قطر .. السحر الآتي من الشرق

> ياسر محمد الأعسم

> قطر شبه الجزيرة التي تغتسل باطمئنان في مياه الخليج العربي لم يمنعها صغر مساحتها كدولة على الخارطة وحداثة تاريخها وعدد سكانها الذين لا يتجاوزون المليون على أن تكون كبيرة في عيون العالم، وتثبت أن عمر الأمم لا يقاس بعدد السنين وإنما بعظمة منجزاتها.

* إنجازات الرياضة القطرية تجبر الجميع على أن يقفوا تعبيرا عن دهشتهم وينحنون احتراما لقيادتها التي ادركت منذ وقت مبكر ، أن جناح المال وحده لن يشفع لدولتهم لتحلق بعيدا ، فلم يترددوا في استثمار العقول المبدعة والمحترفة واستقطابها من كل مكان في العالم لتشاركهم صناعة طفرتهم الرياضية، و لاجدل في أنهم استطاعوا التحليق بجناحي المال والعقل إلى القمة بزمن قياسي يحسدهم عليه الجميع، وإن كان طريق آلاف الأميال يبدأ بخطوة فإن حسابات القطريين كانت مختلفة إذ قفزوا على القوانين الكونية وسرقوا الزمن، وجعلوا المستحيل حقيقة، ولم ينتظروا العالم حتى يكتشفهم بل أتوا بالعالم إلى الشرق.

* مازلنا نتذكر فقبل أكثر من عشر سنوات تقدمت قطر بملف ترشيحها لاستضافة كأس العالم 2022 ، وكان مجرد التفكير بهذه الخطوة ضرباً من الأماني والخيال وبارك العرب ترشيحها في ظل مواقف متذبذبة وابتسامات ارتسمت على طرف شفاه كثيرة كانوا يظنون أنها (شطحة) قطرية ستتبخر سريعا في زحمة الصراع ومنافسة الكبار المشتعلة على استضافة الحدث الكروي الكبير.

* القطريون برجالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم وأطفالهم مضوا بكل ثقة وعزم خلف أميرهم وقيادتهم، مؤمنين بحلمهم ، وكانوا يرددون في بيوتهم ومجالسهم ومدارسهم ومؤسساتهم وشوارعهم نشيدهم الوطني بفخر : "قسماً بمن رفع السماء .. قسماً بمن نشر الضياء .. قطر تسمو بروح الأوفياء.

* وفي لحظة كان ينتظرها العالم أخرج السيد (بلاتر) رئيس الفيفا في ذلك الوقت (بطاقة) من ظرف كان مكتوباً عليها إسم قطر المرشحة لتنظيم كأس العالم للعام 2022م فانطلقت الأفراح في شوارع الدوحة وتوشحت أجسام القطريين ومدنهم وسياراتهم بعلم الدولة العنابي والأبيض، واحتفلت بإنجازهم كل العواصم العربية ، وحينها كانت مدينة عدن تحتضن خليجي (20) ومازلنا نتذكر كيف استقبلت مدرجات ملاعبها وشوارعها خبر فوز قطر ، فقد اختلطت مشاعر الناس بين السعادة والفخر.

* جاءت قطر أولاً ، ولا عزاء للمشككين ، وما يثير الاعجاب أن القطريين لم يقفوا كثيرا عند الفرحة فقد طووا ملف هذا الانجاز ، وفتحوا صفحة الاستضافة ، ولم يتركوا شيئاً للصدفة ، وباشروا مهامهم بالقلم والمسطرة، دون أن يلتفتوا للذين طعنوا في نزاهة إنجازهم وشرف استضافتهم ، وكان لسان حالهم يقول : "إذا طعنوا ظهرك ، فاعلم أنك في المقدمة".

* بالرغم من أن قطر تعد دولة متطورة ومنشآتها الرياضية وملاعبها حديثة عمراً وشكلاً ، إلا أن رجالها الأفذاذ ، شعروا بأن ذلك ليس كافياً لإشباع رغباتهم في إبهار العالم فقرروا تجهيز بنيتهم التحتية وشوارعهم ومطاراتهم ومنشآتهم الرياضية ومنتخبهم الوطني من جديد وأحضروا شركات وعقول وأيادي العالم وصممت ملاعبهم بابتكارات هندسية مذهلة، فصنعوا تحفاً فنية فريدة مستوحاة من جذور تراثهم وطرازهم المعماري الأصيل، حتى أنك تحسبها سحراً من ألف ليلة وليلة.

* بطولة كأس العرب الأخيرة، والتي توج بلقبها المنتخب الجزائري على حساب شقيقه التونسي كانت بروفة مصغرة للحدث المونديالي الكبير ، وقد شهد الجميع على نجاح القطريين مع مرتبة الشرف كالعادة تنظيميا وجماهيريا وإعلاميا وماديا وبكل التفاصيل الصغيرة، وكان حفل افتتاحها مسرح بهجة وختامها مسك حتى أننا شعرنا بأن البطولة ولدت في قطر من جديد، بعد أن كادت تحتضر وأثبتوا جاهزيتهم وقدرتهم ليس فقط على استقبال العالم ولكن إبهاره أيضاً.

* تبقى عام تقريبا، وسيتحدث العالم في قطر لغة كرة القدم فالعرس المونديالي الأضخم على مستوى المعمورة والذي تشهده المنطقة لأول مرة ، ستعرف الإنسانية من خلاله وجه العرب الأصيل ونفوسهم الكريمة ودينهم الحنيف الحقيقي الذي ينشد المحبة والعدالة ، وسترسل قطر رسالة لكل الشعوب ، تفيد بأن العرب ليسوا بلدان نفط وعنف ، وإنما هم أهل رحمة ومودة يعشقون الحياة ويصنعون السلام، وأنهم قادرون على التفوق والنجاح حين تُسنح لهم الفرصة.

* واثق الخطوة يمشي ملكاً .. سنكتب في بداية السطر ، قطر أولاً ، فشهادتنا كعرب بتفوقها الرياضي مجروحة ، ورهاننا على نجاحها كبير وكبير جدا ، وواثقون أن مونديال قطر سيكون أسطورياً ، وأشبه بالسحر الآتي من الشرق.

* قسماً بمن رفع السماء .. قسماً بمن نشر الضياء .. قطر تسمو بروح الأوفياء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى