بالأرقام.. كيف عصفت أزمات الوقود باليمنيين؟

> محمد راجح:

>
  • ​ساهمت في تردي معيشة نسبة كبيرة من السكان
لم تعبث أزمة باليمنيين منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو سبعة أعوام، مثل أزمات الوقود المتلاحقة والمتضخمة من عام لآخر طوال سنوات الصراع.
تعيش صنعاء ومناطق في شمال اليمن الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، على وقع أزمة متجددة في الوقود منذ بداية يناير، من العام الحالي 2022، بعد فترة من الاستقرار في توفر الوقود بتسعيرة مرتفعة تصل إلى أكثر من 11 ألف ريال للصفيحة الواحدة سعة 20 لترًا.

كان الوقود أحد أهم أسباب المعمعة التي دخلتها اليمن منذ العام 2014، فقد تذرّعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بالتسعيرة التي أقرتها حكومة باسندوة في أكتوبر من هذا العام بزيادة ألف ريال على سعر 20 لترًا من البنزين ليرتفع من 2000 ريال إلى 3 آلاف ريال- للانقلاب على مؤسسات الدولة وما أدى ذلك إلى نشوب حرب مدمرة منذ مارس من العام 2015 وحتى الآن.

لم تتوقف أزمات الوقود طوال أعوام الحرب، لتزداد ضراوة منذ العامين الماضيين، ومنذ مطلع العام الحالي 2022، لتساهم إلى جانب أزمات أخرى في تفجير أكبر أزمة إنسانية في العالم، وفق تصنيف الأمم المتحدة.
يؤكد صفوان حميد مزارع من محافظة ذمار لـ"خيوط"، أن أزمة الوقود وصعوبة الحصول على الديزل أثر كثيرًا على مزارعهم وتسبب في تراجع الإنتاجية وتقليص المساحات الصالحة للزراعة خصوصًا لمحاصيل الحبوب والخضروات والفواكه.

ويلاحظ تكدس كبير لطلاب جامعة صنعاء أثناء خروجهم من الجامعة، في انتظار باصات النقل العاملة التي انخفض بشكل كبير عددها وأصبحت العاملة منها في الخطوط الداخلية لا يتجاوز عددها أصابع اليد.
وأكدت كثير من الطالبات الجامعيات لـ"خيوط"، وقوفهن لساعات انتظارًا لمجيء باص نقل، وما أن يأتي أحدها يكون هناك صعوبة بالغة في الوصول إليه من كثافة الاندفاع للوصول إلى الباص.

وأجبر هذا الوضع كثيرًا من الطالبات والطلاب على المشي راجلين أثناء عودتهم إلى منازلهم بعد انتهاء اليوم الدراسي في الجامعة.
ويعيش مزارعون وموظفون في محافظة حضرموت ومحافظات أخرى تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، أوضاعًا صعبة بسبب أزمات الوقود المتلاحقة التي عاشتها المحافظة طوال العام الماضي، مع ارتفاع أسعار البنزين والديزل وتكاليف المواصلات والنقل.

وشهدت أسعار الوقود في محافظة حضرموت كغيرها من المحافظات اليمنية ارتفاعات متواصلة منذ منتصف العام 2020، إذ قفز اللتر الواحد من البنزين من 200 ريال في أبريل من العام 2020 إلى 370 ريالًا في شهر فبراير من العام السابق 2021.
كما استمرت الأسعار بالارتفاع بموجب قرار صادر عن شركة النفط في محافظة حضرموت ليصل اللتر الواحد من البنزين في المحطات العامة التابعة للشركة إلى 600 ريال، بنسبة زيادة تقدر بنحو 300، وذلك في شهر يوليو من العام الجاري، فيما يبلغ السعر التجاري للتر الواحد من البنزين 750 ريالًا.

شحنات الاستيراد
أقرت الحكومة المعترف بها دوليًا نهاية العام الماضي 2021، آلية جديدة لشراء المشتقات النفطية وحصر توزيعها وتسويقها عبر شركة النفط اليمنية الحكومية في عدن.
ويهدف القرار إلى حصر توزيع وتسويق وبيع المشتقات النفطية الموردة في السوق المحلية على شركة النفط اليمنية الحكومية، وعملية شراء الوقود لتغطية احتياج السوق المحلية من قبل الشركات والتجار المؤهلين والمعتمدين وفقًا للآلية المقرة.

في السياق، تركز جزء كبير من الصراع الدائر بين طرفي الحرب أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًّا في الجانب الاقتصادي بصورة رئيسة منذ مطلع العام الماضي، نسبة كبيرة من هذا الصراع تركز في شحنات الوقود الواردة إلى اليمن عبر ميناء الحديدة غربي البلاد، والتي تخضع، وفق اتهامات حكومة صنعاء، للتفتيش الدقيق في ميناء جيبوتي من قبل الحكومة المعترف بها دوليًّا والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والاحتجاز لفترات تمتد من شهر إلى شهرين وأكثر، وهو ما يتسبب بجزء كبير في أزمات الوقود، وهو ما تنفيه الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي تتهم أنصار الله (الحوثيين) باستغلال هذا الملف والتربح من استيراد الوقود والتنصل من الاتفاقيات المبرمة بهذا الخصوص، بحسب اتفاق ستوكهولم، الذي تُشرِف الأمم المتحدة على تنفيذه، من خلال نهب عائدات الوقود والجبايات المفروضة من جمارك وضرائب.

عمَّار سالم سائق باص نقل داخلي في العاصمة صنعاء يتحدث لـ"خيوط"، عن وضع مأساوي يمر به سائقو النقل الداخلي والذين يقفون في طوابير طويلة أمام محطات التعبئة لم يعهدوها طوال السنوات الماضية، وتستمر لأيام للحصول على البنزين، بينما الاتجاه لتوفيره من السوق السوداء يتطلب مبالغ مضاعفة تصل إلى 25 ألف ريال للحصول على صفيحة واحدة 20 لترًا.

وتركزت نسبة كبيرة من المباحثات التي دارت نهاية العام 2020، ومطلع العام 2021ـ بين رعاة السلام الدوليين وأطراف الحرب في اليمن، والتي انضمت سلطنة عُمان كأحد رعاتها الرئيسيين إلى جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا، في حل أزمة استيراد الوقود، بحسب البند الاقتصادي المرفق باتفاق ستوكهولم، باعتبار أن أزماته المتكررة والمتلاحقة أحد أهم أسباب الأزمة الإنسانية والمعيشية التي تطال اليمنيين.

وتشير أحدث البيانات في التقرير الشهري لآلية التحقق والتفتيش للأمم المتحدة، إلى انخفاض المتوسط الشهري لكمية الوقود المفرغة حتى شهر مارس 2021، بحوالي 73 %، لتصل إلى 38309 أطنان مقارنة بمتوسط شهري بلغ حوالي 142221 طنًّا عام 2020، وانخفضت بنسبة 78 % لتصل إلى 180339 طنًّا مقارنة بالمتوسط الشهري منذ مايو 2016.

مادة الديزل ارتفع من 150 ريالًا/ لتر نهاية 2014 ليصل نهاية نوفمبر 2019 إلى 438 ريالًا/ لتر بنسبة زيادة تقدر بنحو 192 % مقارنة مع نهاية 2014. وخلال الفترة نفسها ارتفعت أسعار البترول من 158 ريالًا/ لتر إلى 379 ريالًا/ لتر بنسبة زيادة 140 %.
من ناحية أخرى، ارتفع سعر غاز الطبخ من 1925 ريالًا/ أسطوانة 18 كجم نهاية 2014 إلى حوالي 7800 ريال نهاية 2015، وفي نهاية 2019 بلغ سعر أسطوانة غاز الطبخ 4685 ريالًا، بنسبة زيادة تقدر بنحو 144 %، مقارنة مع نهاية 2014.

ويقول الباحث الاقتصادي علي ثابت السماوي لـ"خيوط"، إن أزمات الوقود ضاعفت بشكل كبير من معاناة اليمنيين، بعد تحول الجانب الاقتصادي إلى ورقة في الصراع الدائر في اليمن، إذ أدى تكرر أزمات انخفاض المعروض من الوقود وارتفاع أسعاره والقيود المفروضة على استيراده، إلى زيادة كبيرة في أسعاره تفوق قدرات معظم السكان في اليمن وتردي الأوضاع المعيشية والقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية وغيرها، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد على 200 %، وزيادة تكاليف الكهرباء التي أصبحت تجارية بعد أن كانت خدمة حكومية تقدم بتعرفة رمزية.

وبلغ متوسط واردات الوقود، وفق بيانات ملاحية وإحصائية حملها تقرير صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، نحو 157 ألف طن شهريًّا خلال الفترة يناير 2018 - نوفمبر 2019، ساهمت في تغطية حوالي 29 % من الطلب المحلي في المتوسط خلال الفترة نفسها. وبالتالي فإن فجوة الطلب تقدمت بنسبة 71 % أي بحوالي 386 ألف طن شهريًّا في المتوسط خلال الفترة يناير 2018 - نوفمبر 2019، ويعكس هذا حقيقة أن قلة العرض من الوقود يمثل عاملًا أساسيًّا في أزمة المشتقات النفطية في اليمن. حيث ترتبط أسعار الديزل والبترول ارتباطًا وثيقًا بوفرة العرض، وبغرض توفير العملة الأجنبية لمستوردي المشتقات النفطية، نفذ البنك المركزي في عدن، عددًا من خدمات المصارفة والتحويل الخارجي لتجار المشتقات النفطية عبر البنوك التجارية، بأسعار تقل عن أسعار السوق للعملة الأجنبية.
وتدل هذه النتائج على أن أزمة المشتقات النفطية، تتسم بالتكرار والتزامن لجميع أنواع المشتقات في الفترة ذاتها، وهو الأمر الذي يضاعف المعاناة والأثر السلبي على مختلف شرائح الدخل الثابت والمؤقت.

الانعكاسات الاقتصادية
- ارتفاع أجور النقل بنسب تراوحت بين 70 % و150 %، ويقدر ارتفاعها منذ منتصف العام الماضي بـ180 % بالأخص أجرة التنقل بين المدن والمحافظات.
 - تزامن التغيرات الشهرية المتواصلة في أسعار الوقود باضطراب أسعار السلع الغذائية الأساسية (القمح، الدقيق، السكر، الأرز، الزيت)، وزيادة كبيرة في التضخم بنسبة تتجاوز 60 %.

- ارتفاع أسعار الأدوية كانت المشكلة الأكثر صعوبة في 53 % من المديريات في اليمن.
- تضرر أكثر من ثلثي القطاع الزراعي وتلف المحاصيل الزراعية، كما تضرر حوالي 1.2 مليون حائز زراعي في مختلف المحافظات.

- ارتفاع أسعار التيار الكهربائي من مولدات الكهرباء الخاصة إلى 350 و400 ريال للكيلو/ وات، بالإضافة إلى فرض 300 ريال رسوم اشتراك أسبوعية. أسعار الوات ظلت متأرجحة طوال الشهور الماضية في مناطق شمال اليمن التي تعتمد على الكهرباء التجارية بدرجة أساسية، بينما تعاني محافظات جنوب اليمن من أزمة خانقة وانقطاعات متواصلة في التيار الكهربائي تمتد في بعض الفترات لمعظم ساعات اليوم.

- ارتفاع أسعار صهاريج المياه بنسب متفاوتة بين 100 –300 %، وفقًا للتحليل الذي أجرته شبكة الإنذار المبكر للمجاعة (FEWS NET).
- أزمة المشتقات النفطية تمثل أسوأ الحالات المرجحة التي تزيد من خطر الجوع، حيث ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى حوالي 70 % خلال العام الماضي، بزيادة 20 نقطة مئوية، مقارنةً بنتائج تحليل التصنيف المرحلي لعام 2016.

تغييرات الأسعار
تتبعت "خيوط" حركة الأسعار وما شهدته من تغيرات من عام لآخر، فقد أقدمت حكومة باسندوة في يوليو من العام 2014 بزيادة في سعر لتر البنزين من 125 ريالًا إلى 200 ريال للتر، والديزل إلى 195 ريالًا من 150 ريالًا سعر اللتر الواحد.
بعد الحرب، قامت سلطة أنصار الله (الحوثيين)، التي انقلبت على مؤسسات الدولة في صنعاء واستولت عليها، بتعويم أسعار الوقود، وتعطيل الجهات الرسمية التي تستورده والمتمثلة بشركة النفط، ليرتفع سعر اللتر من مادة الديزل من 150 ريالًا إلى 520 ريالًا/ لتر نهاية 2015، ليصل إلى نهاية نوفمبر 2019 إلى 438 ريالًا/ لتر بنسبة زيادة 192 %، مقارنة مع نهاية 2014.

وارتفعت أسعار البترول من 200 ريال/ لتر نهاية 2014، إلى 379 ريالًا/ لتر نهاية نوفمبر 2019 بنسبة زيادة 140 %، قدرها تقرير صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي.
منذ مطلع العام 2020، ارتفعت حدة أزمة الوقود وازدادت ضراوة مع توسع السوق السوداء التي هيمنت على بيع الوقود في معظم المدن اليمنية، وبشكل خاص في العاصمة صنعاء، التي أعلنت أكثر من تسعيرة رسمية خلال الأعوام 2016 و2017 و2018 ليستقر في محطات التعبئة عند 7900 للصفيحة الواحدة من البنزين 20 لترًا، وتدرجت أسعار الصفيحة الواحدة في السوق السوداء من 10 آلاف ريال إلى 12 ألفًا، ومن ثَمّ إلى 14 ألفًا و16 ألفًا منذ منتصف العام الماضي.

كما ارتفع سعر الغاز المنزلي من 1925 ريالًا/ أسطوانة نهاية 2014، إلى 7800 ريال نهاية 2015، وفي نهاية نوفمبر 2019، بلغ سعر قنينة/ أسطوانة الغاز المنزلي 4685 ريالًا بنسبة زيادة 144 % مقارنة مع نهاية 2014، وزاد سعر القنينة إلى 5 آلاف ريال في العام الماضي، بينما يتجاوز سعرها 7 آلاف ريال في السوق السوداء. وهذا يدل على حدوث أزمات متكررة في المشتقات النفطية، لها تداعيات خطيرة، تزيد من شدة معاناة اليمنيين بين فترة وأخرى.

وشهدت معظم المحافظات أزمات متكررة في المشتقات النفطية الديزل والبترول والغاز المنزلي. وتوضح بيانات رسمية أن أسعار الديزل في أكتوبر 2019، بلغت في المتوسط 552 ريالًا/ لتر، وسجلت 8 محافظات مستويات أعلى من المتوسط، كان أعلاها في محافظة الحديدة بسعر889 ريالًا/ لتر، وفي محافظة إب بسعر 875 ريالًا/ لتر، وفي محافظة ذمار 818 ريالًا/ لتر.

بالمقابل سجلت 10 محافظات مستويات أدنى من المتوسط، كان أدناها في حضرموت الساحل بسعر 325 ريالًا/ لتر، وحضرموت الوادي بسعر 347 ريالًا/ لتر، و375 ريالًا/ لتر في محافظة المهرة. كما ارتفع متوسط أسعار الديزل بنسبة تراوحت بين 60 %، -2 % في معظم المحافظات نهاية العام 2019، وأكثر من 70 % في العام الماضي 2020، فيما بلغ أعلى ارتفاع في محافظة الحديدة بنسبة 60 %

وبلغ سعر البترول في المتوسط 491 ريالًا/ لتر منذ العام 2019، سجلت 7 محافظات أعلى من السعر المتوسط، كان أعلى سعر في محافظة ذمار بحوالي 788 ريالًا/ لتر. كما ارتفع متوسط أسعار البترول بنسبة تراوحت بين 36 %، -1 % في معظم المحافظات.
تصاعد أزمة المشتقات النفطية وتكرارها في المحافظات، وتضاعف أسعار الوقود بما يزيد عن ضعف الأسعار بالمقارنة مع ما قبل الصراع، يشكل ضغطًا على الحياة المعيشية الاعتيادية للمواطن، في حين تتجه الأسعار بالارتفاع بشكل تصاعدي للمواد الغذائية والنقل والمواصلات الداخلية وبين المحافظات.

وبالنسبة لغاز الطهو فقد بلغ متوسط سعر أسطوانة الغاز 5033 ريالًا/ قنينة، عبوة 18 كجم في أكتوبر 2019، وسجلت 9 محافظات أعلى من السعر المتوسط، فيما بلغ أعلى سعر في محافظة ذمار بحوالي 8666 ريالًا/ قنينة.
ومع تصاعد أزمة المشتقات النفطية منذ نهاية أغسطس 2019، تشهد حالة الإمداد اختناقات في توفر الوقود من الديزل والبترول، حيث توفر بنسبة ضئيلة جدًّا في 12 محافظة من بين 18 محافظة، وتوفر إلى حدٍّ ما في 6 محافظات. في المقابل كان الغاز المنزلي شبه منعدم في 9 محافظات من بين 18 محافظة، وتوفر في 3 محافظات، بينما توفر إلى حدٍّ ما في 6 محافظات، وتستمر أزمة المشتقات النفطية في عدد من المدن اليمنية، حيث ألقت بظلالها على حياة المواطنين ومختلف القطاعات التي أصيبت بشلل شبه كامل بسبب نقص الوقود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى