المهمشون.. بين ناري الحرب وانعدام المساعدات

> عبدالواحد السماعي

> لم تعانِ فئة مجتمعية من تبعات الحروب والصراعات المتعاقبة في اليمن مثلما عانى المهمّشون، وهم أدنى طبقة بالمعايير الاجتماعية، وقد سبب النزاع، الذي دخل الآن عامه السابع، معاناة شديدة لسكان اليمن عمومًا والمهمشين خصوصًا، وذلك بسبب القتال المستمر والقيام بعمليات عسكرية تعرض المدنيين للخطر، ويعاني اليمنيون وخصوصًا المهمشين من الحصول على الغذاء والماء والإمدادات الطبية بسبب فرض قيود تعسفية على وصول المساعدة الإنسانية.

أدى احتدام النزاع المستمر منذ مارس ٢٠١٥ إلى زيادة الفقر والتشرد وانعدام الأمن الغذائي ضمن مجتمعات المهمشين (1)، وعلى الرغم من أن الوكالات الإنسانية غالبًا ما تعرض صور المهمشين في حملات جمع التبرعات والدعاية التي توثق الأزمة اليمنية، تظلّ المساعدات الإنسانية التي تصل لمجتمع المهمشين أقل بكثير من المجموعات الأخرى. وفي بعض المناطق، أُقصي المهمشون من قوائم المساعدات.

دراسات سابقة
كشفت دراسة مسحية لمجتمع المهمشين في اليمن أعدتها اليونيسيف، شملت 9،200 أسرة (51،406 أشخاص) عن ارتفاع مستويات الفقر مع انخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس (2)، وكشفت عن أن الظروف المعيشية للأسرة سيئة للغاية، وأنها تعاني من ضعف في الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية. وبيّنت الدراسة أن واحدًا فقط من كل خمسة أشخاص ممن بلغت أعمارهم 15 عامًا فأكثر، يستطيعون القراءة أو الكتابة، ولا يُسجّل في المدرسة سوى طفلين من كل أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و17 عامًا، كما أن تسجيل المواليد منخفض، إذ يبلغ 9 % فقط وبالنسبة إلى السكن، تسكن ثلاثة أرباع الأسر التي شملها المسح في غرفة واحدة فقط، كما أن نصف الأسر يعتمد على مصادر المياه الخارجية مثل السدود والجداول أو الآبار، وأقل من العُشر فقط يحصل على المياه من مشاريع المياه الرئيسة، وبيّنت أن اثنين فقط من بين خمسة منازل تحتوي على مرحاض، وعلى الرغم من أن ثلث مواطني البلاد يحصلون على مساعدات من الشؤون الاجتماعية، ينخفض هذا المستوى إلى خمس أسر من المهمشين فقط، فإذا كانوا يتجرعون الفقر بسبب التهميش، فإنهم يعانون من التهميش أيضًا حتى في المساعدة التي تُقدم للفقراء؛ إذ يُقدّم الفقراءُ والمحتاجون من بقية المجتمع على فقراء هذه الفئة.

عوائق تحول دون وصول المساعدات
من ضمن العوائق التي تقف في وجهة فئة المهمشين لحصولهم على المساعدات، افتقارُهم إلى وثائق الهوية، وهذا يعني أنهم غالبًا ما يكونون غير مؤهّلين للحصول على المواد الغذائية وأشكال أخرى من المساعدات الإنسانية، ولا يتلقون سوى جزء بسيط من المساعدات التي يحتاجونها بالاستناد إلى وثائق بعض أولاد هذه الفئة في المدرسة، وقد أدّى نقص البيانات والإحصاءات حول جماعات بعينها، لا سيما الفئات المهمشة، إلى ثغرات كُبرى في تطوير وتنفيذ التدابير اللازمة لتلبية احتياجات كل أفراد هذه الفئة.

وبسبب الصراع المستمر منذ سبع سنوات، نزحت فئات المهمشين من خطوط المواجهة إلى مناطق أخرى، وهذا صعّب المهمة على بعض المنظمات في معرفة أعدادهم وأماكن وجودهم؛ إذ إن كثيرًا من أسر المهمشين انتقلت بين أكثر من موقع خلال عام واحد، وقد جعلت موجات النزوح الكبيرة أيضًا كثيرًا من المنظمات تهتم لاستجابة للنازحين والمهجّرين، وهذا أثر سلبًا على فئات المهمشين وقلّص نسبة المساعدات التي يستحقونها، وأدّى في حالات إلى تجاهل منظمات لهم.

منظمات كثيرة ومساعدات لا تذكر
منظمات إنسانية وإغاثية عدة تعمل في اليمن منذ اندلاع الحرب حتى اليوم، وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة التي ظلت أنشطتها مثار تساؤلات ونقد وتقييم من قبل نشطاء وحقوقيين يمنيين، وقد هددت أخيرًا أكثر من 40 منظمة دولية بتعليق عملها في اليمن نتيجة نقص التمويل، وبعضها مجرد أسماء لا وجود لها فعليًا على الأرض، أسوة بكثير من المنظمات اليمنية التي يتجاوز عددها 400 منظمة جميعها مسجلة على لوائح وزارة العمل، وليس لنصفها، على الأقل، مكاتب أو مقارّ معروفة.

يرى محمد قاسم نعمان رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان أن جزءًا كبيرًا من المبالغ التي أعلنت الدول المانحة تقديمها لليمن ستذهب للمنظمات الدولية تحت مسميات مختلفة (رواتب، إيجارات مكاتب، سفريات…إلخ)، و15 % منها ستكون عبارة عن مساعدات غذائية و15 % مكافأة للمسؤولين، وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها قدمت مساعدات عبارة عن دفعات نقدية لحوالي مليون يمني، وذلك لشراء المواد الغذائية وتغطية التكاليف الملحّة الأخرى، مثل الأدوية والإيجارات وترميم المنازل، كما توفر المفوضية المواد الأساسية بما في ذلك الفرش وأطقم المطبخ ومواد البناء.

وتعمل المفوضية بالتنسيق مع الشركاء على رصد احتياجات العائلات النازحة، بما في ذلك المهمشون، ومن شأن ذلك أن يساعد في تحديد الفئات الأكثر ضعفًا وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم، بما في ذلك الحصول على الدعم القانوني للمساعدة في الحصول على وثائق الهوية.

تقول المفوضية إنه على الرغم من هذه المساعدة، لا يزال يعاني ملايين الأشخاص في اليمن وخصوصًا المهمشين. ويؤدي الصراع المستمر إلى تدهور حاد في الظروف المعيشية في جميع أنحاء البلاد. وتشهد المفوضية ارتفاعًا حادًا في احتياجات السكان، التي تفاقمت بسبب خطوط المواجهة الجديدة، والاقتصاد المنهار، وتراجع مستوى الخدمات الاجتماعية، وفقدان سبل العيش.

قال المنسق الإعلامي في منظمة “أوتشا” الدولية، حمزة النجري، لـ”الشرق”: “إن المنظمات العاملة في اليمن تقوم بواجبها، ولكن حجم الكارثة أكبر من الجهود الإغاثية، فهناك 4 ملايين مهجّر منذ أكثر من 5 سنوات، وغالبيتهم من دون مصدر دخل في ظل انتشار واسع للأمراض والأوبئة”، لافتًا إلى أنه من الطبيعي وسط هذا الخراب ألا تتمكن الجهود الإغاثية من انتشال هؤلاء من وضعهم المأساوي.

ويوضح النجري قائلا: “المنظمات الدولية ليست إلا هيئات مهمتها تقديم العون، ولكن البعض يريدها أن تقوم مقام الدولة؛ بحيث تدفع الرواتب وتقدم مواد غذائية بصفة مستمرة للمحتاجين، وهذا غير متاح بالطبع، بالإضافة إلى المصاعب الميدانية التي تحتاج إلى تسهيلات من جميع الأطراف في اليمن، وغالبًا لا يكون الأمر متاحًا وسهلًا”.

تقول نبيهة (40 عامًا، أم لستة أطفال) إن بعض الأسر تحصل على مساعدات من أكثر من جهة، وبعض الأسر لا تحصل على مساعدة إطلاقًا، وتعلّل ذلك بأنها لا تدري أين تسجل ولا تعرف أين تذهب، وعندما سُجلت الأسر داخل تجمّعات المهمشين كانت حاضرة وأخبرها الأشخاص الذين يقومون بتسجيل الحالات أن الوقت أصبح متأخرًا، وأنهم سيذهبون لتناول طعام الغداء ثم يعودون بعد الظهر لتسجيل الحالات المتبقية، لكنهم لم يعودوا إطلاقًا. تضيف نبيهة: “جارتي تستلم مساعدات هي وأولادها كل شهر من منظمتين وأنا ما فيش معي شيء؛ لأني مسكينة، ومش عارفة أين أروح”.

عشوائية في العمل
في أحد تجمّعات المهمشين بالعاصمة صنعاء (كما في الصورة) يبدو شعار مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع UNOPS على أحد براميل القمامة. يمتلئ هذا البرميل في أول ساعتين من اليوم، وبعد ذلك تُرمى القمامة بجوار البرميل حسب تصريح أحد سكان التجمّع، ويضيف: “نحن نحتاج إلى 6 براميل في هذا المكان، والمنظمة وفرت واحدًا فقط”.

ما يزيد الطين بلة وجود خزان لمياه الشرب لا يبعد سوى مترين عن برميل القمامة؛ بل إن أكياس القمامة والمخلفات أصبحت تحيط بخزان المياه من كل جانب. تقول سناء وهي من سكان تجمّع المهمشين (31 عامًا): “حتى لو وجد الماء، شوف فين يحطوا الخزان لنا بين القمامة! قد اشتكينا أكثر من مرة، بس ما فيش فايدة، ولا أحد يسمعنا”.

حكايات معاناة من داخل تجمعات المهمشين
في الجانب الآخر من الحي التقينا الطفل زكي (12 عامًا)، يحمل دبتين من الماء سعة كل واحدة 20 لترًا، وتبدو على وجهه نظرات البؤس والحرمان والاحتياج. يقول زكي: “من الساعة السادسة الصباح، وأنا في الطابور للحصول على هذه الدبة الماء، أيش من عيشة إلّي نحنا فيها؟! وين المنظمات إلي راح تساعدنا؟! كل يوم صحفيين وتصوير، ولا شفنا منهم شيء”.

على مسافة ليست بعيدة من زكي وجدنا امرأة مسنة يناديها الأطفال “يا خالة مريم” تحمل دبة ماء تكاد تسقط من ثقل الدبة، تمشي بضعة أمتار وتحط الدبة على الأرض لتستريح قليلًا، عندما سألناها: أين أبناؤك ليحملوا عنك؟ أجابت: “خرجوا يطلبوا الله بحق المصاريف، وزوجي مشلول في البيت، له 12 سنة”. وتضيف الخالة مريم: “المنظمات تجي تعمل دراسة عندنا وتسجلنا وتحسب عددنا فقط، بس تقدم حاجة لنا، ما فيش”.

يرى الناشط عبد العزيز القادري أن هذه الفئة تعيش بمعزل عن المجتمع؛ فعامة المجتمع لا يشاركون هذه الفئة أفراحهم أو أحزانهم مثلًا، كما أنها مميزة أيضًا في توزيع المساعدات، فهناك فئات في المجتمع تحصل على مساعدات ووضعها أفضل بكثير من فئة المهمشين.
ويعاني المهمشون في اليمن من شتى أنواع العنصرية والتمييز، ويُجرّدون من كثير من حقوقهم.

يرى الناشط عبد العزيز القادري أن هذه الفئة تعيش بمعزل عن المجتمع؛ فعامة المجتمع لا يشاركون هذه الفئة أفراحهم أو أحزانهم مثلًا، كما أنها مميزة أيضًا في توزيع المساعدات، فهناك فئات في المجتمع تحصل على مساعدات ووضعها أفضل بكثير من فئة المهمشين.

ويعاني المهمشون في اليمن من شتى أنواع العنصرية والتمييز، ويُجرّدون من كثير من حقوقهم الطبيعية التي يكفلها لهم القانون مثل باقي المواطنين؛ فعلى مستوى الهوية، لا يملكون أي هويات رسمية تُعرّف بهم في المجتمع، ولا يُخصّص أماكن لهم للعيش بكرامة أو قبولهم أناس في المجتمع، وذلك بحسب ما ذكر رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين نعمان الحذيفي.

ويقول الأستاذ نعمان الحذيفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين: “إن عدم وجود تعداد صحيح لهذه الفئة يحد من وصولها إلى المساعدات أيضًا، وهناك بعض المنظمات لا تكلف نفسها في الدخول والبحث عن أفراد هذه الفئة وتلمس احتياجاتهم”.

للمهمشين قصص أبعد من مجرد الإحساس بأن الحياة لم تعد تحتمل في مكان ما. المهمشون قصص تتكرر مآسيها وإن اختلفت تفاصيلها من مكان إلى آخر. وبالنسبة للمهمشين إن كنت محظوظًا بشكل كاف، فسيكون لديك الوقت للتفكير أين سينتهي بك المطاف وأنت صاحب بشرة سوداء قليل الحظ، وإذا لم تكن محظوظًا، فستترك كل ذلك وراءك وتنشغل بتنظيف الطرقات ومدّ يدك للمارة وأصحاب المحلات التجارية حتى النهاية.

"صوت المهمشين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى