إلى متى حرمان أبناء عدن من حصولهم على قطعة أرض؟

> تقرير/عبدالقادر باراس:

> تشير معطيات الواقع بأن أغلب الأراضي في عدن تم الاستحواذ عليها من قبل متنفذين عسكريين ومسؤولين في الدولة ما بعد حرب 1994م، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبع في الجنوب وخاصة في عدن بعد حرب 2015م، ولم يسلم حتى مالكي أراضي الجمعيات السكنية الذين حازوا عليها بموجب وثائق رسمية، فقد تم السيطرة عليها بأساليب وطرائق مختلفة، منها ادعاءات الباسطين عليها بأنهم يملكونها، وحرمان الكثير من مواطني هذه المدينة من الحصول على أرض لبناء مسكن لهم، الأمر الذي ولَّد استياءً وإحباطًا لدى أهالي المدينة، خصوصًا أن أغلبهم من فئة الشباب، ويعانون من أزمة سكن لم يتمكنوا من الحصول على قطعة أرض يحققوا من خلالها آمالهم في العيش الكريم، فقد كان لزامًا على الحكومات المتعاقبة في تقديم الخدمات الأساسية كحق لكل مواطن، ومنها حصوله على السكن أو قطعة أرض للبناء عليها.

في الكثير من البلدان قامت حكوماتهم على تنظيم حيازة الأراضي، وحددت كيفية الحصول عليها، ومعايير توزيعها واستخدامها وحماية ملكيتها، كل ذلك يقع على عاتق الدولة، يجب أن توفرها لتحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية، وأي حرمان أو إهمال أو تمييز يعد انتهاكًا للحقوق، لكن ظلت الحكومات المتعاقبة هنا منذ العقود الثلاثة الماضية وحتى يومنا هذا بعيدة عن تحقيق رغبات مواطنيها، ولم يجد الشباب في عدن أي ترجمة للوعود الحكومية بصرف أراض لهم لعدم وجود جدية ورغبة حقيقية في ذلك.

وما زال المتنفذون يبسطون إلى يومنا هذا على أراضي عدن دون أي وجه حق، وعمليات الاستيلاء تتم من قبل دخلاء من خارج عدن على أبناءها الحقيقيين، وكانت محصلتها تهميش متعمد في تأمين الاستحقاقات لأبناء المدينة خاصة من فئة الشباب الذين تلقوا وعودًا كاذبة، وقد تجلى ذلك بصدور قرار رئاسي في العام 2012م على أن توزع عشرة آلاف قطعة أرض للشباب في منطقة عمران غرب العاصمة عدن، بعدها تم تسجيل الطلبات من قبل الشباب في عدن على استمارات إلى فرع الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني م/عدن، وتعبئتها في استمارات خاصة ووفق شروط على أن يكون المتقدم بالطلب من أبناء محافظة عدن، وألا يكون قد سبق له صرف أرضية من أي جهة كانت، وأن يتم اختيار شخص واحد من كل أسرة. إلا أنه تبين من هذا القرار فيما بعد أن مسؤولي هذه البلاد يضحكون عليهم لأسباب سياسية لغرض احتواءهم أثناء ما سُمي بثورة التغيير.

وبقيت مطالبهم ونداءاتهم واستغاثتهم في حصولهم على أرض لم تلقَ أي صدى، مما خلفت بعدها كثيرًا من المعاناة والحرمان تجرعها أبناء عدن، ومنهم الشباب بسبب عبثية اللصوص النافذين وعبثية التخطيط والصرف للأراضي، الأمر الذي زاد من تلك المعاناة وأوجد شعورًا بالقهر والانقسام والتفرقة والكراهية في المجتمع، بسبب سياسات التمييز التي أثرت على السلم الاجتماعي وخلقت بيئة طاردة للاستثمار والتنمية.

> "الأيام" تحاول أن تثير في هذا التقرير، مسألة هامة تلامس حياة الشباب في عدن وحرمانهم من حقوقهم والتي اختلت خلال الثلاثة العقود الماضية، واستمرت إلى ما بعد حرب 2015م، وظلوا في حلقة مفرغة بين حصولهم على أرض لبناء مسكن أو حتى باستعادة جمعياتهم السكنية المنهوبة والمسلوبة، بسبب عدم وجود أي
نشوان العثماني
نشوان العثماني
إجراءات فعلية حازمة لتنصفهم من الحكومات المتعاقبة، وبقيت صامتة ومتواطئة مع مغتصبي وناهبي الأراضي، وكانت البداية مع الإعلامي والكاتب نشوان العثماني، الذي تحدث قائلًا: "مشكلة الأراضي، هي مشكلة غياب الدولة ومؤسساتها، استفاد كثيرون من هذا الغياب، وأخذوا مساحات كبيرة دون حسيب أو رقيب، ودون حس بالمسؤولية، وارتكبت إساءة لمدينة عدن وشبابها ولسكانها، وكان هذا الأخذ صفته تشويه للمدينة وتدمير لمستقبلها، وبالمقابل أيضًا وجد شباب عدن نفسه خارج هذا الحق الذي ذهب لمن سلبه بطريقة أو بأخرى".

وتابع العثماني: "شكَّل المحافظ مؤخرًا وحدة مختصة بهذا الجانب. وملف الأراضي كبير وشائك، وبحاجة إلى أن تكون هناك قرارات جادة تتضافر فيها كل الجهود من مؤسسات الدولة، ومن المكونات السياسية، ومن المواطنين، ومن الشرائح الاجتماعية لئلا تذهب المدينة ويذهب هذا الحق عن شبابها وتدمر أيضًا الشكل الجمالي للمدينة بسبب البناء العشوائي والبسط غير الخاضع للتخطيط الحضري. ونحن نحتاج إلى معلومات دقيقة فيما يخص كم عدد الشباب الذين يحتاجون لهذه الأراضي، وهل هم من سكان المدينة الذين يستحقون قطعة الأرض؟ حتى نتمكن من قيادة حملة مناصرة لأجلهم ولأجل تصحيح هذه الارتباكات، وأن تكون هذه الحملة عفوية ليست عقوبة بهذا المعنى، ولكن تأتي في سياق محاربة الفساد العام أو في سياق الفساد المتعمد لإرباك هذه المدينة بما تمثله من رمزية مهمة جدًا وسياسية وثقافية وعلى كافة الأصعدة".

>
نبيل الكولي
نبيل الكولي
يقول نبيل سالم الكولي، من أبناء مديرية كريتر، وهو موظف في مؤسسة المياه بعدن: "من يصدق أني ولدت وتربيت وترعرعت على تراب أرض عدن، وعلى الرغم من ذلك لا أملك قطعة أرض فيها، ولا حتى كشك أو شبر أرض، ويقترب عمري من الخمسين، ولدي أسرة وأولاد، ولا زلت أسكن في منزل العائلة، كذلك في محيطي العائلي إخواني كلهم متزوجون ولديهم أبناء ولا يملكون أي سكن ولا قطعة أرض؟ أليس هذا شيء مؤسف ومحزن؟ حتى المرفق الذي أعمل فيه وتحصلت على الوظيفة فيه بطلوع الروح طبعًا، عندما بدأت العمل فيه قالوا إن الجمعية السكنية قد انتهت ولم يعد هناك أراض لديها، وحتى التي صرفوها للعمال في مرفقي تقع في مواقع بعيدة جدًا ومن دون خدمات".

ويضيف الكولي متسائلًا: "أليس من حقي كمواطن عدني خالص أن أحصل على مسكن أو حتى قطعة أرض لعائلتي وأولادي كسكن فقط وليس للمتاجرة؟! إذن لمن تم توزيع الأراضي والمخططات الشاسعة في عدن؟ فمعظم المخططات بعد الوحدة تم العبث بها وساهم في ذلك مافيا الأراضي، ولم تكن هناك خطط مدروسة ولا مشاريع استراتيجية، مثلما كان يحصل كإقامة الوحدات السكنية، ولو أجرينا عملية إحصائية دقيقة لوجدنا بأن أغلب من يملكون الأراضي في عدن هم من خارج عدن، ومنهم من لم يأتوا إليها ولم يعيشوا فيها، ويبيعونها غيابيًا، هذا غير العبث وصرف الأراضي بأسماء وهمية؟".

> في حين تحدث الشاب حلمي فضل، من أبناء مديرية الشيخ عثمان قائلًا: "فقدنا حقوقنا على هذه المدينة كأبناء لها ونعيش فيها، كل من حكم عدن يقوم بالاستحواذ على كل شيء، وما تم إعلانه في 2012م من توزيع أراض للشباب والتي كانت كذبة وسراب لأحلامنا، وكانت مجرد بروبجندة رخيصة هدفها الضحك على الشباب، وبعد الحرب وحتى يومنا هذا لم يعط لنا أي أرض، في الوقت الذي نرى بأم أعيننا المتنفذين والعسكر للأسف محسوبين على المجلس الانتقالي هم من يبسطون على مخططات أراضي عدن وحتى المملوكة منها، دون أن يتحرك الانتقالي لمحاسبتهم، بالله كيف سنستعيد دولتنا في ظل هذه الفوضى؟ نحن نريد حقوقنا في ظل دولة النظام والقانون دون تمييز، ليس من المعقول أن تستمر الأوضاع هكذا دون حسيب أو رقيب، فهناك شهداء قدمت دمائها لأجل عدن والجنوب، وأن نعيش في وطن يسوده العدل والقانون، كنّا نتأمل خيرًا من الانتقالي على ضبط الأمور لإرساء القانون على الجميع دون تمييز، لكن هذا لم يحدث حتى الآن".

>
عهد الهاشمي
عهد الهاشمي
ويؤكد الشاب عهد بسام الهاشمي 40 عامًا، من أبناء مديرية المعلا، متزوج، ومستأجر لمنزل، قائلًا: "حصول أبناء عدن على قطعة أرض كأنه شيء محرم عليهم، ومعروف بأن منازل المواطنين في عدن صغيرة جدًا، وأصبح المسكن عائق للزواج عند كثير من الشباب، خاصة في عدن، حيث يضطر الشاب إذا أراد الزواج أن يستأجر شقة تؤويه بمبلغ يفوق طاقته، على الرغم من تعاقب حكومات وتغير نظام الحكم في البلد؛ إلا أننا لا زلنا نرى أراض تصرف في عدن لأناس من خارجها وتؤخذ بالفدادين، مثلما استبيحت الجنوب في 1994م عندما استباح مشايخ من صنعاء وعمران وحجة وغيرهم من المقربين أراضي عدن والجنوب وصرفت مساحات شاسعة لهم كمنتصرين في 7/7م، ثم أتت حكومة ما سُمي بثورة التغيير في 2012م والذي قدم آنذاك حكومة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، الوعود الكاذبة بمنح عشرة ألف قطعة أرض لشباب عدن".

يواصل الهاشمي: "أتت حرب 2015 وإفرازاتها وبدأت موجه ثانية من صراع الاستحواذ على الأراضي في عدن، في ظل عجز العدني الحصول على قطعة أرض، بل الأدهى من ذلك بأن هناك موظفون في عدن يملكون أرض رسمية مصروفة من مرافقهم عن طريق جمعياتهم السكنية، لكن تم البسط عليها ويقفون عاجزين عن استعادتها، أملنا بعد الله ثم محافظ عدن أحمد حامد لملس، بأن يتخذ قرارًا جريئًا بمنح أبناء عدن ولو على دفعات قطعة أرض، كونه قريبًا من أبناء عدن، خاصة من فئة الشباب وأكثر حرص على عدن وأهلها وإن شاء الله يتخذ القرار الذي سيكون أفضل قرار يعيد الحق لأهالي عدن".

> وأما الشاب غسان عادل محمد حسين، 39 عامًا، الذي يعمل متعاقدًا في مستشفى 22 مايو بعدن، متزوج ولديه أولاد، يسكن في غرفة حوش منزل والده بالوحدة السكنية بمديرية المنصورة، يقول: "أنا لا أمتلك قطعة أرض، لكن والدي المتقاعد باع أرضيته التي تتبع جمعيته السكنية ولا يعرف حتى موقعها على الطبيعة، فاضطراره كان لحاجته لأجراء عملية في عينيه وأكمل باقي المبلغ في شراء بطارية وجهاز خازن شحن كهربائي للمنزل".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى