تحتاجه اليمن تجتاحه الثقافة

> انقلبت حافلة مرسيدس حديثة في الطريق الدولية الساحلية بين أبين وشبوة، جنوب اليمن، وكان بداخلها رئيس مجلس النواب و48 برلمانيًا تجاوز عمر أصغرهم 76 عامًا.

وُجّه نداء لأقرب مركز شرطة في بلدة عتق. تأخر وصول سيارة الإسعاف. ولحسن الحظ أو ربما سوء الطالع كان قرب الحادث فلاح عظيم، يا للجمال والورع كان اسمه "الهميسع"، قام بواجبه بعد تأخر فرق الإنقاذ. قام بدفنهم وفقًا للشريعة.

ساءله المحقق لمعرفة التفاصيل:

أمتأكد أنهم ماتوا جميعهم حين دفنتهم؟

رد صاحبنا بكل ثقة متراكمة منذ عهد يشجب بن يعرب:

كان بعضهم يولول وكان رئيس المجلس يصرخ، ولكن مَن يصدّق السياسيين يا سيدي؟*

نُقل المحقق إلى المشفى. نهار اليوم الرابع حين أفاق، طلب من رئيس الإقليم تقليد الهميسع بوسام نادر يُبتكر خصيصًا ويُمنح على مثل حالته.

لاحقًا، نقلت صحيفة "الأيام" أن الهميسع رفض التكريم. وقال للصحيفة:

حين نقوم بالواجب لا نريد وسامًا ولا قلادة. من فضلكم ادفنوا القيادة.

أدخلوا الهميسع السجن بتهمة الإضرار بمصالح الوطن، وحكموا عليه 13 عامًا انفرادياً. كتب رسالة نشرتها الصحيفة نصًا، ومن أهم ما ورد:

(شاهدوا فيلم "الرهان". أمدوني باللازم).

كان يقصد كتبًا وروايات. وقصة الفيلم معروفة في الأدب الروسي.** واحدة من أهم الخلاصات المعرفية في مسار التخلي وصولًا إلى الصمت.

أجرى الزميل عبدالرحمن أنيس تحقيقًا استقصائيًا في وقت لاحق وكشف أن الهميسع لم يكن فلاحًا بل كان بروفيسورًا في الفلسفة اليونانية، تقطعت به السبل وفقد وظيفته بسبب صراعات حزبية سياسية، ولما تمكن من استعادة حقوقه عبر القضاء فقد قيمة راتبه جراء انهيار العملة المحلية بفعل الحرب التي أكلت أذرع وسيقان اليمن، ووزعوا ما تبقى "كما يشتهي الوزّان*".

اتهم الرأيُ العام صديقَنا الهميسع بارتكاب قضية جنائية. وُجهتْ له تهمة استهداف البرلمان بحادث مروري مدبّر.

رد صاحبنا برواية كتبها في سجنه وأسماها: "تحتاجه اليمن تجتاحه الثقافة".

يقال إن الهميسع سلّم مسودة نسخته الوحيدة للرفيق نبيل قاسم، فيما تناقلت وكالات الأنباء خبرًا غامضًا أن نبيل طار بعد يومين على متن رحلة عاجلة إلى جنوب السودان قبل أن تفقد المحطات الأرضية الاتصال بقائد الطائرة التي اختفت على نحو مفاجئ وبطريقة مماثلة لنظيرتها الماليزية قبل سنوات.

* وفق نكتة سياسية خدمت النص هنا بعد تحويرها.

** القصة لـ أنطون تشيخوف.

* من أغنية "نشوان" لسلطان الصريمي، ألحان محمد مرشد ناجي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى