كورونا والنسيان: مستشفى زنجبار نموذجا

> د. عبدالله سالم بن غوث*

> بدأت الموجة الرابعة لجائحة كوفيد- 19 تظهر أولى مؤشراتها بملامح جديدة، أبرزها الانتشار الواسع للحالات الخفيفة، وقلًة الوفيات الناتجة عنها. عالميا تجاوزت إجمالي الحالات المؤكدة 304 ملايين إصابة، بينما ظلت الوفيات دون زيادة خلال الأسبوع الماضي (المنتهي بتاريخ 9 يناير 2022م). وفي إقليم شرق المتوسط زاد عدد الحالات بنسبة 86 % بينما انخفضت الوفيات بنسبة 11 % (منظمة الصحة العالمية، تحديث 11 يناير 2022م).

وفي اليمن سجلت وزارة الصحة العامة والسكان إجماليا تراكميا 10,568 حالة مؤكدة و2041 وفاة حتى تاريخ 14 يناير 2022م، إذ لا زالت الزيادة مضاعفة خلال هذا الأسبوع الجاري الذي بدا بتاريخ 9 يناير 2022م (115 حالة مؤكدة) مقارنة بالأسبوع الماضي المنتهي بتاريخ 8 يناير 2022م، إذ سجلت 52 حالة مؤكدة بزيادة قدرها 121 % بينما بقيت الوفيات منخفضة جدا (سجلت حالتا وفاة في الأسبوعين الماضي والجاري).

الانتشار الواسع للإصابات في هذه الموجة الرابعة كشف عن حجم المعلومات الضائعة في اليمن عن وبائية الكوفيد- 19 سواء على مستوى المحافظات التي تبلغ إلى وزارة الصحة أو المحافظات المتحفظة عن حدوث الجائحة. فبناء على البيانات الصادرة من اللجنة العليا للطوارئ، سجلت يوم الاثنين بتاريخ 3 يناير 2022م ثمان حالات مؤكدة ولم تسجل وفيات، بإجمالي تراكمي 10,138 إصابة، و1984 وفاة، بينما سجل في اليوم التالي الثلاثاء الموافق 4 يناير 2022م خمس حالات مؤكدة ولا وفيات، بإجمالي تراكمي 10,418 إصابة مؤكدة و2037 وفيات!

الأرقام أعلاه كشفت عن 280 حالة مؤكدة و53 وفاة، لم ترصد من قبل، وتم تداركها بإضافتها نهاية عام 2021م، من غير معرفة في أي يوم أو أسبوع تتوزع هذه الزيادة، مما يصعب رسم اتجاه المنحنى الوبائي.

وفي محافظات أخرى تفيد تقارير التقصي الوبائي أن عددا آخر من الحالات غير مرصودة، مما يزيد عدم اليقين الوبائي للبيانات الرسمية.

فن التعامل مع البيانات الوبائية في خضم جائحة عالمية مهم جدا، والأهم من ذلك الروح الابتكارية لدى الطبيب أو العامل الصحي أو منسق الترصد أو مدير توثيق المؤشرات الوبائية في كل مرفق صحي، لما للتوثيق والتحليل من أهمية بالغة في إظهار حجم الجهود التي تبذل في الوقاية والعلاج والحفاظ على البنية التحتية واكتساب الخبرات.

الوصف أعلاه ينطبق على مستشفى زنجبار ومركز علاج كوفيد 19 بمحافظة أبين، اللذين عانى فيهما النظام الصحي من ويلات الحرب وجائحة كورونا، وبقيت إنجازاته في دفاتر النسيان الرسمي.

حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2021م، سجلت البيانات الرسمية لوزارة الصحة 49 حالة مؤكدة من كوفيد 19 و13 وفاة من عموم محافظة أبين منذ بدء الجائحة في شهر أبريل 2020م إلى 4 ديسمبر 2021م. هذه الأرقام المتواضعة جدا تعكس مدى النسيان الذي لحق بالمحافظة، حتى يظن القارئ لهذه البيانات أن كوفيد 19 ليس مشكلة كبيرة، أو أن النظام الصحي لا يعمل بكفاءة. والواقع غير ذلك، فلدى محافظة أبين مؤسسات صحية تعمل، وكوادر طبية وصحية وقيادات تعمل بكفاءة.

البيانات التي حصلنا عليها من واقع مركز علاج كوفيد 19 بمستشفى زنجبار فقط (افتتح المركز في شهر مارس 2020م بينما تأسس المستشفى عام 2002م كمركز صحي ثم إلى مستشفى ريفي بعد عام 2012م) تفيد بأنه في عام 2020م تم دخول 360 مريضا بكوفيد- 19 إلى الرقود بالمركز (203 ذكور، 157 أنثى)، منها 36 حالة احتاجت للعلاج بأجهزة التنفس الاصطناعي، بينما بلغت الوفيات 40 من بين الحالات المرقدة والمؤكدة إصابتها بكوفيد- 19. وفي عام 2021م، كان عدد حالات كوفيد- 19 التي ترقد بمركز العزل 421 مريضا (276 ذكرا و145 أنثى) منها 47 مريضا يعالجون بأجهزة التنفس الصناعي بينما توفي 49 مريضا من إجمالي حالات الرقود.

المؤشرات المستخلصة من البيانات أعلاه تبين كم حجم حالات كوفيد 19 التي سقطت من الرصد الوبائي لوزارة الصحة، وهذا مثال من مركز واحد فقط، ومؤشرات الوفيات (11 %) مقبولة في وضع محافظة أبين التي عانت من ويلات الحرب وتأثيرها على النظام الصحي، كما تشير البيانات إلى توفر البنية التحتية والتجهيزات لعلاج الحالات الحرجة (34 سريرا بمركز العزل، منها عشرة أسرة عناية مركزة وتسعة أجهزة تنفس صناعي) وهو ما لم يتم إلا بتوفر كادر طبي وتمريضي ذو خبرة (41 كادرا طبيا وصحيا بمركز العزل). الخبرات المحلية في مستشفى زنجبار من اختصاصيين وأطباء كان لهم دور في استمرارية العمل بمركز علاج كوفيد. الكادر النسائي له حضور متميّز في مركز العزل من اختصاصيات وطبيبات وتمريض (13 كادرا نسائيا بنسبة 32 % من إجمالي العاملين بالمركز).

كثيرة هي قصص النجاح لدى وزارة الصحة العامة والسكان في أماكن تقديم الخدمة الصحية إذا أُحسن استخدام بياناتها وتحليلها وتقديمها بصورة علمية تعكس جهود الإدارات الصحية والعاملين الصحيين، وتعكس الوضع الوبائي بشكل صحيح، ولكم في مستشفى زنجبار نموذجا.

* أستاذ طب المجتمع/ جامعة حضرموت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى