كيف تؤثر التطورات الميدانية في مسار الحرب والسلام باليمن؟

> شهدت محافظة شبوة، جنوب اليمن، في النصف الأول من يناير 2022، تطورات عسكرية، أفضت إلى استعادة قوات الحكومة المعترف بها دوليًا آخر ثلاث مديريات فيها، هي عَيْن وعُسَيلان وبَيْحان، كانت جماعة أنصار الله (الحوثيون) قد سيطرت عليها، في سبتمبر 2021. وعقب ذلك، امتدت المعارك إلى مديرية حَرِيب الواقعة في محافظة مأرب المجاورة، ذات الأهمية الاستراتيجية، حيث تسعى قوات الحكومة وحلفاؤها إلى استعادة أجزاء واسعة منها كانت قد خسرتها في الشهور الأخيرة. وكانت محافظة مأرب هي المحافظة الشمالية الكاملة الوحيدة التي ما زالت في قبضة قوات حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهي أغنى محافظات اليمن بثرواتها النفطية، لذلك تعدّ استعادتها ضربة قوية للحوثيين ولأيّ مشروع للتقسيم وفق خطوط ما قبل الوحدة عام 1990.

ملابسات التحول الميداني الأخير
جاءت هذه التحولات على وقع جملة من التطورات التي شهدتها جبهات الحرب اليمنية خلال الشهور الأخيرة من عام 2021، وأهمها التقدم الكبير الذي أحرزه الحوثيون في محافظتي مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط والغاز، وقيام ما يُعرف بالقوات المشتركة المدعومة من التحالف العربي، التي كانت متمركزة في الساحل الغربي (التِّهامي) للبلاد، بعملية "إعادة تموضع" في نوفمبر 2021 أثارت الكثير من الجدل، بعد أن استغلها الحوثيون للسيطرة على مناطق واسعة جنوب الحديدة. وعلى الأثر، نُقلت ستة من ألوية العمالقة، التي كانت متمركزة في الحديدة، إلى محافظة شبوة، نهاية ديسمبر 2021، في خطوةٍ وصفت بأنها تهدف إلى تحرير مديريات بيحان وعسيلان وعَين من قبضة الحوثيين، ثم دُفع بمزيد من هذه الألوية، وقوات أخرى أُطلق عليها اسم "قوة دفاع شبوة"، يرجح أنها تشكيل جديد لقوات "النُّخبة الشَّبوانية" الموالية للإمارات، والتي انهزمت وتشتَّتت خلال تمرُّد المجلس الانتقالي الجنوبي، الموالي للإمارات أيضًا، على الحكومة، في عدن وشبوة، عام 2019.

سياسيًا، جاءت التطورات الأخيرة بعد سلسلة خلافات اندلعت بين المكونات الحزبية لحكومة الرئيس هادي، وأيضًا مع حلفائها الخارجيين، وتحديدًا الإمارات؛ إذ تمكَّنت جماعة الحوثي من الاستيلاء على المديريات الثلاث في شبوة، في ظل توتر شديد بين قيادة السلطة المحلية في المحافظة والقوات الإماراتية المتمركزة في منشأة بَلْحَاف البحرية لتصدير الغاز، على خلفية رفض الأخيرة إخلاء المنشأة، وتصاعد الحراك الشعبي المدعوم من المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة حضرموت ضد حكومة الرئيس هادي. وتشير بعض التقديرات إلى أن ترك جماعة الحوثي تسيطر على مديريات شبوة الثلاث، جاء بمنزلة عقاب إماراتي لسلطة محافظة شبوة التي اختلفت معها؛ حيث سرت أنباء عن انسحاب وحدات القوات المتحالفة مع الحكومة المتمركزة فيها أمام تقدّم جماعة الحوثي.

في هذا السياق، جاء قرار الرئيس هادي، في 25 ديسمبر 2021 بإقالة محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، المعارض للإمارات، وإسناد المنصب إلى قيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، يُعرف بارتباطه الوثيق بها، وهو عوض محمد الوزير، وذلك في إطار تفاهمات متعددة الأطراف، لم يغِب عنها حزب التجمع اليمني للإصلاح. وقد جرى التوصل إلى هذه التفاهمات عبر سلسلة من اللقاءات، كان منها لقاء الرئيس هادي في مقر إقامته في الرياض بالسفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، في 5 ديسمبر 2021، ثم لقاؤه في 22 من الشهر نفسه، نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، بحضور نائب الرئيس اليمني، الفريق علي محسن الأحمر، ورئيس الحكومة اليمنية، مَعِين عبد الملك، الذي زار، في 31 ديسمبر 2021، أبوظبي؛ أيْ بعد أقل من أسبوع على التغيير الذي جرى في قيادة السلطة المحلية بمحافظة شبوة بموجب إملاءات الإمارات.

تداعيات التحولات الميدانية على العملية السياسية ومسار الحرب
أسهمت التحولات الميدانية الأخيرة في رفع معنويات القوات الحكومية، بعد خيبة أملها نتيجة الانتصارات المتلاحقة التي حققها الحوثيون ميدانيًا في الشهور الأخيرة من عام 2021، ودفعت أيضًا الخطر الحوثي بعيدًا عن محافظتي شبوة ومأرب، وساعدت في احتواء هواجس انفصال مناطق جنوب البلاد عن شمالها، نتيجة مشاركة ألوية العمالقة، وهي في معظمها جنوبية سلفية، في القتال في منطقتَي حَرِيب والجُوبة بمأرب، بخلاف توقعات دعاة الانفصال، الذين دعَوا إلى توقفها عند حدود شطري البلاد، ما قبل مايو 1990، أي عند حدود شبوة. وبيّنت هذه التحولات أنّ الحرب المستمرة منذ سبع سنوات ظلت حتى الآن محكومة بالأجندات المتعارضة بين مختلف أطراف التحالف الداعم للشرعية، الداخلية والخارجية، وأن حل هذه التناقضات هو العامل الرئيس في حسم الحرب لصالح الشرعية.

إضافة إلى ذلك، مهَّدت التحولات العسكرية في شبوة لانتقال القتال في محافظة مأرب المجاورة من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم، وهو ما حصل مع تطور عمليات القوات الحكومية شرق سلسلة جبال البَلَق، جنوب غرب مدينة مأرب، وتوسُّعِها غربًا في مديريتي حَرِيب والجُوبة، في حين تشير التقديرات إلى أنّ مختلف تشكيلات القوات الحكومية لديها من الفرص ما يمكّنها من الوصول إلى أبعد مما كانت تسيطر عليه عام 2019، في محافظات البيضاء والجوف وصنعاء وصعدة.

سياسيًا، لا يظهر، حتى الآن، أثر واضح في مواقف جماعة الحوثي؛ بحيث يمكن القول إنها تخلّت عن موقفها السابق إزاء المقترحات المطروحة لعملية السلام، والتي تبرز في واجهتها المبادرة السعودية، ومن ضمن بنودها الامتثال للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ومخرجات الحوار الوطني الشامل لعام 2014، وقرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015؛ إذ لم يتبلور بعد أثر سياسي واضح للنتائج العسكرية الميدانية، بحيث تتمكن الحكومة اليمنية، ومن ورائها التحالف، من فرض إرادتهما السياسية. على العكس، تذهب كل المؤشرات في اتجاه تصلّب أكبر في مواقف الحوثيين، وحتى استعداد للتصعيد، وهو ما حصل فعلًا بإعلانهم مسؤوليتهم في 17 يناير 2022 عن استهداف مواقع داخل الإمارات، التي يرون أنها تقف وراء إخراجهم من شبوة من خلال دعمها ألوية العمالقة. وقد اشتملت الأهداف التي زعم الحوثيون استهدافها في الإمارات مطار أبوظبي وصهاريج محملة بالنفط في منطقة مصفح، قالوا إنهم استهدفوها بطائرات مسيّرة وصواريخ بالستية. وعلى الرغم من أنه يصعب تأكيد مزاعم الحوثيين بشأن حجم الضربة التي وجّهوها إلى الإمارات، فإن ذلك يشير إلى استعدادهم للتصعيد، وليس للمرونة، بعد الخسائر التي تكبدوها في المعارك الأخيرة، إضافة إلى أنه يُفترض بمن خطّط لاستهداف الإمارات ونفّذه أنه يعرف أن هذا الاستهداف لن يمر من دون رد من التحالف العربي.

ولا يمكن طبعًا تجاهل ارتباط مسار الحرب في اليمن بمفاوضات الملف النووي الإيراني الجارية حاليًا وما يمكن أن تسفر عنه، سواءً في اتجاه اتفاق أو مواجهة. وقد يكون من باب المصادفة أن يتزامن استقبال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لعضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله، محمد عبد السلام، في طهران لحظة تعرّض أبوظبي للهجوم الحوثي، لكن ذلك يؤكد مدى ترابط ملفات المنطقة.

على النقيض منذ ذلك، يمكن ملاحظة بوادر تأثير للتحولات العسكرية الميدانية، والسياسية التي سبقتها، على شكل ضغوط لتنفيذ بعض بنود اتفاق الرياض، لعام 2019، ضمن ملاحقه الثلاثة، السياسي والعسكري والأمني. وكان قد جرى التوصل إلى اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019 بعد معارك عنيفة اندلعت صيف العام نفسه بين قوات حكومة الرئيس هادي التي تدعمها السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات، وأسفرت عن طرد الحكومة من عدن ومحافظات جنوبية أخرى. وتضمنت وثيقة الاتفاق حينها جملة من البنود والترتيبات أبرزها تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، وعودة رئيس الحكومة معين عبد الملك إلى عدن لتفعيل مؤسسات الدولة. وتضمن الاتفاق أيضًا ثلاثة ملاحق تحوي بنودًا سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية تتولى السعودية الإشراف على تنفيذها، لكن أجزاء مهمة في هذه الملاحق لم يتم تنفيذها. ويحاول المجلس الانتقالي الجنوبي التملص من تنفيذها، خصوصًا في حضرموت والمهرة. لذلك، لا يمكن قراءة تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي في هاتين المحافظتين، بمعزل عن نتائج التحولات الحاصلة في شبوة.

عملية "حرية اليمن السعيد"
تزامنًا مع التقدم الميداني في محافظة شبوة، أعلن المتحدث باسم التحالف العربي، العميد تركي المالكي، خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، في 12 يناير 2022، عن إطلاق عملية سماها "عملية حرية اليمن السعيد"، مشيرًا إلى أنها لا تُعدّ عملية عسكرية خالصة، فإضافةً إلى أنها ستشمل كافة المحاور والجبهات، سوف تتضمن وفق تصريحه جوانب تنموية واقتصادية. وغياب أيّ تفاصيل حول كيفية تنفيذ جوانب هذه العملية الاقتصادية والتنموية، دفع المشككين إلى اعتبار أنها تحمل طابعًا دعائيًا، وأنها لن تخرج على الأرجح عن حدود "عملية إعادة الأمل"، التي أطلقها التحالف العربي في أبريل 2015، بعد الإعلان عن انتهاء "عملية عاصفة الحزم"؛ بمعنى أنّ الحرب ماضية في طريقها من دون أفق للحل، وسط تصاعد القتال واستمرار تدهور أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية. وليس أدلّ على ذلك من تصريحات محافظ شبوة الجديد، عوض الوزير، الذي استبعد أي إمكانية لإعادة تشغيل مُنشأة بلحاف الغازية في أي وقت قريب، حيث أشار إلى أنه من المبكر الحديث عن ذلك، واضعًا محددات مختلفة يصعب تجاوزها. وفضلًا عن ذلك، يمكن إضافة تعثُّر تحويل الوديعة المالية التي وعدت السعودية بإيداعها في البنك المركزي اليمني، للحدّ من تدهور قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

خاتمة
أنهت التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة، التي أسفرت عن استعادة قوات الحكومة اليمنية السيطرة الكاملة على محافظة شبوة، وتقدّمها نحو استعادة المناطق التي خسرتها في مأرب، سلسلة الانتصارات العسكرية التي حققها الحوثيون في الشهور الأخيرة، والهادفة إلى طرد قوات الحكومة كليًا من مناطق الشمال والتوغل حتى جنوبًا. وقد تدفع هذه التطورات نحو إقناع الحوثيين بعبثية الرهان على حسم عسكري للصراع لصالحهم أقلّه في الشمال، بعد أن لاح لهم أن ذلك ممكن من خلال استغلال التناقضات واختلاف الأجندات في صفوف تحالف خصومهم. لكن حتى الآن، لا يبدو أنّ هناك مؤشرات في هذا الاتجاه، خاصة في ضوء الربط الذي يجري أيضًا بنتائج الحوار السعودي - الإيراني ومفاوضات الملف النووي الإيراني، ما يعني أن الحرب مستمرة والحل السياسي بعيد المنال.

"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى