عاصفة مدارية جنوب غرب الكآبة

> في حالة صدمة ملونة من أمس بسبب الروائي ألبير قصيري، هذا المصري الفرنسي من أصول سورية، الكائن النحيف كخيزران الذي اُمتص كامل رحيقه الإضافي وكل مخزونه الاستراتيجي كما يبدو، وقد جاء في تصريحات منسوبة إليه: يتفاخر أنه نام مع 3 آلاف ست.
هل كنت بصدد أن أسأل: كم قضى سنوات في هذا القصف؟

أبدًا. هذه جرائم حرب.
وكنت شبه محتفظ بالفيوز الثاني من احتياط الاحتياط حتى طوحته المعلومات الجديدة أن وغدًا أكبر وهو جورج سيمنون نام مع عشرة آلاف امرأة. (صفحة سوريا بلاد الشمس).

حسنًا، هذا تحذير مشقدف رفيع المستوى لكم لإخلاء المسؤولية الاجتماعية والثقافية بعدم مواصلة قراءة هذه التوديفة كنص خرج عن السياق بمفرده وليس لي به علاقة كما لو كان إطار شاحنة انفجر في نقيل يسلح.
أما بعد، كيف لهذا الرقم أن يحدث؟ من الذي كان يمسك بالورقة والقلم ويكتب هكذا مثلًا:

31 يناير 1996، نام الوغد الليلة مع عشيقة عابرة في الغرفة رقم 606 بفندق في حي مونبارناس المنطقة الرابعة عشرة؟
أم أن المسألة متروكة للتقدير من قبل الكابتن؟

هل تقلع الطائرة أم تتزود بالوقود فقط؟ أم تخضع لإصلاحات طفيفة؟
تحديدًا ما الذي يعنيه الفعل "نام"؟ هل يقودنا هذا إلى مشهد استهداف كابول؟

الوغد يستهدف باريس رأسًا.
لا شك (لا أحب هذه الـ لا شك) أن الفعل نام يعني تذويب تلك الاغترابات الإنسانية عند حدودها الشرقية فحسب دون الدخول في الأجزاء الغربية إلا ما ندر. يمكن أن نستثني 129 مرة فقط مثلًا من جملة 3 آلاف، كعدد سنوات الاحتلال البريطاني لعدن.

لا أدري إن كانت امرأة ما قد أسقطت هذه الأعداد من الهجمات عبر الـS500 إنما لا يُستبعد. وليكن.
الآن تعالوا نجري هذه المقارشات الجانبية لنمسك إيماننا الوثيق كي لا يتزعزع، ونفهم أن الإشباع الروحي ليس له طريق إلا السماء على بعد 12 ألف سنة ضوئية ربما عن أسَرّة قصيري.

لدينا في الضفة المقابلة مثلًا الصحابي الهزبر أبو ذر الغفاري والراهب الشهير الأب متى المسكين والأم تريزا.

حلو الكلام؟
بالطبع لا بد أن يكون حلوًا.

فأبو ذر ربما كان الوحيد من الصحابة الذي لم تكن لديه من النساء غير أم ذر، رضي الله عنهما. والأب متى المسكين والأم تريزا رهبان والراهب لا يتزوج. (نادرًا ما يترهبن أحدهم بعد الزواج، كما ليس في حالة ليف نيكولايفيتش).
قيسوا هذه المسألة وارسلوا النتيجة على الخاص وإن سدحتموها هنا فجائز:

أيهما يرقى للحس الإنساني الذي نفخر به كفخرنا بمجد الله وحب الخليقة، المجرم قصيري أم الرفيق أبو ذر؟ واحدة كصديقة وزوجة لا يُذكر إلا وتذكر معه، مقابل توزيع هذا الكم الهائل من اللقاح على مسحوقي الإمبريالية المتوحشة؟
لي صديق أحصى 35 امرأة. ما إن نطق بالعدد حتى أحلناه لمحكمة ثورية عادلة. هذا وهو 35 فقط. وفقط هذه ظهرت الآن لما عرفنا بالـ3 آلاف وإلا ما كنا حاكمنا صاحبنا. أظن يلزم اعتذار وعزومة وحبة سمين.

فعودة للسؤال الذي قطعته هذه الجملة البرتقالية الغبية:
كيف يمكن أن نفهم هذا الزغط بالذات في مساحة هذا الكوكب؟

ومن ثم تعالوا نطرح سؤالًا توماهوكيًا كما يلي:
كيف مَن لم يعرف؟

لا بد أن نشرك هنا أولئك العزاب الشرفاء الأنقياء الأبكار الأطهار -قلدهم الله- كيف واجهوا الحياة دون حروب الاستنزاف ضد بريطانيا ودول المحور؟
وكيف تصمد التجربة بهذا القدر من العفة؟ (هذا إن كانوا ممن دعتهم صياد فقالوا إنّا نخاف الله)؟

كثيرون لم يتورطوا (الترجمة الأدبية التي لا أفضلها: لم يتزوجوا) كالفيلسوف فريدريك هيجل مثلًا وحتى كابن تيمية. وعدد لا حصر له من كبار الذين ترهبنوا. مع أن القديس أوغسطينوس ما تكرس للروح إلا بعد أن استخدم حتى القنابل العنقودية. (باب التوبة مفتوح).
العاشق العظيم الحسين بن منصور الحلاج أو مولانا جلال الدين الرومي لم يعرف كل منهما إلا امرأة واحدة أو ربما اثنتين، فيما رفض الأيقونة شمس تبريزي الاقتراب في ليلة زفافه وفضل ارتداء سترة النجاة حرفيًا.

فهذه الطاقة الجبارة ومع ذلك المنفلتة، لربما كانت الوحيدة التي تهزم الموت. (تهزمه الفنون أيضًا الجدارية). سمعت هذا من فم الروائي الأكبر حنا مينه. وهذا الآن مثار تأمل إضافي لكن مهم وعميق: ما حدود المعركة بين الجنس والموت؟
وهل يحضر هذا الكأس الثمل لأجل الحياة أم لأجل الفن/أن تغيب من وعيك إلى لا وعيك عند تلك القفزة غير المحسوبة العواقب والمثالب من الكوكب إلى اللا جاذبية؟

لا بد أن أقرأ روايات قصيري الست لأرى هل أعطى الأدب حقه أم كان مشغولًا طوال الوقت؟ أول كتبه "بشر نسيهم الله".

ولنا مع تولستوي، وهذا قد يكون أمين عام الأوغاد، لفتة مهمة لتعزيز الثورة. كان يسأل تشيخوف ذات مساء: كم مرة كنت تدون الشغف؟ فيخجل الرفيق انطون وتحمر وجنتاه لأنه كان مؤدَّبًا مثلنا (مرة أحدهم يسأل إحداهن: هل أنا مؤدب أم أهبل؟ قالت أهبل)، فيتكفل تولستوي بتوضيح المشهد وفق المنهج المقارن: أما أنا فكنت لا أعرف الكلل. ويحكي هذا الرفيق مكسيم جوركي في لافتاته.

ها نحن نهبط تدريجيًا نحو فصول كثيرة في استقصاء جرائم منسية كما يبدو.
يحتم عليّ التوقف هنا وأن أدعوكم لقراءة ألكسندر دوماس وسيرة فرنسيس الأسيزي الأولى وحيثما وجدتم كاتبة كانت تدون بعد كل تهديد أمريكي للصين وقائع تجربة.

وفي حكاية الآلاف مع الحوت الأزرق، يأبى هذا السؤال إلا أن يولد هنا قسريًا:
بين واحد إلى ثلاثة حتى لا أقول عشرة آلاف:

كيف تتغير الأصوات والأشكال وزقزقة العصافير ولحن الأغنية؟ وكيف تختلف في العمق منها الماهية الوجودية في تلك اللحظة تحديدًا؟
في حال أن واصلتم القراءة إلى غاية هذا السؤال، فيجب أن تتأكدوا أنكم بلا نوم كما الناس وأننا جميعًا في مركب واحد تهزه عاصفة مدارية تتلاطمه من الخارج والبحر ليلًا، وأخرى تتأجج في الداخل/أتون عالم غامض نسعى لفهم بعض جوانبه من هذه الجهة (جنوب غرب) وعلنا نستطيع/لا نستطيع/لا ندري.
وكل هذا -لازم فقط- من باب المعرفة التي يطوحها أرضًا الشغف بالأشياء حين تكون بعيدة عن الشمعة المحترقة، فتقود الإنسان إلى الشيطان الذي ما زال يضاجع كآبته القديمة، فيما ترمي كل جهودنا إلى استكشاف الطريق الحق إلى الله وسط هذه الأدغال بالذات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى