بصدد أسئلة أكثر من كونها إجابات حول الجنوب ومستقبله

> ورد ضمن أجندة المؤتمر ورقة عن "مستقبل الجنوب"! والسؤال: أي جنوب؟ جنوب ماذا؟ هل الجنوب العربي أم الجنوب اليمني/ جنوب اليمن الذي كان يعرف باليمن الجنوبي؟
إذن دعوني أبدأ في مقاربة هذا الإشكال بالإشارة إلى المادتين الأولى والثانية من بيان الاستقلال:

"1- سوف يتسلم الجنوب العربي الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، الذي سيعرف بعد ذلك بيوم الاستقلال.

2- في يوم الاستقلال جميع الولايات المنتهي احتلالها سوف تعرف بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وسيوطد هذا اليوم بقرار رسمي من قبل التنظيم السياسي الجبهة القومية، الجهة الممثلة لشعب وأرض الجمهورية الجديدة، وسوف تقوم بتشكيل الحكومة".

نلاحظ هنا "الجنوب العربي" أي ليس ذاك الذي كان بين 1959 إلى 1967 على حدود المحميات الغربية خارج حضرموت والمهرة وسقطرى، وربما أجزاء من يافع (سلطنة يافع العليا)، بل كان قد عني به كامل الأراضي/ الولايات التي ستسمى لاحقا بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ولاحقًا مرة أخرى (بدءًا من 1 ديسمبر 1970) بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

كيف كان ماضي الجنوب بعيد الاستعمار؟
كان بقرار رسمي من قبل "التنظيم السياسي الجبهة القومية" قبل التحول عام 1975 إلى "التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية"، ولاحقًا أكتوبر 1978 الحزب الاشتراكي اليمني.
بالطبع، لسنا في وارد تقويم تلك المرحلة سلبًا وإيجابًا. حكم اليسار الشمولي خارج نطاق التعدد والحريات حتى منعطف 1989/1990.

مرحلة ما بعد مايو 1990 محمول التفاؤل الأكبر عاطفيًا نحو يمن تعددي ديمقراطي ذي حرية التعبير (فقط) وموحد.
(الإشارة هنا إلى الدولتين وليس إلى الشطرين. وثمة سؤال مهم أمام الزملاء الصحافيين: هل كانت الأمم المتحدة تعترف بشطرين أم بدولتين؟ ومثلًا ماذا عن كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية اليوم: هل هما شطران أم دولتان؟)

ذات زمن، يتضح أنه كان أردأ بحجم الإخفاق الذي التقى حوله الهروبان كملاذ زائف. لنتذكر هنا "يا بنت أم الضمد قولي لنا/ أي علي سوف يخصي علي!؟" من قصيدة البردوني الشهيرة.
عاطفة الجنوب نحو الوحدة كانت أقوى ضمن أبيات المرحلة، لكنه دخلها متشظيًا. إنما هناك سؤال أتمنى من أحدكم الإجابة عنه:
من كان يفترض أن يوقع اتفاقية الوحدة مع علي عبدالله صالح، هل علي سالم البيض أم حيدر أبو بكر العطاس وفقًا لدستور 1978؟

هل كان العليان مستعجلين؟
كانت اتفاقية الوحدة تبين بوضوح أننا بصدد سلق جمهورية جديدة دون أن نفهم ونعرف كيف!؟

1994 بصدد الحرب التي:

هل كانت بين الشمال والجنوب؟
أم بين الخديعة والحقيقة؟

أم بين حزبين ثالثهما حارس الكهف القديم؟
أم بين معسكرين أحدهما خلد صاحبه للنوم باكرًا في موسكو؟

أم بين أبيض القلب وأحمره؟
كيف تحولت تلك الأغنية من "لمن كل هذه القناديل تضوي لمن؟" إلى "مسيكين الجمل يعصر وغيره للأسف يأكل العصارة" ؟

انتجت تلك الحرب المشؤومة نتيجة مفادها أن مولودنا الجديد الذي كنا به فرحين قبل قرابة أربع سنوات ها هو يذهب إلى غير أبيه وأمه، إلى خالته الأشد قسوة (هل الخالة دائمًا رمز للشر؟) ومنها إلى الشيخ الذي قال سيربيه بمشيئته على إيقاع رياض الصالحين ورحيق الأولين!
نشأت لدينا القضية الجنوبية.

كان لدينا الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام ومجلس رئاسي والجمهورية اليمنية وأحزاب وصحافة، وذلك السبب الذي تأسس لأجله التجمع اليمني للإصلاح وفقًا لمذكرات مؤسسه ورئيسه الأول.
ثم أصبح لدينا الحزب الاشتراكي اليمني مصابًا في رئته اليمنى داخل الإنعاش بفيروس مختلف عن كورونا، وقد أصبح الآن في كثير من التجاذبات لا حزب ولا اشتراكي ولا يمني وفقًا لانتقادات.

وظلت الحلبة تخلو تدريجيًا من الجمهورية اليمنية. تلاشى المجلس الرئاسي إلى بخور جديد بلا نوعية، إلى الشخص الذي يقود حزبه ويفوز دائما بالقرعة ومعه البرلمان والحكومة والصهاريج.
وأغلق رئيس التحرير على صحيفته في حقيبته السوداء التي كانت تصدر بداخلها.

وشهق أكثر من حزب بتلك الشهادة التي تضمن له ولو غرفة دون سقف في الجنة.
وبدلا من الجمهورية اليمنية، حلت هذه الجغرافيا التي نتقاسمها اليوم؛ لنشير إلى أكثر من إقليم ومليشيا وتدخل خارجي وإيديولوجيا ووكلاء هم الأرخص في العالم وفي التاريخ ربما.

بعد الوحدة بسبعة عشر عامًا، سينطلق الحراك الجنوبي كرفض لاستمرار اختلال المعادلة.
ومع انطلاق التظاهرات السلمية في ساحة الشابات بخور مكسر، كانت هذه واحدة من ملامح المحاولات التي أرادت تصحيح المسار.

جاءت بعد الانتخابات الرئاسية 2006، التي ظل فيها شخص واحد فقط يلعب بما يشاء في ظل هامش كان يضيق أكثر، لكن حاجز الخوف من الجميل أنه كان قد تغير.
تأتي بعد أربع سنوات ثورة الشباب أحداث 11 فبراير ضمن دفعة أكثر تحشيدًا إنما دون اتجاه واضح المعالم.
تأتي 2014 بدبة البترول التي أحرقت كل اليمن فيما كانت على أطلال تفاؤل قديم، فأصبحت ملحمة تمسح كل يوم على نحو مخيف من الذاكرة الجمعية آلاف الميجاوات.

سنسأل الآن:
كيف كان الجنوب لحظة اشتعال هذه الحرب في مارس 26، 2015؟
بالطبع، ضمن اتساع حراكه الجنوبي الشعبوي القوي غير المنظم.

لكن هل التقط الفرصة أم اُلتقطت به أشياء أخرى؟
يمكننا الحديث في هذا الصدد على مستوى هذه العناوين:

1- الحرب والتحالف وثنائية السعودية الإمارات.
كان من أهداف عاصفة الحزم إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى صنعاء، وتحول هذا إلى عدم القدرة على إعادتها إلى أي مكان في المحافظات التي تسطير عليها، فيما تُبقيها معظم الوقت في الرياض منذ سنوات الحرب.

2- بدأ الصراع داخل أروقة التحالف الحكومي بعد استعادة السيطرة على عدن، وخاصة مذ إقالة بحاح والزبيدي ومحافظين آخرين.
كانت أشياء كثيرة بدأت تتحسن في العاصمة المؤقتة عدن عندما أقدم الرئيس هادي على إقالة نائبه حينها خالد بحاح، وكان في الوقت نفسه رئيسًا للحكومة.

3- تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كفصائل في الحراك الجنوبي، توحدت تحت هذه المظلة.
لا شك أن أي اتحاد لفصائل ومكونات داخل الحراك الجنوبي يعد مكسبًا للقضية الجنوبية، وخطوة في الاتجاه الصحيح بعد عشر سنوات من انطلاق الحركة الاحتجاجية العفوية حينها، إنما كيف تمضي في إدارة علاقاتها تحت إطار المجلس مع بقية خارطة التنوع السياسي جنوبًا؟

كان عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس، قد شكل، نهاية يونيو 2021، ما أسماه "فريق حوار جنوبي خارجي" من 11 عضوًا برئاسة وزير النقل السابق مراد الحالمي وكلفه بإجراء مشاورات وحوارات مع النخب الجنوبية في الخارج.
والسؤال هل سيجري حوار جاد بالفعل بين المكونات والشخصيات الجنوبية المختلفة والمجلس الانتقالي الجنوبي؟ وماذا عن المكونات الجنوبية التي في الداخل؟

4- النزاع داخل التحالف الحكومي في ظل استمرار الحرب ضد الحوثيين.
وكيف أن هذا يضعف من تحالف الأطراف السياسية المنضوية في الحكومة، وهو ما يؤدي إلى خدمة الحوثيين الذين لا شك يستفيدون من توسعة الخلافات بين خصومهم.

5- عامان يمران على سيطرة المجلس الجنوبي على كامل عدن وأجزاء من أبين وسيطرة شبه كلية على لحج، منذ أغسطس 2019.
6- الاستقطابات الحادة وأسئلة عن الوجود السلفي. هذه النقطة يتناولها الزميل حسام ردمان في ورقته بهذا الصدد.

7- الحوار الداخلي الجنوبي الجنوبي. هنا النقطة الأكثر أهمية.
أتذكر هنا المشاورات التي رعتها مؤسسة برجهوف الألمانية عام 2012 في البحر الميت بالشراكة مع منتدى التنمية السياسية، التي أكدت المناقشات حينها على ضرورة حوار جنوبي جنوبي وفقًا لأسس يتفق بشأنها، نحو إيجاد حامل سياسي للقضية الجنوبية.

8- الهوية ما بين الفعل ورد الفعل. ما الذي يمكن أن نثيره من أسئلة؟ ثمة سؤالان:
- كيف يُرفع علم "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" المعبر عن دولة الجنوب السابقة، فيما تم استبدال التسمية بـ"الجنوب العربي"؟

- ولماذا وقفت ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد مشروع "الجنوب العربي" وضد الاستعمار البريطاني في آن واحد؟
9- تحالفات المجلس الجنوبي مع الإمارات والتباين الذي بدأ يظهر على السطح أكثر وأكثر بين الرياض وأبو ظبي.

لربما وجد المجلس نفسه بين قوى سياسية يمنية تناصبه العداء، فكان مبررًا له إنشاء هذه العلاقة مع الداعم الإقليمي، غير أن السؤال: هل هناك هامش من الحرية للمجلس؟ أي هل يمكن الحديث عن التقاء مصالح بين طرفين أم هناك هامش أكبر لطرف على طرف؟
10- لا قادم يمكن قراءته سياسيًا ما لم تتوقف الحرب أولا. مستقبل السلام ومدى قدرته على الصمود لاحقًا في وجه أعاصير عديدة ضمن الخارطة اليمنية.

ما مستقبل الجنوب من حيث الفيدرالية؟
حتى الآن المؤشرات تذهب إلى إقليمين في الجنوب على الأقل مع تعديل موقع سقطرى ربما من إقليم حضرموت إلى إقليم عدن. من المتوقع أن يكون لكل من محافظة عدن وجزيرة سقطرى وضعية خاصة بهما داخل الجنوب خاصة، واليمن الفيدرالي بشكل عام.

وحاليًا، لو نظرنا إلى واقع الصراع في اليمن، سنجد أن البلد قسمت فعلًا إلى ستة أقاليم كما جاء في الفقرة الغامضة من مخرجات الحوار بشأن شكل الدولة والتي أضيفت بقرار فوقي بعيدًا عن تفاهمات الأطراف السياسية ضمن الحوار الوطني الذي برأيي شهد غيابًا للقوى الفاعلة في الحراك الجنوبي حينها.
يتمركز الصراع حاليًا في:

الساحل الغربي، إقليم تهامة.
في شبوة وسيئون ومخاض المكلا، إقليم حضرموت.

في مأرب والبيضاء، إقليم سبأ.
في تعز، إقليم الجند.

بينما يسيطر الحوثيون على صنعاء، مركز إقليم آزال، والمجلس الانتقالي الجنوبي على ثلاث محافظات من إقليم عدن وأجزاء من أبين ضمن الإقليم ذاته.
وبرأيي أن من مصلحة الجنوب ضمن الفيدرالية اليمنية أن يكون إقليمًا واحدًا لا إقليمين، له الحق لاحقًا في تقرير مصيره وفقًا لاستفتاء تحت إشراف دولي. الجنوب تاريخيًا لم يكن موحدًا. كان أكثر من 23 سلطنة وإمارة ومشيخة إلى جانب مستعمرة عدن، ولم يشهد الدولة الواحدة الممتدة من حوف حتى باب المندب في تاريخيه إلا عام 1967. فلذلك من المهم أن يبقى متماسكًا في إقليم واحد لا إقليمين.

سؤال على الهامش وإن كان بداخل المركز من الأهمية:
هل سيظل الجنوب بيد الجوار ورقة لابتزاز الشمال والعكس أيضًا؟

11- دعونا نضع هذه النقطة ولو من باب الترف:
هل يمكن أن يصل الوعي العربي إلى ثقافة العلمانية، المواطنة، المساواة وحرية الضمير... إلخ؟

*ورقة قدمت إلى مؤتمر المثقفين اليمنيين - المكلا 1-2 أغسطس 2021

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى