وثيقة تكشف تورط إسرائيل بإخفاء أطفال يهود يمنيين مهاجرين

> وديع عواودة

> تتضمن تصورات عنصرية وإساءة استخدام المجال الطبي
بعد محاولات التستر والإنكار الرسمية من قبل السلطات الإسرائيلية، كشفت وثيقة أرشيفية أن وزارة الصحة في حكومة الاحتلال متورطة في فضيحة إخفاء أطفال من اليهود المهاجرين من اليمن قبل عقود لأسباب عنصرية.
هذا ما جاء في تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) يستند لوثيقة مسرّبة كانت وزارة الصحة الإسرائيلية قد منعت نشرها العام الماضي، تكشف تورّط النظام الصحي في قضية اختفاء أطفال عائلات هاجرت إلى إسرائيل من اليمن ودول الشرق الأوسط والبلقان بين الأعوام 1948-1954.
ويأتي هذا الكشف استمرارًا للنقاش الإسرائيلي المستمر منذ ذلك الحين حول هذه القضية التي ظلّت تتفاعل على مدار العقود الماضية، وبقيت عالقة بين العائلات اليمنية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة طيلة هذه الفترة.

لجان تحقيق وقضية مفتوحة على مدار عقود
تتمثّل هذه القضية في اختفاء آلاف الأطفال من عائلات هاجرت إلى إسرائيل من اليمن، وأيضًا من العراق وتونس والمغرب ودول البلقان وغيرها، في خمسينات القرن الماضي، وهي ما باتت تُعرف إعلاميًا بقضية “الأطفال اليمنيين والشرقيين والبلقانيين”. وادّعت السلطات الإسرائيلية آنذاك، أن الأطفال ماتوا في المستشفيات بسبب أمراض مُعدية، وقد تم إبلاغ عائلاتهم بذلك دون وجود أي دليل. وبعد عدّة سنوات؛ عادت القضية إلى النقاش حينما وصلت إلى العائلات المذكورة أوامر تجنيد في الجيش الإسرائيلي لأبنائها الذين ادّعت السلطات الإسرائيلية بأنهم “أموات”، وادّعت العائلات لاحقًا أن الأطفال قد تم اختطافهم بشكل منظّم من قِبَل الدولة والوكالة اليهودية، بهدف بيعهم لعائلات من أصول أوروبية تبحث عن أطفال للتبنّي، أو لناجين من المحرقة لا ينجبون، أو أن الغرض من اختطافهم كان استخدامهم في إجراء تجارب طبية.

ويوضح تقرير “مدار” أنه في ضوء ذلك وطيلة عقود، تم تشكيل ثلاث لجان تحقيق في هذه القضية؛ لجنة بهلول- مينكوفسكي (1967)؛ لجنة شيلغي (1988)؛ لجنة التحقيق كوهين- كدمي (1995) والتي نشرت توصياتها واستنتاجاتها عام 2001. وعملت اللجان هذه على فحص قرابة 1053 حالة اختفاء للأطفال اليهود بين الأعوام 1948-1954، وخلصت إلى أن معظمهم لقوا حتفهم، بينما لم تزل آثار 69 منهم مجهولة، فيما عثرت العائلات على خمسة منهم. أما استنتاجات لجنة كوهين- كدمي (لجنة تحقيق رسمية)؛ فجاء فيها أنه لم يتم العثور على أي أدلّة يُمكن من خلالها القول بوجود ممارسة لـ” الاختطاف المؤسساتي” من قِبَل السلطات الرسمية في هذه القضية.

أرشيف
وفي أواخر عام 2016، ونتيجةً لقرار حكومي في ذات الشأن، أتاح أرشيف الدولة مئات الآلاف من الوثائق المتعلّقة بعمل هذه اللجان، وفي نفس الوقت تم تمديد سرية المواد الأرشيفية الأخرى التي لم يتم طرحها داخل اللجان وتدور حول القضية. لاحقًا؛ وفي عام 2019 تحديدًا، وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على طلبات استئناف تقدّمت بها عائلات يهودية من أصول يمنية، وقرّرت النظر في الاستئنافات كقضية واحدة، إلى أن اعترفت الحكومة الإسرائيلية، في فبراير الماضي، ولأول مرة، بأن هناك ظلمًا طال عائلات المهاجرين اليهود اليمنيين والشرقيين والبلقانيين، واعترفت أيضًا بالأضرار التي لحقت بهم، وأقرّت تقديم تعويضات لهذه العائلات تبلغ 162 مليون شيكل، وقد جاء هذا القرار بعد جولات من المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية من جهة، وممثّلي العائلات من جهة ثانية.

تقرير مسرّب يكشف تورّط الطاقم الطبي ومن خلاله وزارة الصحة في القضية.

يُشير التقرير الذي كشفت عنه صحيفة "هآرتس" في مطلع الشهر الجاري، وأعدّه كل من البروفسور إيتمار غروتو، الذي شغل منصب نائب المدير العام السابق لوزارة الصحة، والدكتورة شلوميت أفني، المفوض السابق لمنع التمييز والعنصرية في الوزارة، والمتدرّب ضمن طاقمها يوفال شارال، إلى تورّط أفراد الطاقم الطبي في هذه القضية، وقدّم في خلاصته توصية لوزارة الصحة طالبها فيها بتقديم اعتذار نيابة عن المجتمع الصحي (الطبي) بسبب تورّط بعض الطواقم الطبية في القضية. كما قدّم التقرير توصية أخرى دعا فيها وزارات حكومية أخرى للتحقيق في القضية والكشف عن تورّط بعض طواقمها العاملة، وقد تم تقديمه إلى مدير عام وزارة الصحة في مارس المنصرم. وبحسب "هآرتس"، فإن وزارة الصحة رفضت نشر التقرير حتى الآن، كما يتجنّب وزير الصحة نيتسان هوروفيتس الإجابة عن التساؤلات والاستفسارات المتعلّقة بهذا الشأن.

واستندت مسودّة التقرير بشكل أساسي إلى مواد ووثائق من لجنة التحقيق الحكومية “كوهين- كدمي” بالإضافة إلى وثائق من أرشيف الدولة وشهادات من العائلات والطاقم الطبي، واعتبرت أن “مشاركة الطواقم الطبية، بشكل فعلي، في نقل الأطفال من حضانات الأطفال في مخيمات المهاجرين (معسكرات الاستيعاب)؛ وإبلاغ العائلات بوفاة أطفالها دون وجود شهادات وفاة أو جثث، ودون تقديم توضيح لظروف الوفاة أو مكان الدفن. كذلك اتخاذ الموظفين/ أفراد الطواقم الطبية قرارات طبية للرضع دون موافقة أو معرفة والديهم، بما في ذلك إجراء تشريح الجثة لأغراض البحث، في ظل مزاعم بإجراء بعض الدراسات على الرضع الأحياء”.

وينوه مركز “مدار” أن كل هذه الممارسات يراها التقرير على أنها تندرج ضمن بند “إساءة الممارسة الطبية”، وأنه حتى في ظلّ عدم وجود تشريع، أو مدونة أخلاقية محدّدة آنذاك فيما يتعلق بعمليات التشريح أو البحث، تظهر العديد من “الشكوك والأسئلة الأخلاقية والاجتماعية حول سلوك الطاقم الطبي وممارساته.

التمييز العنصري
وقد جاء هذا التقرير بعد أن أوصت اللجنة العامة لوزارة الصحة المسؤولة عن العنصرية والتمييز والإقصاء في الوزارة عام 2018، بالبحث عن شبهة ممارسة “العنصرية المنظّمة/ المؤسسية” في قضية “أطفال اليمن” وغيرها. كما أوصت بإشراك العائلات المتضرّرة كما حدث في بعض البلدان (كندا وأستراليا مثلاً)، وقد بدأت اللجنة برئاسة غروتو بالعمل والتنسيق مع مؤسسة عميرام (الجمعية التي تُمثّل عائلات الأطفال المخطوفين) بالبحث في هذه القضية.

عادات متخلفة
تُشير الأبحاث الأكاديمية المتضمّنة في التقرير إلى التصورات السائدة في أوساط الطواقم الصحية آنذاك، حيث ساد تصوّر مفاده أن المهاجرين كانوا"نقيضًا للشخص الصحي" وأن لديهم "عادات متخلّفة" و”غريبة" مُشبعة بالخرافات والجهل، خاصة فيما يتعلّق برعاية الأطفال والرضع، إلى جانب ذلك، هناك تركيز على انخفاض مستوى النظافة دون الإشارة إلى الظروف الصحية القاسية والسيئة في مخيمات الاستيعاب. كما أن الخطاب الطبي في غالبيته كان يؤكّد على إهمال الأمهات الشرقيات للطفل، وعلى مظاهر "غياب النظافة" و” عدم الاهتمام في تقديم الرعاية الكافية" واللامبالاة، إلى جانب الإهمال الذي نُسِبَ إلى الآباء، بدون الإشارة إلى أن الأسباب الموضوعية المتمثّلة في النقص الموضوعي للغذاء والظروف المعيشية السيئة هي السبب في سوء تغذية الأطفال، وإنما أن السبب يعود إلى العائلات نفسها.

ويقول مؤلفو التقرير إن هذه التصورات العنصرية “أثّرت على تصور المهنيين الصحيين لمصالح الطفل الفضلى وكانت بمثابة أساس لتبرير فصل الأطفال عن عائلاتهم”، لذلك يعتبر التقرير أن الاستنتاجات التي توصّلت إليها لجنة كوهين- كدمي غير مقنعة ويُمكن التحفّظ عليها بشكل صريح. كما يُسلّط الضوء على عملية إشراك العاملين في المجال الطبي في آليات التبنّي التي حدثت بعد عملية فصل الأطفال عن عائلاتهم.

رد الوزارة
وفي سياق رد وزارة الصحة الإسرائيلية على استفسارات تقدّمت بها صحيفة “هآرتس” حول عدم نشرها للتقرير، قالت إن هذا ليس تقريرًا، بل مسودة داخلية للوزارة تستعرض عددًا من الشهادات والأدلة المنشورة على مدار السنوات الماضية بشأن قضية الأطفال اليمنيين وتورط الكادر الطبي فيها، وأن المواد لا تحتوي على وثائق أرشيفية أو أدلّة تاريخية لم يتم نشرها حتى الآن، بل على مراجعة لمجموعة من المواد المنشورة، وقالت إن إنجاز العمل عليها تأخر بسبب الانشغال بأزمة كورونا، وكذلك بسبب تقاعد ومغادرة جميع الأطراف المشاركة في إعداد التقرير.

ويخلص "مدار" للقول إنه إجمالًا؛ يُثير نشر التقرير في هذه المرحلة، بحسب كاتبته الصحافية تمار كابلانسكي"تساؤلات تتعلّق بمسألة التعويضات" من الممكن أن تُسبّب إزعاجًا للدولة، ولهذا السبب ربّما ترفض وزارة الصحة نشره، ولذلك على ما يبدو أعادت وزارة العدل التقرير لوزارة الصحة، بعد أن روجّت الحكومة في مطلع العام الجاري لمخطط "الترتيب المالي" لعائلات الأطفال اليمنيين (التعويضات)، ولذلك قد يكون نشر مسودة تقرير وزارة الصحة عقبة أمام الدولة لتنفيذ مخطط رفض الادّعاءات في هذه القضية.

"القدس العربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى