موسم العيد.. ارتفاع الدولار يسحق فرحة الأطفال ولا حيلة للآباء

> فردوس العلمي/ حيدرة سالم صالح«الأيام» عدن/أبين:

>
  • "الأيام" تنقل صرخات المواطنين في عدن وأبين
  • إقبال ضعيف وقدرة شرائية تحت الصفر..
  • في الجنوب الطبقة المتوسطة تستغيث والفقيرة تكاد تنتهي بفعل الأزمات
بسؤال مباغت للمواطنين في أسواق المدينة، استطعنا أن نستشف مدى تدهور الحال، وعدم استعداد الناس لاستقبال العيد، "هل اشتريت ملابس العيد"، قبل الإجابة عن هذا السؤال لحظنا نفور يلحقه نفي قاطع وكأنما اتهمناه بارتكاب جرم "لا والله ما اشتريت"، كان سؤال بسيط والإجابة أبسط، لكنها حملت الكثير من الوجع، فيكاد المواطن يذرف الدمع وهو يقول :"لا والله ما اشتريت، من فين لي وأنا بلا راتب، ومعي موسمين كل موسم فيهم يقسم الظهر"..

معرض أحذية شبابية
معرض أحذية شبابية

ركود يخيم على الأسواق
وتشهد أسوق المحافظات الجنوبية ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار، وهبوطًا حادًا للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية؛ إذ وصل سعر صرف الريال مقابل الدولار إلى ألف ريال، وقارب الريال السعودي على تجاوز حاجز 300 ريال يمني، مما أدى إلى ركود في سوق عدن والحافظات المحررة، على الرغم من أننا على أبواب موسم عيد الأضحى المبارك، فترى في أسواق المدينة زحمة الناس، لكن لا ترى في عيونهم فرحة العيد؛ بل نظرات الحسرة والحزن قد رُسِمَت على وجههم وبدقة.

محل بيع ملابس الأطفال
محل بيع ملابس الأطفال

"ليس كبقية المواسم "
اتفق أصحاب المعارض والمحال التجارية بأن هذا الموسم يختلف عن المواسم السابقة، "البضاعة أصبحت للفرجة ونادرًا ما نجد زبون يشتري منا".
ويؤكد فارس المصيادي، بائع في أحد معارض الأحذية في كريتر، ذلك بقوله: "من يشتري هي الطبقة المقتدرة، وأما غالبية الشعب لا يقدرون على الشراء، بسبب ارتفاع الأسعار فأقل حذاء عندي بسعر 20 ألف مَن يشتريها؟ مَن وأغلب الأسر بدون راتب".

معرض للمعاوز والشالات الرجالية
معرض للمعاوز والشالات الرجالية

محمد عبده طالب إعلام وصاحب بسطة في السوق يقول لـ"الأيام": "الإقبال ضعيف لأسباب عديدة منها غياب الراتب، وهبوط العملة ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الناس على الشراء، فالقدرة الشرائية انخفضت بشكل كبير نتيجة ارتفاع الأسعار التي زادت بنسبة 8 % خلال يومين فقط".

صورة عامة لسوق عدن
صورة عامة لسوق عدن

"السوق ميت" هكذا اختصر مهيوب أحمد، صاحب البسطة الرد على سؤالي "كيف السوق"، وتابع "لا نجد إقبال من الزبائن، وهناك فرق شاسع بين موسم رمضان، وهذا الموسم (عيد الأضحى) فرمضان السوق غير والناس غير .. إذا كنت أنا أبيع وأشتري وأصنف من فئة التجار لم أتمكن من شراء ملابس العيد لأبنائي"، وعن السبب قال :"يا الله نضارب لهم عشان لقمة العيش، فهل الكسوة أو لقمة العيش .. أكيد لقمة العيش أولى".

محل عطور وأدوات تجميل
محل عطور وأدوات تجميل

أوسان السيد، هو أحد الذين قابلتهم في السوق، كان يبيع العبايات، سألته عن الحركة فأجاب: "الحمد لله السوق عندي أفضل وفي إقبال من النساء والفتيات، فالأسعار تختلف، وفي متناول اليد، وعلى حسب الموديل، تتراوح أسعار العبايات من 10ألف و8 ألف أو 6 ألف وعامل تخفيضات في أسعار العبايات على الرغم من ارتفاع الأسعار".

أما حلمي العقربي، كبقية التجار والبائعين الذين يشكون من ضعف الإقبال "القوة الشرائية ضعيفة جدًا بسبب ارتفاع سعر الصرف، المواطن يمر بظروف صعبة يتخبط بين الخدمات، ويمر بعدد مشاكل، فارتفاع الصرف، يسبب أزمة في كل شيء، وكل شيء يرتفع سعره، ونحن في موسم تشوف السوق زحمة، ولكن القوة الشرائية ضعيفة جدًا، فالناس بلا رواتب، والوضع غير كل سنة، فما سبق كان موسم خير والناس تستلم رواتب وإكراميات وزكاة رمضان وكان سعر الصرف مقبول، اليوم 100 دولار بمائة ألف يمني" .


ويضيف: "مهما عملنا السوق راكد حتى التخفيضات لم تجذب الزبائن، نبيع البنطلون بـ 2500 وعلى الرغم من هذا لا يوجد إقبال".
صاحب محل ملابس شبابية عبدالله علي، يصف الإقبال بالمتوسط، ويقول إنه ليس بقوة المواسم الماضية، ولا ضعيف جدًا، "الحمد لله هناك عمليات شراء تتم، وأعتقد بأن الخمس الأيام الأخيرة هي التي ستحدد أكثر، والأسعار تختلف بين موديل وآخر، طبعًا من يشتري هي الفئة المقتدرة فأغلب الشعب بلا رواتب".

محل بكريتر لملابس الأطفال
محل بكريتر لملابس الأطفال

معاناة التجار الصغار تتشابه، فها هو صادق الشرماني، صاحب محل ملابس في زنجبار يؤكد أن موردي الملابس هم من يتحكمون في الأسعار، "نشتري بالجملة بمبالغ مرتفعة، ونقوم ببيعها بهذه الأسعار، والإقبال لشراء الملابس من قبل المواطنين لهذا العام ضئيلًا جدًا، حيث أن المواطنين كانوا في الأعوام الماضية يقومون بشراء الملابس في الأعياد، أما اليوم فلم يبقَ منهم إلا القليل، وهذا نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة".

صرخة مواطن
حنان فارع
حنان فارع
حنان محمد فارع، ناشطة مجتمعية ومسؤولة عن أسرة تقول لـ "الأيام": "الأسعار التي أسمع بها اليوم في الأسواق مؤكد أنها ستؤدي بالمواطن إلى مجاعة، لم نتمكن من الإنفاق على أسرنا في ظل هذا الغلاء المتزايد".

وتضيف" الأسباب خلف ارتفاع الأسعار هي أزمة اقتصادية وعدم وجود دولة، فعدم وجود الحكومة داخل عدن أدى إلى ارتفاع الأسعار، إضافة إلى عدم وجود رقابة على البنك المركزي، والتصرف بالوديعة، وإهمال البنك مراقبة محلات الصرافة المنتشرة وغير المصرحة، كل هذا أوجد متلاعبين بالعملة، وقد ساهموا بهبوط العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد المختلفة".

وقالت: "لن نشعر كمواطنين بفرحة العيد، بسبب هذه الأزمة والغلاء فالعيد طبيعي سيأتي، ولكنه ناقص؛ لأن العيد هو لمة الأسرة، وهذا يحتاج إلى مصاريف زيادة، وبهذا نحن فقدنا أهم شيء يعبر عن ماهية العيد"، وردًا على سؤالي لها حول شراء ملابس العيد أجابت: "ليس لدي أطفال؛ لكنني مسؤولة عن أسرة، واشتريت بدلة واحدة لابن أختي طفل، بسعر 30 ألف بنطلون 22 ألف وقميص 8000 ألف ".

أم محمد امرأة في العقد الخامس من العمر لديها طفلان 7 سنوات و5 سنوات تقول:" الملابس غالية ولا نقدر نشتري، السوق يختلف هذا العام بسبب اختلاف الأسعار، ولم أتمكن من شراء ملابس العيد، فملابس الأطفال غالية نار، تجاوزت قدراتنا الشرائية، فزوجي بلا راتب وأنا ربة بيت".

أما دنيا وهي امرأة في العقد الثاني من العمر فتعود بالزمن إلى الوراء وتقول: "كانت أمي تشتري لنا ملابس العيد لكل واحد منا ثلاث أو أربع بدلات، ونحن خمس بنات وثلاثة أولاد، واليوم أنا أم لطفلتين توأمين بعمر سنة لا استطيع أن اشتري لهم ملابس، بسبب ارتفاع الأسعار، وزوجي يعمل بالأجر اليومي، وأنا ربة بيت لا راتب لدي".

وتسأل بوجع "هل معقول أن فستان طفلة بعامها الأولى يصل إلى 20 ألف! والله كلما دخلت محل أخرج والحسرة تملأ قلبي".
وتعلق سماح جميل بالقول: "الزحمة في السوق تشعرك أن كل الناس تشتري، لكن ليس هناك عمليات شراء وبيع تتم في الحقيقة، عزوف الناس عن الشراء يعود إلى ارتفاع الأسعار".

صورة أخرى لمعرض أحذية شبابية
صورة أخرى لمعرض أحذية شبابية

وتتابع: "معي خمسة أبناء، حاولت اشتري لهم ملابس، ووجدت أن البدلة الواحدة تكلف 50 ألف، وراتب زوجي 80 ألف، لكن نحاول أن نشتري".
حيدرة ناصر، طالب هندسة كان يبايع على أسعار الملابس في أحد المحلات وقال لي: "سعر البضاعة حسب الجودة فهناك سعر أقل من 10 ألف، وفي أكثر"، كان يقيس بنطلونًا وسأل صاحب المحل عن السعر، فقال له: "بـ 20 ألف"، سألته هل سيشتريه، فابتسم وقال: "إذا قدرت".

ويؤكد المواطن منير صالح حسين، من حارة الطميسي بزنجبار أنه لم يتمكن من شراء ملابس العيد لأفراد أسرته المكونة من ثمانية أفراد، أربعة ذكور وأربع إناث، نتيجة الارتفاع الجنوني في الأسعار، "أنا من أصحاب الدخل المحدود، وأذهب إلى المحال التجارية، نأخذ نظرة من بعيد عليها ونعود، الظروف الأسرية العصيبة أجبرتنا لعدم الشراء، فهل تعي حكومتنا ما نعانيه نحن الغلابى من حرمان، أظنها لا تبالي بما نعاني ولا يهمها ما وصلنا إليه من فقر وجوع".

الكل يصرخ سواءً في عدن أو أبين ويبدو أن الأسر في مدينة زنجبار لم يعد باستطاعتها شراء ملابس عيد الأضحى لأطفالهم وأولادهم ورسم البسمة على محياهم، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، والغلاء الفاحش الذي طال مجمل السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، في ظل الانهيار المتواصل للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وعدم قدرة الحكومة على وضع حد لإيقاف ذلك الانهيار في العملة.

وباختصار فإن مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى المبارك هذا العام ستغيب عن العديد من منازل الأسر، سواءً في عدن أو أبين أو غيرها من المناطق المحررة، وستخلو من الحلوى والهدايا والثياب والزينة المميزة، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، والتي نغصت صفو حياتهم وأصابتهم في مقتل، فهناك أسر لا تملك قوت يومها لتفكر بفرحة العيد، وبقيت تشاهد ملابس الأطفال في المحال التجارية، وتعود خالية لا تملك إجابة لتساؤلات صغارها المتمثل بـ(هل اشتريت لنا ملابس العيد؟).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى