سعيدة.. طفلة تحرمها الظروف المادية من التعليم

> عدن «الأيام» رقية دنانة:

> يعيش اليمن أوضاعًا متأزمة على الصعيد الإنساني والاقتصادي والصحي والتعليمي بفعل الصراع المسلح والدائر بين الفرقاء وحلفائهم منذ سبع سنوات على التوالي، ومع استمرار تعنت طرفي النزاع وعجز الوساطات الأممية عن حلحلة أسوأ أزمة إنسانية بحسب الأمم المتحدة تتفاقم مآسي الأطفال في مختلف المدن اليمنية باعتبارهم الشريحة الأكثر تضررًا من الحرب بحسب منظمات.

وأحرمت الحرب في اليمن الأطفال من حقهم في العيش وممارسة الطفولة والتعليم، حيث تشير تقديرات منظمة اليونيسف أن نحو8.1 مليون طفل بحاجة إلى مساعدة تعليمية طارئة بسبب الصراع في اليمن. وتؤكد المنظمة أن هذه الزيادة ضخمة مقارنة بـ 1.1 مليون طفل قبل الحرب.

ويواجه الأطفال الأمرين من جراء الحرب من جهة ومن جهة أخرى المرض، حيث شكل فيروس كورونا وغيره من الأمراض خطرًا على حياة المئات منهم وسط محاولات المنظمات التي تنشط في الجانب الصحي لتفادي الأمر، وكل هذه الانعكاسات تؤثر على نفسية الأطفال وتمنعهم من مواصلة تعليهم والوصول إلى أحلامهم التي يطمحون بها ويرسمونها على جدران منازلهم المدمرة.

وتحرم أغلبية الأسر في مناطق مختلفة من اليمن الفتيات من التعليم لأسباب عدة، هذا وتشكل الظروف الاقتصادية المتردية عند بعض الأسر عائقًا للكثير من الفتيات الطموحات، حيث يجبرن على ممارسة أعمال المنزل أو التسول أو المهن الشاقة ويتركن المدرسة دون خيارات متاحة أمامهن نتيجة عجزهن عن دفع تكاليف المدارس الحكومية العادية.

في حين تسعى بعض الأسر لتعليم الأولاد بينما تحرم الفتيات بسبب هذه الظروف، هذا بالنسبة للمدن أما في الأرياف فقد تحرم الفتاة من مواصلة التعليم نتيجة العادات والتقاليد السائدة هناك، إلا أن معاناة فتيات المدن اللاتي حرمن من مواصلة التعليم نتيجة الظروف الاقتصادية الأسرية الصعبة هي الفصل المأساوي الذي لن ينتهي إلا بانتهاء الحرب في اليمن، وسد الفجوة الاقتصادية بين صنعاء وعدن.

سعيدة (11 عامًا) واحدة من الفتيات الأطفال اللاتي اضطررن للتوقف عن مواصلة التعليم نتيجة الظروف المادية الصعبة التي تعيشها أسرتها إلا أنها حزينة جراء هذا التوقف القاسي الذي يعيقها عن مواصلة طموحها الذي تحلم به.

والدة سعيدة تحكي محاولتها في إقناع ابنتها المندفعة تجاه التعليم بشغف، طفلة ترى العشرات من أطفال الحي الذي تسكنه يذهبون ضاحكون في طريقهم إلى المدرسة، بينما هي تظل تلعب وحدها في الحي أو تمارس اللهو في أشياء خارج إطار رغبتها. تقول: " ماتخارجناش المدرسة يا سعيدة أجلسي لك قليل وبعدين بزوجك وصلى الله وبارك" كذا تسرد الأم الفصل الذي تدرك مأساتها، إلا إنها تفعل ذلك نظرًا لعجزها عن وضع خيارات أخرى أمام رغبات ابنتها الشغوفة.

وبصوت تكسوه الخيبة تتحدث سعيدة عما آل إليه حالها بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها أسرتها والتي عرقلتها عن الالتحاق بالمدرسة للسنة الثالثة على التوالي.

سعيدة مثل الكثيرات من الأطفال في منطقة المحاريق بمديرية الشيخ عثمان في مدينة عدن وغيرها من مديريات المدينة أجبرن على التوقف عن مواصلة التعليم الابتدائي نتيجة أوضاع أسرهن الخانقة ماديًا، ومثل قصة سعيدة تتكرر العشرات من القصص في أكثر المناطق الشعبية فقرًا وانعدامًا للبنية التحتية والخدمات العامة.

وتشكل مشكلة حرمان الفتيات من التعليم واحدة من أكثر القضايا المثيرة للقلق والتي سببه الفقر المدقع وانعدام فرص العمل وانخفاض الأجور وارتفاع الأسعار، الأمر الذي جعل الكثير من الأسر تعزف عن دفع أبنائهن لمواصلة التعليم فكل ما يؤرقها كأسرة يكمن في كيفية تأمين قوت يومه لأبنائه كي لا يموتوا جوعًا.

ولم ترَ الطفلة ذات العشرة أعوام من الفرح والسعادة إلا اسمها سعيدة تقول "أشوف أخي أحمد يروح للمدرسة وأني ما أروحش" بعد هذه الكلمات أشاحت سعيدة نظرها للأعلى لكي لا تذرف دمعها فقد اختزلت آلامها لعدم ذهابها إلى المدرسة وهي التي تمنت العودة إلى المدرسة في كل بداية عام مع أخيها للذهاب معه، ولكن بحكم أنها فتاة فضل أخيها عليها لسوء الحالة المادية لأسرتها، فكانت كل أحلامها هي السنة الوحيدة تلك التي درستها حيث كانت كل ذكرياتها وآمالها التي تحملها معها.

في محاولة للحديث مع أسرة سعيدة لمعرفة الأسباب الحقيقية حول تفضيل أحمد للدراسة وحرمان سعيدة منه قالت والدة سعيدة "بتكبر سنتين وبزوجها " في حين اكتفى والدها بالسكوت والنظر إلى ابنته بنظرة منكسرة، وبحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن اثنتَين فقط من بين كل خمس إناث تُحسنان القراءة والكتابة، مقارنة بثلاث من بين كل أربعة ذكور.

وتظل الفتاة تحارب من أجل حقها في التعليم الأساسي إذ أن الكثير من الأسر يحرمونها من هذا الحق، بينما يعد التعليم قانونيًا حق من حقوق سعيدة وأقرانها من الأطفال.
تكمن أهمية تعليم الفتاة باعتبارها الركيزة الأولى في المنزل، فهي الأم والأخت والزوجة والمدرسة التي امتدحها الشاعر في الماضي البعيد، بقوله : الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبًا طيب الأعراق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى