"القضاة الجنوبي" يطلق رؤيته لإصلاح وإعادة تشكيل السلطة القضائية

> عدن "الأيام" خاص:

>
علمت "الأيام" أن نادي القضاة الجنوبي يعمل على ترتيبات جديدة بعد أن أعلن، يوم أمس، رؤية لإصلاح القضاء وسط تصاعد كبير للتوتر بين القضاة وسلطات الدولة، لكن مصادر قضائية تحفظت على الكشف عن نوع الترتيبات أو الخطوات اللاحقة التي وصفت بمجملها بأنها ستكون حاسمة.

وأعلن نادي القضاة الجنوبي، أمس الأربعاء، رؤيته لإصلاح منظومة السلطة القضائية في اليمن، وجاءت الرؤية وينشرها موقع "الأيام" على الإنترنت كاملة بالدعوة إلى إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى وآليات تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وإصلاح المنظومة الإدارية والمالية للسلطة القضائية، بما يضمن الحد من الفساد المالي.

وينذر تصاعد أزمة القضاء بخسارة الشرعية للسلطة القضائية في المناطق المحررة، إذ إن غالبية القضاء يتبع الحوثيين في مناطق سيطرتهم.

ووضعت الرؤية رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي أمام مسؤولياته الدستورية والقانونية والأخلاقية، وحثته على الاستجابة إلى صوت الإرادة القضائية.

وشملت الرؤية محددات تعالج القضاء الذي يعاني الفساد، وتغلب على إدارته في أحايين كثيرة قوى سياسية نافذة في الحكم فضلاً عن محاولة اختراق المنظومة القضائية بأجندات سياسية تستهدف الجنوب واستقراره، وحددت الرؤية ثلاثة بنود للإصلاح، داعياً إلى إعادة هيكلة مجلس القضاء وتعيين القضاة والمسؤولين بحسب آليات محددة تضمن النزاهة والشفافية.

نص الرؤية:
"رؤية نادي القضاة الجنوبي
بشأن إصلاح وتصحيح أوضاع السلطة القضائية
وتفعيل دورها المحوري في تطبيع وإنعاش الأوضاع العامة

أولا- خلفيات ومضامين المشكلة:
(1) في سياق الصراعات والحروب المتفاقمة والمتناسلة التي تخوضها مراكز النفوذ على الحكم وسلطات الدولة منذ عقود، نال السلطة القضائية كمٌ وافر من تداعيات تلك الصراعات والحروب في ظل إصرار مراكز القوى تلك على اتخاذ القضاء أداة من أدوات تحقيق أهدافها بالسيطرة على السلطة والاستئثار بها، وميدانا من ميادين ذلك الصراع، وكان لمؤسسة القضاء في الجنوب ومنتسبيها الحظ الأوفر من تداعيات ذلك النهج الذي اجتاح الجنوب عسكريا بحرب صيف 1994م، وما أعقبها من تجريف وتدمير ممنهج لبنى مؤسسة القضاء في الجنوبي (المادية والبشرية) وإقصاء وتهميش وتسريح كوادرها ومنتسبيها والحرمان من جميع الحقوق بما فيها حق الانتساب والتوظيف في السلطة القضائية لأبناء الجنوب، حتى كاد لا يرى لهم وجود يذكر في أي من مفاصل ومرافق تلك السلطة القيادية وما دونها.

(2) أفضت تداعيات صراعات قوى صنعاء التقليدية ونهجها الاستبدادي المقاوم والرافض لفكرة بناء الدولة المدنية ـ دولة النظام والقانون والمؤسسات ـ إلى تفكك وتشظي عرى منظومة حكمها منذ مطلع العام 2011م ودخول اليمن في فوضى الصراعات والحروب المستمرة حتى اللحظة، فكان حصيلة ذلك بالنسبة للسلطة القضائية، الواقع المشاهد اليوم على الأرض المتمثل في:
< سلطة قضائية مكتملة البناء الهيكلي والإداري على مستوى المركز (صنعاء) وعلى مستوى المحافظات الـ [14] في الشمال، وتخضع تلك السلطة وأجهزتها لسلطة أمر الواقع ــ السياسية والإدارية ــ التي فرضتها قوى الانقلاب في صنعاء وصار يخضع لها كل قوام السلطة القضائية في الشمال الذي يشكّل ثلاثة أرباع قوام السلطة القضائية في اليمن (شمالاً وجنوبا).

< سلطة قضائية غير مكتملة البناء الهيكلي والإداري والقضائي تم تشكيلها بالتقطير (على مراحل) في العاصمة المؤقتة [عدن] ولم يكتمل الرأس القيادي لها (مجلس القضاء الأعلى) إلا منتصف العام 2017م ــ أي بعد سنتين من تحرير محافظات الجنوب ــ ظلت خلالها المحاكم والنيابات غير مفعّلة وفق نهج سياسي متعمّد من قبل القوى المسيطرة على قرار سلطة وحكومة الشرعية، بهدف إدخال محافظات الجنوب بفوضى عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والإداري خدمة للأجندات السياسية لتلك القوى التي ترى في استقرار الجنوب تحت إدارة أبنائه خطرا على مصالحها غير المشروعة التي كونتها التي يمثّل الجنوب مصدرا لتلك المصالح والأجندات، وعلى ذلك النهج والهدف سارت تلك القوى على إعادة تشكيل هياكل مؤسسات القضاء في العاصمة عدن بما يجعل القضاء أداة لتحقيق أهدافها في صراعها الدائر على الحكم والسلطة تجسيدا لنهج قوى صنعاء (القبلية ـ الدينية ـ العسكرية) التقليدية، المخاتل والمضلل، الذي تتخذ من خلاله من الدستور والقانون مجرد أدوات خادمة لرغباتها وأهوائها واستبدادها بالحكم والسلطة، لا أدوات حاكمة وناظمة لمسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها وكافلة حقوقه الأساسية في حياة حرة وكريمة.

(3) اتجه مجلس القضاء الأعلى المشكل صوب تقاسم موازنة السلطة القضائية البالغة (33) مليار ريال وتوزيعها على الهيئات [المحكمة العليا، وزارة العدل، النيابة العامة، مجلس القضاء] وفق النسب المقررة سابقا في صنعاء خلافا لمعطيات الواقع المستجد عقب العام 2015م السالف ذكرة في البند (2) آنفا، فكان ذلك مدخلا لفساد مالي وإداري مهول كما سيأتي التطرق لبعض جوانبه في بالبند ( ثانيا/ 4 ـ ج ) من هذه الرؤية، وفي حين تبدد تلك الموازنة في إطار الهيئات العليا للسلطة القضائية، فإن نفقات تشغيل المحاكم والنيابات لا تغطّي وفق سقوفها المالية السابقة، قيمة حبر أوراق الطباعة، ومستحقات القضاة المالية الخاصة بالمرتبات والترقيات متعثّرة، والتأمين الصحي معدوم، والتجهيزات لمباني المحاكم والنيابات متهالكة وغير متوفرة، وكل مرافق السلطة القضائية لا تلبي متطلبات العمل، في حين مجلس القضاء الأعلى يرتّب أوضاع أولاد أعضائه وأقاربهم في المناصب الإدارية والدرجات القضائية بالمخالفة للقانون، ويمتلك نادي القضاة الجنوبي الوثائق المثبتة لذلك الفساد المهول، وقد تناولت جانبا منه وسائل الإعلام بعد أن فشلت وتعثّرت كل مساعي النادي لدى قيادة مجلس القضاء لإصلاح تلك الاختلالات الجسيمة والانحراف الخطير في ممارسة مجلس القضاء لمهامه المؤدي حتما لانهيار منظومة السلطة القضائية وتعطيل وظيفة العدالة من أداء دورها المحوري في استقرار حياة السكان.
(4) أفضى النهج الإقصائي المتعمّد الذي تنتهجه مراكز النفوذ المتحكمة بسلطة قرار الشرعية، ضد قضاة الجنوب وحرمانهم من تولي المناصب القيادية في السلطة القضائية التي تنحصر مهامها في الوقت الراهن على محافظات الجنوب المحررة فقط، أفضى إلى تشكيلة مجلس القضاء الأعلى المتمثلة بالآتي:
أ‌. أربعة أعضاء من مواطني محافظات الشمال ويشغلون المناصب الآتية:
رئيس المحكمة العليا ورئيس جميع دوائر المحكمة العليا.
 أمين عام مجلس القضاء الأعلى بدرجة وزير.
النائب العام.
وزير العدل.
ب‌. أربعة أعضاء من قضاة الجنوب ويشغلون الآتي:
 رئيس مجلس القضاء الأعلى.
القائم بأعمال رئيس هيئة التفتيش القضائي.
عضو بمجلس القضاء الأعلى (رئيس محكمة استئناف عدن).
عضو بمجلس القضاء الأعلى (رئيس نيابة استئناف عدن).
ج. عضو شاغر لم يتم تعيينه حتى اللحظة.
يلاحظ مما تقدم أن جميع المناصب القيادية (الإدارية والتنفيذية والقضائية العليا عدا منصب رئيس المجلس) من حصة الشمال في حين أن جميع أجهزة ومرافق السلطة القضائية في محافظات الشمال لا تخضع لسلطة مجلس القضاء الأعلى (عدن) بل تخضع لسلطة مجلس القضاء (صنعاء) المشكّل من سلطة الأمر الواقع هناك من قضاة محافظات الشمال، ومؤدّى ذلك أن مبدأ المناصفة في إدارة المرحلة الانتقالية بين الشمال والجنوب، المقرر ضمن لوائح مؤتمر الحوار ومخرجاته واتفاق الرياض، يعني وفق المطبّق حالياً، مقاسمة الشمال للجنوب في إدارة شئون الجنوب؟!!، وليس وفق معايير شراكة حقيقية، بل شراكة صورية (مخاتلة) يمنح بموجبها في الجنوب المناصب الإدارية والتنفيذية الفعلية لأبناء الشمال وتمنح المناصب التمثيلية الهامشية لأبناء الجنوب؟!!.

(5) إنّ منهج الطغيان والاستبداد والفساد الممارس ضد قضاة الجنوب ومنتسبي السلطة القضائية الجنوبيين، السالف الإشارة إلى بعض شواهده المطبّقة على أرض الواقع، هو ما عبّر عن رفضه نادي القضاة الجنوبي منذ تأسيسه معبّرا بذلك عن الإرادة الجمعية للجمعية العمومية لقضاة محافظات الجنوب التي تجسدت في استجابة جميع أعضائها لكل قرارات تعليق العمل في عموم محاكم ونيابات الجنوب، وآخرها قرار النادي في تاريخ 3/ 2/ 2021م المستمر سريانه باستجابة كليّة حتى اللحظة في عموم محافظات ومديريات الجنوب، وكان من المفترض على قيادة مجلس القضاء الأعلى الحالية وفق ادنى معايير وموجبات المهنة وأخلاقياتها أن تبادر بالاستقالة من مناصبها استجابة للإجماع المعبّر عنه طيلة أربعة أشهر ماضية وحتى اللحظة، ولكنها رمت بواجبات المهنة عرض الحائط وذهبت للقاء برئيس الجمهورية لتبرير استحقاقها لمناصبها واستمرارها فيها وادعاء ضلال موقف الإرادة الجمعية لأعضاء السلطة القضائية الجنوبيين، بل وذهبت لشرعنة قرار عسكرة القضاء بتعيين ضابط أمن نائبا عاما، وبموقفها هذا المجافي لمبادئ وقيم رسالة العدالة التي يجب أن يتحلى بها كل منتسبي سلطة العدالة (القضاء) تؤكد يقينا بأنها تسعى لتعطيل تطبيع وتفعيل وظيفة القضاء في محافظات الجنوب لصالح إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار ووقف التنمية بتلك المحافظات خدمة لأجندات سياسية تدعم بقائها على رأس السلطة القضائية لأداء تلك المهمة، وهو ما لم يسلّم به نادي القضاة الجنوبي أو يرضخ له للنيل من قدسية سلطان القضاء ومحراب العدالة المقدس، ولجوئه إلى وسيلة تعليق عمل هيئات ومرافق القضاء كان استخداما لوسيلة رفض قانونية وشرعية حضارية، ولن يقبل بأي حال من الأحوال أن تتحول تلك الوسيلة إلى أداة للطغاة والمستبدين لتعطيل رسالة العدالة التي يحملها أعضائه والأضرار بالمواطن والمجتمع، لذلك ولأجله يقدم نادي القضاة الجنوبي رؤيته هذه لإصلاح وتصحيح أوضاع السلطة القضائية لفخامة رئيس الجمهورية أولا وقيادة تحالف دعم الشرعية والهيئات والمنظمات الأممية والدولية المعنية بالحقوق والحريات وللرأي العام الوطني والإقليمي والدولي، ليضع رئيس الجمهورية أمام مسئولياته الدستورية والقانونية والأخلاقية بالاستجابة لصوت الإرادة الجمعية لجميع أعضاء السلطة القضائية في الجنوب ــ الممثل عنهم نادي القضاة الجنوبي ــ ، وتبنّي خطوات عملية فورية لإنقاذ وضع السلطة القضائية وتصحيح أوضاعها طبقاً لرؤية منتسبيها هذه، مع التأكيد على رفضنا المطلق لأي مماطلة أو تسويف لمضامين بنود رؤيتنا هذه بما يضر بمصالح المواطن وأمن واستقرار المجتمع الذي قبلنا لتحمّل تكليف وواجب إقامة العدل وسيادة القانون في الوطن، ونأمل الاستجابة لمطالب رؤيتنا هذه خلال أربعة عشر يوما كحد أقصى من تاريخ إعلانها، ما لم فإن نادي القضاة الجنوبي سيضطر باللجوء مستندا للإرادة الجمعية لأعضاء السلطة القضائية في الجنوب التي يمثلها إلى اتخاذ كل الوسائل الممكنة لحماية منظومة القضاء من الانهيار وكفالة أداء رسالته المقدسة في إقامة العدل ونشر ضيائه في المجتمع.

ثانيا- أسس ومرتكزات ومضامين الرؤية:
(1) القضاء إحدى سلطات الدولة الثلاث، فلا يستقيم بنيان الدولة بدونه.

(2) مبدأ استقلال القضاء، بات من المبادئ الكونية الحاكمة المطبّقة في مختلف النظم الحديثة للدول، وأكدت عليه عديد من المواثيق والمعاهدات الدولية ومنها: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر1966م (مادة 14)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (مادة 11)،مجموعة المبادئ الأساسية والتوجيهية بشأن حماية استقلال القضاء، المعتمدة من الأمم المتحدة ومنها: (وثيقة المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة بمؤتمر الأمم المتحدة السابع في 26 أغسطس ــ 6 سبتمبر 1985م المدعومة بقرار الجمعية العامة رقم 40/ 32 بتاريخ 29 نوفمبر 1985م وتاريخ 13 ديسمبر 1985وثيقة إجراءات التنفيذ الفعال للمبادئ الأساسية لاستقلال القضاء المقرة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 60/ 1989م المدعوم بقرار الجمعية العامة رقم 44/ 162 بتاريخ 15 ديسمبر 1989م، وثيقة مشروع الإعلان العالمي لاستقلال القضاء(إعلان سنغفي) المدعوم بقرار لجنة حقوق الإنسان رقم 32/ 1989م، بالإضافة إلى العديد من المعاهدات الإقليمية، واتساقا مع ذلك نص الدستور اليمني في المادة (149) منه: بأن "القضاء سلطة مستقلة قضائيا وماليا وإداريا، والنيابة العامة هيئة من هيئاته، وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير الفانون ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم"، وطبقا لهذا النص والنصوص اللاحقة له: (150، 151، 152) منه، فقد أكد الدستور اليمني مبدأ استقلال القضاء ماليا وإداريا عن بقية سلطات الدولة، وكذلك مبدأ استقلال القاضي في قضائه وضمانات ذلك من حيث التعيين والترقية والفصل والعزل والنقل، ولكن ظل ذلك المبدأ وضماناته الدستورية منتقصا ومنتهكا في التطبيق من قبل السلطة التنفيذية أو بالأصح من قبل مراكز القوى الحاكمة على مختلف اتجاهاتها، تبعا لنهجها الرافض لفكرة الدولة المدنية (دولة النظام والقانون والمؤسسات).

(3) أفضى نهج مراكز القوى التقليدية المقاوم والرافض لتأسيس وبناء دولة مدنية حديثة إلى إفشال كل مشاريع الدولة في الشمال وصولا إلى إفشال مشروع دولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) مايو 1990م واستبداله بضم وإلحاق قسري للجنوب إلى حكم سلطة صنعاء بحرب صيف 1994م والقضاء على تجربة الدولة المدنية في الجنوب وتدمير مؤسساتها بما فيها مؤسسة القضاء وفرض نمط صنعاء محلها، فأفضى ذلك النهج إلى صراع مراكز القوى تلك على السلطة منذ مطلع العام 2011م وتفكك وتشظي منظومة حكمها في صنعاء المفترض( مجازا) استناد شرعيتها للدستور النافذ، مما دفع دول الجوار الإقليمي والدول الكبرى التدخل لمنع خروج الوضع في اليمن عن سيطرة الجميع وتهديد أمن واستقرار المنطقة والعالم، من خلال الضغط على أطراف الصراع للدخول في تسوية سلمية من خلال مرحلة انتقالية يتم إدارتها وإنجاز مهامها بالاستناد إلى شرعية توافقية بين طرفي الصراع بعد أن انقسمت وتشظت منظومة السلطة ومؤسساتها وتوزع ولائها بين مراكز القوى المتصارعة على السلطة ولم تعد بذلك مؤسسات دستورية نظامية حقيقية، وكأي مرحلة انتقال سياسي كانت المبادرة الخليجية الموقع عليها من طرفي الأزمة في نوفمبر 2011م هي المرجعية الحاكمة للمرحلة الانتقالية والتي نصت على إخضاع كل مسائل إدارة المرحلة الانتقالية وقرارات الحكومة ومجلس النواب، للشرعية التوافقية بين أطرافها وبذلك تعطلت أحكام الدستور واقتصار نفاذها على ما لا يعارض مبادئ وأحكام ونصوص المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، وبذلك دخل اليمن في وضع استثنائي معقد.

(4) انقلبت مراكز قوى صنعاء على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وطاردت الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي إلى خارج الوطن وحيدا فتدخلت عاصفة الحزم العربية لدعم استعادة الشرعية في مواجهة المنقلبين عليها، فأفضت تلك الحرب إلى واقع جديد على الأرض تمثل في جنوب محرر بتضحيات أبنائه ودعم التحالف العربي وشمال واقع تحت سيطرة جماعة الانقلاب المنتمية إلى نسيجه الاجتماعي ولم تتمكن القوى المناوئة له من تحرير محافظة واحدة من محافظات الشمال طيلة قرابة سبع سنوات وحتى اللحظة، بينما اتجهت تلك القوى صوب إخضاع الجنوب تحت سيطرتها المنفردة وإقصاء أبنائه من إدارة شئون محافظاتهم بل وحتى ترفض شراكتهم الندّية في إدارتها وهذا هو النهج المجسد حاليا في نطاق السلطة القضائية.

وتأسيسا على الحقائق والمعطيات التشريعية والعملية والواقعية السالف سردها، والتي تمثل أسبابا ومرتكزات هذه الرؤية، فإن الإطار العام لرؤية نادي القضاة الجنوبي بشأن إصلاح وتصحيح وتفعيل أوضاع مؤسسات وأجهزة السلطة القضائية يتمثل في الآتي:
أ‌. إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى بالاستناد إلى المبادئ والمعايير الآتية:
 مبدأ استقلال القضاء والقاضي، ومن أهم ضماناته استقلال التعيين في المناصب والدرجات القضائية عن رغبات وإملاءات القوى والأحزاب السياسية ومراكز النفوذ في السلطة التنفيذية، وباعتبار الوطن يمر بمرحلة انتقالية الهدف الأساسي لها إرساء دعائم مستقبل آمن ومستقر للأجيال خالٍ ومطهر من كل صنوف الاستبداد والفساد والانتهاكات التي شهدتها المراحل السابقة وطالت كل المبادئ والقيم الإنسانية وكل مجالات الإدارة والاقتصاد والاجتماع والتشريع.. الخ، وباعتبار ذلك مفترض واقعي ومتطلب عملي للانتقال الآمن بالوطن والمواطن لمرحلة بناء واستقرار ونماء وازدهار، فإن قيادة المرحلة الانتقالية الراهنة ملزمة طبقاً لكل المرجعيات بتجسيد ذلك المفترض قولاً وعملاً، ولأن مبدأ استقلال القضاء مبدأ كوني وإنساني ودستوري حاكم ــ كما سبق تأكيده ــ فإن إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى يجب أن يجسد إرادة أعضاء الجمعية العمومية للقضاة الغالبة التي يمثلها في الجنوب المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي وفي الشمال الهيئة الإدارية لنادي القضاة اليمني من خلال اقتراح الأسماء لتولي مناصب مجلس القضاء الأعلى، وهذا النهج (الضمانة) هي ما أكدت عليه مخرجات الحوار الوطني بالفقرة الثامنة من بند بناء الدولة، حيث أكدت على آلية انتخاب مجلس القضاء الأعلى من الجمعية العمومية للقضاة بنسبة 70% من قوامه، وتبنت ذلك مسودة دستور الدولة الاتحادية، ومن ثم فمن باب أولى تبنى آلية الاقتراح من الجمعية العمومية للقضاء في المرحلة الانتقالية بل إن تلك الآلية هي الحد الأدنى لضمان مبدأ استقلال القضاء المنصوص بالدستور النافذ، والقول بغير ذلك من شأنه نسف ذلك المبدأ وضماناته جميعا، والنهج المتّبع أو المطبّق بشأن التعيين خلال المراحل السابقة لا يمكن أن يكون صالحا للقياس عليه أو الاتباع له فهو وفقا لكل المعايير والاعتبارات يتنافى بالكلية مع مبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه بالمادة 149 من الدستور ولا يتوافق البتة مع دلالات ومقاصد النصوص الدستورية والقانونية والمواثيق الدولية روحا ونصا.

• شروط ومعايير:
- الكفاءة والخبرة.
- النزاهة.
- الحياد.
- المؤهل والدرجة القضائية طبقا للقانون.
• مقتضيات المرحلة الانتقالية وأهدافها ومفترضاتها الواقعية والعملية، ومنها الآتي:
ــ مبدأ المناصفة المجسدة للشراكة الندّية بين الشمال والجنوب في السلطات المركزية، وحق الجنوبيين الحصري في إدارة وتولي شئون محافظاتهم في مختلف المجالات، المستمد ذلك المبدأ شرعيته من المرجعيات الآتية:
لوائح ونظم وآليات مؤتمر الحوار الوطني أقرت واعتمدت مبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب.
وثيقة مخرجات الحوار الوطني أكدت في الفقرة 10 من بند ( المبادئ العامة لحل القضية الجنوبية على مبدأ المناصفة.
وثيقة النقاط (20+11) بشأن تعزيز الثقة والتهيئة لحل القضية الجنوبية والمقرة في مؤتمر الحوار وأكدت عليها وثيقة مخرجات الحوار الوطني بالفقرة 20 من بند (قضايا ذات بعد وطني) وتبنتها الحكومة الانتقالية في 2013م والمؤكدة مضامينها على رد الاعتبار للجنوب وشعبه ومعالجة تداعيات حرب صيف 1994م على الجنوب وما تعرض له من انتهاكات في الأراضي والوظائف العامة... الخ ولم تنفذ تلك النقاط حتى اللحظة.
اتفاق الرياض الذي نص على مبدأ المناصفة في إدارة المرحلة الانتقالية.
ظروف ومعطيات تداعيات الصراعات في اليمن التي أجهضت كل مشاريع الدولة ومزّقت عرى الأخوة والتعايش والتسامح بين شعبي الشمال والجنوب، وانتجت كل الخراب الحاصل اليوم ودخول البلاد في مرحلة انتقالية منذ عام 2011م، كل ذلك يوجب ويقتضي رد الاعتبار للجنوب في شراكة حقة وندية خلال مرحلة انتقالية تمهد وتهيئ كل الأجواء والشروط اللازمة لإنجاز تسوية شاملة لكل أسباب وتداعيات قضايا الصراع الدائر في اليمن وفي مقدمتها قضية شعب الجنوب، وإن انتهاج نهج مخالف لذلك لن يفضي إلا إلى مزيد من الخراب والشتات والاحتراب، وتبعا لما تقدم فإن مبدأ وخيار المناصفة المطالب به من نادي القضاة الجنوبي يستند إلى مرجعيات شرعية ثابتة ومعطيات واقعية قائمة على أرض الواقع.

• معطيات الواقع الراهن الذي أفرزته وشكلته ظروف وتداعيات الحرب (الظروف الاستثنائية) الذي تشهدها البلاد منذ سنوات، والتي كان من أبرز تداعياتها وجود سلطتين قضائيتين أحدهما في صنعاء تخضع لسلطة الانقلاب هناك (ماليا وإداريا وقضائيا) بجميع مؤسسات وأجهزة القضاء [مجلس قضاء، المحكمة العليا، النيابة العامة، وزارة العدل] وتمارس جميع صلاحياتها على جميع المحاكم والنيابات في محافظات ومديريات الشمال، كأمر واقع بغض النظر عن شرعية ذلك التشكيل ، وأخرى في عدن تستند إلى مظلة شرعية ولكن يقتصر ممارسة مهامها وصلاحياتها المقررة دستورا وقانونا على محافظات الجنوب المحررة وبضع مديريات في محافظتي تعز ومأرب (الشمالية)، وهذا المعطى الواقعي المدرك للكافة غير القابل للإنكار والدحض يقتضي منطقيا وعمليا أن تكون المناصب القيادية التنفيذية والإدارية المباشرة في السلطة القضائية لمنتسبيها من أبناء الجنوب طالما ستقتصر صلاحياتها عملياً على محافظات الجنوب وإلاّ سيتحول مبدأ المناصفة في مثل هذا الوضع إلى شراكة على إدارة الجنوب فقط طالما الشمال تحت سيطرة وإدارة جماعة من أبنائه فقط.

ولمّا كان الحاصل على أرض الواقع أن مراكز النفوذ المسيطرة على قرار سلطة الشرعية أقصت الجنوبيين من الشراكة الفعلية في قيادة السلطة القضائية واستأثرت بالمناصب الإدارية والتنفيذية فيها كما سبق بيانه، مما يوجب تصحيح ذلك الوضع بتجسيد مبدأ المناصفة لحقائق ومعطيات الواقع على الأرض بحيث يكون توزيع عضوية مجلس القضاء الأعلى على النحو الآتي:
- خمسة قضاة ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية من قضاة الجنوب لشغل المناصب الآتية:
- رئيس مجلس القضاء الأعلى.
- رئيس المحكمة العليا.
- النائب العام.
- رئيس هيئة التفتيش القضائي.
- وزير العدل أو عوضا عنه أمين عام مجلس القضاء الأعلى، طالما تم تعيين وزير مؤخرا بموجب اتفاق الرياض.
- أربعة قضاة ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية من قضاة الشمال، لشغل المناصب الآتية:
- أمين عام مجلس القضاء الأعلى أو عوضا عنه وزير العدل المعين مؤخرا بموجب اتفاق الرياض.
- ثلاثة أعضاء بمجلس القضاء الأعلى طبقاً لقانون السلطة القضائية.

ب‌. آليات التعيين لأعضاء مجلس القضاء الأعلى:
- يتولى نادي القضاة الجنوبي اقتراح ثلاثة قضاة ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية لتولي منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعرض ذلك على رئيس الجمهورية ليتولى إصدار قرار بتعيين أحدهم رئيسا لمجلس القضاء الأعلى.
- يتولى رئيس مجلس القضاء الأعلى عقب تعيينه مباشرة بالتشاور مع المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي اقتراح ثلاثة قضاة ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية لشغل المناصب الآتية:
- رئيس المحكمة العليا.
- الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى.
- النائب العام.
- رئيس هيئة التفتيش القضائي، ونائبيه عن كل قطاع.
 والعرض على رئيس الجمهورية لإصدار قرار بذلك.
- يتولى رئيس مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع الهيئة الإدارية لنادي القضاة اليمني، اقتراح الثلاثة الأعضاء لعضوية مجلس القضاء الأعلى من قضاة محافظات الشمال، والعرض على رئيس الجمهورية لإصدار قرار بذلك.
- يتولى رئيس المحكمة العليا اقتراح أسماء نائبيه ورؤساء وأعضاء دوائر المحكمة العليا والعرض على مجلس القضاء الأعلى للموافقة ثم العرض على رئيس الجمهورية لإصدار القرار بذلك طبقاً للمادة 59 من قانون السلطة القضائية النافذ وتعديلاته.

ج. إصلاح المنظومة الإدارية والمالية للسلطة القضائية:
• باطلاع المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي على إجمالي ميزانية السلطة القضائية تبلغ نحو (32.000.000.000 ريال) ـــ اثنان وثلاثون مليار ريال سنويا ــــ بينما إجمالي ما يصرف منها رواتب ونفقات تشغيلية للسلطة القضائية شهرياً (2.805.306.882 ريال) مليارات وثمانمائة وخمسة مليون وثلاثة وستة ألف وثمانمائة واثنان وثمانون ريال، ويكتنف الصرف في غير ذلك شبهات فساد، إذ غالب الصرف لا يتم لتحسين أداء السلطة القضائية من بنية تحتية أو لتنمية ورفع القدرات والتأهيل للكادر القضائي وإداري على حد سواء، وما تبين من المستندات المالية قيام مجلس القضاء الأعلى وهيئاته بتحويل المليارات من الريال كل سنة قبل اختتام السنة المالية من ميزانية السلطة القضائية إلى الحساب الجاري كي لا يتم استردادها من قبل وزارة المالية، ويتم السحب من الحساب الجاري من قبل رؤساء الهيئات القضائية بمجلس القضاء الأعلى في أمور شخصية وخاصة دون رقابة محاسبية، وما يجري من تحويلات مالية بشكل عشوائي ومخالف للقانون بشكل غير رسمي ، وما يتم من الشراء الخيالي للسيارات الفارهة الباهظة الثمن لأولاد بعض قيادات الهيئات القضائية بمجلس القضاء الأعلى، وما أظهرته المستندات المالية من أن موظفين في مكتب رئاسة الوزراء يتسلّمون أموالاً من المحكمة العليا عبر صرافين محليين، كل ذلك وغيرها من التصرفات التي يكتنفها شبهات فساد مهولة، كل ذلك أسبابا يوجب بشأنها ضرورة المحاسبة والتصحيح للمنظومة الإدارية والمالية للسلطة القضائية.

• كما إن ارتفاع تكاليف المعيشة على المواطنين عامة ومنهم أعضاء السلطة القضائية وموظفيها الإداريين، ومعدلات ارتفاع الأسعار أضعافا عما كانت عليه قبل عشر أعوام أو أكثر تبين أنه لم يواكبه زيادة في أجور (رواتب) أعضاء السلطة القضائية وموظفيها الإداريين والتي في وضعها الحالي لا تتلاءم مع مستويات غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد، ولمواجهة ذلك ضرورة زيادة (رفع) الحد الأدنى في الأجور (الرواتب) حتى توفّر وتلبي لأعضاء السلطة القضائية وموظفيها الإداريين لأبسط متطلبات المعيشة، خاصة وإن إجمالي ميزانية السلطة القضائية فيها ما يسمح برفع الرواتب بدلاً من تبديدها في أمور فيها من شبهات الفساد المالي والإداري ولا تتصل كليّةً ببناء أو إعادة تأهيل البنية التحتية للمحاكم والنيابات و رفع كفاءة القدرات البشرية لتحسين الأداء على نحو يعزز من مكانتها وشأنها.

• إن مؤشرات شبهات الفساد في الإدارة المالية لهيئات مجلس القضاء الأعلى، يستدعي وجوبا إصلاح تلك الإدارة المالية، ورؤية النادي في ذلك الإصلاح على النحو الآتي:
- اعتماد ميزانية السلطة القضائية رقما واحدا وفقا لما نص عليه الدستور (مادة 152) منه.
- تشكيل إدارة مالية موحدة لكافة هيئات السلطة القضائية تخضع لمجلس القضاء الأعلى.
- أن تقوم الإدارة المالية الموحدة لكافة هيئات السلطة القضائية بدراسة ضرورة الزيادة في الأجور (الرواتب) بما يتلاءم مع مستويات ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات ارتفاع الأسعار في البلاد.
- تشكيل إدارة رقابة مالية تخضع للجنة مشكلة من عدد من قضاة المحكمة العليا ومحاكم ونيابات الاستئناف.
- أن تقوم الهيئات القضائية بتقديم موازناتها بشكل تفصيلي. إلى مجلس القضاء الأعلى لمناقشتها وإقرارها بعد التداول وفقا للاحتياجات.
- أن تستوفي موازنة السلطة القضائية جميع الاستحقاقات لأعضاء السلطة القضائية وموظفيها الإداريين بحسب أبواب الموازنة المعطّلة من سابق.

والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.
المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى