جاء في طليعة الدول العربية التي تعرضت للهجمات، حيث شن المتطرفون أكثر من 45 عملية إرهابية، أي بمعدل 15 هجومًا في كل شهر.
وبهذا الرصيد الذي ينضاف إلى أكثر من 900 هجوم شنته في أقل من ثلاث سنوات، ثبتت حركة الشباب وجودها في شرق أفريقيا إلى أجل غير مسمى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى