​مأساة اليمن السعيد

>
لكل بلد عربي، عنوان للمباهاة: الأهرامات المصرية، شرائع حمورابي العراقية، قبلة المسلمين الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف لدى العربية السعودية، المسجد الأقصى والإبراهيمي في فلسطين وكناؤسها المقدسة الثلاثة: الميلاد والبشارة والقيامة، ونتباهى الأردنيين مثلهم بالبحر الميت والبتراء وجبال رم وصحرائها، أما اليمن فنرتبط به ومعه لأنه أصل العرب وجذرهم.

ذلك هو العنوان الأول الذي يشدنا نحو اليمن وتراثه، وما تبع ذلك نضاله في الجنوب وسجله الكفاحي الثري لطرد المستعمر البريطاني ورحيله، وقرار وحدة اليمنيين شماله وجنوبه التي تمت في عمان يوم 22/5/1990، واستكمالها بوثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في عمان يوم 18 يناير 1994 .
الوحدة اليمنية، سببت القلق والخوف، لأطراف إقليمية ودولية، فعملت على تفجيره وتمزيقه من الداخل، والأطراف اليمنية الرئيسة: حزب المؤتمر الشعبي برئاسة علي عبدالله صالح، وحزب الإصلاح برئاسة عبدالله الأحمر، لم يوفقا في الحفاظ على خيار اليمنيين الوحدوي ونجاح شروطها، وجعلوا الحزب الاشتراكي برئاسة علي سالم البيض، الذي اختار طريق الوحدة، ودمج الجنوب مع الشمال معزولا، وبسطا سيطرتهما على الجنوب، بدون أدنى اعتبار لوعي الجنوبيين وتطلعاتهم نحو التعددية وتداول السلطة فعانوا من التهميش والتضييق والعزلة.

اليمن بموقعه وديمغرافيته ووحدته، سبب المتاعب لأهل الجزيرة، وأمدهم بالوعي نحو التساؤل والرغبة في الاستقلال، فهو الأكثر سكانا، وتحرر من هيمنة الأحادية والتسلط واللون الواحد، حتى في ظل حكم العسكر كان حادا متمردا لا يقبل الخنوع والتمادي.
ولهذا على الرغم من ضعفه وإمكاناته الاقتصادية المحدودة، كان مؤثرا يُحسب له وعليه تحركاته، لأنه مثل العواصف الهائجة لا يترك لليابسة أن تُقرر مصيره ومصيرها، وها هو يؤكد أن كل التدخلات والأسلحة الفتاكة المتطورة لا تُرغمه على الإذعان والاستكانة، وهذا يعود أصلا لمعدن شعبه المتمرد وجغرافية صخوره الحادة التي لا تستكين.

لم ينجُ اليمن من مخططات وثورة الربيع العربي، القائمة على عاملين:
أولهما حاجة البشر للكرامة والعدالة والتعددية والديمقراطية وتداول السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
وثانيهما استغلال الولايات المتحدة وحلفائها لحاجة المواطنين العرب للتغيير فوظفت أدواتها، نحو استغلال احتياجات المواطنين وقيادة تحركاتهم من قبل أدواتها المنظمة الممولة.

تحركات الشارع العربي واحتجاجاته، كانت بريئة وطنية تستجيب لحاجة التغيير والتطور، ولكن الأدوات على أغلبها كانت منظمة منهجية، متواطئة مرتبطة.
لقد وجدت الولايات المتحدة وقياداتها تشيني، وولفويتز، ورامسفيلد، وجدوا أن النظام العربي صديقهم ولّد أربع مفردات هي: العنف والتطرف والإرهاب والعداء للغرب، فقررت واشنطن العمل على تغييره وفق تعبير كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية مستشارة الأمن القومي عبر: الفوضى الخلاقة.
اليمن كان أحد عناوين الاهتمام الأميركي وحلفائه، فانفجر الصراع المنظم داخله، وأدى إلى:
1- تدمير وحدة اليمن تحت عناوين مختلفة.
2- تجويع شعب اليمن وتشريده.
3- استنزاف القدرات المالية.
4- جعل اليمن أسيرا للخيارات التوسعية الإيرانية.
5- الدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع المستعمرة الإسرائيلية.
وبذلك بات اليمن بسبب حدة المواجهات عنوانا للاستنزاف والدمار والخراب لنفسه ولمن حوله، ولكل من تورط في صداماته، ولا يزال.

"الناطور للدراسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى