حرب معيشية شعواء في اليمن إلى إين وصلت؟

> محمد راجح

>
  • الوقود يحاصر صنعاء والدولار يطوق عدن
تعود أزمة الوقود لتحاصر صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وسط اتهامات للتحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية بحجز سفن النفط، لتشتعل جذوة "الحرب المعيشية" مجددًا وفق محللين، على خلفية الصراع الدائر في اليمن منذ نحو سبع سنوات، بينما لا تبدو عدن أحسن حالًا، إذ تتخبط في فوضى الدولار التي أنهكت معيشة المواطنين، وسط اتهامات حكومية للمضاربين والحوثيين بالوقوف وراء انهيار الريال أثر في تداعي الاقتصاد، فيما تسقط ملايين الأسر ضحايا الجوع والفقر الناجم عن استمرار الصراع.

وتضرب أزمة الوقود صنعاء وعدة مناطق شمال البلاد، ما دفع الكثير من محطات تعبئة البنزين إلى إغلاق أبوابها، وسط حالة تذمر من المواطنين الذين أنهكتهم الأزمات المعيشية المتلاحقة.

وعادت الطوابير الطويلة من السيارات والمركبات للاصطفاف أمام محطات التعبئة التي استمرت في العمل، فيما سجلت أسعار الوقود أرقامًا قياسية مع وصول سعر صفيحة البنزين (20 لترًا) في السوق السوداء إلى 30 ألف ريال (49.9 دولارًا وفق سعر صرف العملة الأميركية المقدر بنحو 601 ريال في صنعاء)، بينما تعتمد سلطات الحوثيين منذ منتصف العام الماضي 2021 تسعيرة رسمية تبلغ نحو 11 ألف ريال للصفيحة.

الأزمة تطاول النقل والتجارة والزراعة
وألقت الأزمة الراهنة بظلالها سريعًا على قطاعات النقل والمواصلات والأسواق التجارية والزراعية مع بدء تصاعد تدريجي لأسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.
ويقول عارف القدمي سائق حافلة لنقل الركاب، تعمل في خطوط النقل داخل صنعاء لـ"العربي الجديد"، إن سعر صفيحة البترول المباعة حاليًا في السوق السوداء هو الأعلى منذ بداية الحرب قبل نحو سبع سنوات، والتي رافقها أزمات مركبة ومتعددة تركز جزء كبير منها في الوقود.

ويعبر سائق آخر، تحدث لـ"العربي الجديد"، عن تذمره من تصرف سلطات الحوثيين، التي تفرض إجراءات صارمة تمنع السائقين في خطوط المواصلات داخل المدن من رفع تعرفة نقل الركاب التي تصل إلى 100 ريال، في حين يفرض سائقو المركبات الأخرى مثل سيارات التاكسي وباصات النقل بين المدن والمحافظات زيادات على الأسعار.

وتجددت أزمة الوقود في صنعاء ومناطق شمال اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد فترة استقرار مبنية على تفاهمات برعاية دولية أدت إلى تخفيف القيود المفروضة على استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة على الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر.

ويشير خبراء اقتصاد إلى أن تجدد نقص الوقود يأتي في أعقاب الأزمة التي اندلعت قبل أيام، حول ميناء الحديدة بعد استيلاء الحوثيين على سفينة ترفع علم الإمارات، قائلين إنها سفينة عسكرية عدائية تم الاستيلاء عليها بعد دخولها المياه اليمنية في الحديدة، فيما قال التحالف العربي إن السفينة المستولى عليها سفينة شحن، مشيرًا إلى أن استخدام الحوثيين مواقع مدنية لأغراض عسكرية قد يحول ميناءي الحديدة والصليف إلى أهداف عسكرية مشروعة.

من جانبها، أعلنت الأمم المتحدة أنها تحقق في اتهامات التحالف، مؤكدة ضرورة احترام الحقوق المتعلقة بالملاحة البحرية وفقًا للقانون الدولي، وحثت جميع الأطراف في المنطقة على ممارسة ضبط النفس.

قيود على استيراد الوقود
ويقول مصدر مسؤول في شركة النفط العامة الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء لـ"العربي الجديد"، إن التحالف شدد القيود المفروضة على الاستيراد عبر ميناء الحديدة خصوصًا للمشتقات النفطية، "وهو ما يعتبره عقابًا جماعيًا لليمنيين".
ويشير المصدر إلى استمرار احتجاز 6 سفن محملة بالوقود في عرض البحر، ومنع دخولها إلى ميناء الحديدة، تقدر حمولتها بأكثر من 135 ألف طن من مادتي البنزين والمازوت ولفترات متفاوتة، وهو ما يضاعف الخسائر ويفاقم الأزمات المعيشية لليمنيين.

وحسب شركة النفط في صنعاء، فإن مدة احتجاز السفن تصل حاليًا إلى أكثر من أربعة أشهر، على الرغم من استكمال تلك السفن لكافة إجراءات الفحص والتدقيق عبر آلية بعثة التحقق والتفتيش في جيبوتي وحصولها على التصاريح الأممية.
وتغيرت خطوط الشحن البحري منذ نحو خمس سنوات والتي تم تحويلها بقرار من الحكومة الشرعية من ميناء الحديدة غربي اليمن، إلى ميناء عدن جنوب البلاد، على إثر معارك كانت دائرة في الساحل الغربي لليمن أوقفها اتفاق استوكهولم في ديسمبر من العام 2018، والذي تضمن ملحقًا اقتصاديًا لحل أزمة تغيير خطوط الملاحة البحرية واستيراد الوقود وربط إيراداته ببند مالي خاص لصرف رواتب الموظفين المدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين.

ويقول محمد السياغي، وهو ناشط اجتماعي وعامل في مجال الإغاثة لـ"العربي الجديد"، إن أزمة الوقود الحالية تترافق مع أزمة حادة في المساعدات الإغاثية والإنسانية والتي تشهد منذ بداية العام 2022 انخفاضًا كبيرًا سيلقي بتبعات وخيمة على نسبة كبيرة من السكان في اليمن، الذين يعتمدون عليها بشكل كلي، وهو ما يجعلهم عرضة لمثل هذه الأزمات الاقتصادية التي ستسرع في ظل هذه الوضعية من توسع رقعة الجوع وانهيار الأمن الغذائي.

وكان برنامج الأغذية العالمي قد حذر من بدء نفاد الأموال لمواصلة تقديم المساعدة الغذائية إلى نحو 13 مليون شخص في اليمن، اعتبارًا من يناير 2022، إذ سيحصل ثمانية ملايين شخص على حصص غذائية مخفضة، بينما سيحصل خمسة ملايين معرضين لخطر الانزلاق في ظروف المجاعة على حصص كاملة.

أسعار المواد الغذائية ارتفعت إلى أكثر من الضعف
ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت إلى أكثر من الضعف في معظم أنحاء اليمن في عام 2021، في حين تأتي التخفيضات في أسوأ وقت ممكن للأسر في اليمن التي تعتمد على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، إضافة إلى ارتفاع الاستهلاك الغذائي غير الكافي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو أحد مقاييس الجوع التي يتتبعها برنامج الأغذية العالمي، وتأثيره الكبير على نصف جميع الأسر، حيث يؤدي انخفاض قيمة العملة والتضخم المفرط إلى اقتراب الاقتصاد من الانهيار.

ولا يبدو المواطنون في عدن والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية أكثر حظًا، إذ يعانون أيضًا من حصار معيشي ولكن بسبب فوضى شطط الدولار والعملات الأجنبية مقابل الريال اليمني الذي انهار نحو قاع سحيق خلال الأشهر الماضية بينما تعثرت الكثير من المحاولات الحكومية في وقف انهيار الريال، وسط اتهامات للمضاربين والحوثيين بالتسبب في انهيار الاقتصاد ومن ثم العملة الوطنية.

وتتحدث الحكومة من آن إلى آخر عن خطط وإجراءات إصلاحية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بينما يتأزم الوضع المعيشي مع تهاوي سعر العملة، التي أفرزت تفاوتًا حادًا في سعر الصرف بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وغيرها من مناطق نفوذ الحوثيين.
ويستقر سعر الدولار في صنعاء عند نحو 601 ريال، بينما كان قد تجاوز 1700 ريال نهاية العام الماضي في عدن، قبل التحسن لبضعة أسابيع وصل خلالها إلى حوالي 800 ريال، لكن سرعان ما عاد للصعود، ليبلغ حاليًا نحو 1050 ريالًا. وكان متوسط سعر الدولار قبل الحرب يقدر بنحو 215 ريالًا.

تهاوي الريال وموارد الدولة
وسبّب الصراع تهاوي موارد الدولة، بينما أضحت الحكومة المعترف بها دوليًا ترتكن إلى الدعم الخارجي. ويترقب البنك المركزي في عدن وصول وديعة سعودية جديدة، من شأنها أن تُحدث استقرارًا فعليًا للريال، لكن مع انقضاء الشهر الأول على تعيين مجلس إدارة البنك، لا توجد أي مؤشرات تلوح في الأفق على وصول وديعة.
ووفق مجلس إدارة البنك المركزي الجديد، فإنه سيكون "أمام مواجهة شرسة ومتعددة الأوجه والمحاور" من أجل إعادة الاستقرار إلى سوق الصرف. وكان 2021 بمثابة عام سقوط العملة اليمنية نحو الهاوية، الأمر الذي انعكس بشكل حاد على معيشة ملايين المواطنين.

ويقول مسؤول مصرفي لـ"العربي الجديد"، إن هناك واقعًا جديدًا تشكل في سوق النقد في اليمن تسوده تشوهات واختلالات عميقة تتطلب جهدًا شاقًا لاختراقه، مشيرًا إلى أن الحلول لا تتوقف عند حدود تغيير مجلس إدارة البنك المركزي أخيرًا، مؤكدًا أن البنك "لا يملك حلولًا سحرية ينفذها بين عشية وضحاها للحد من قبضة الصرافين والمضاربين على سوق الصرف".

"العربي الجديد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى