معادلات "اليمن المعقد" تعيد رهان أميركا على القوة

> عيسى نهاري

> ​يستهل المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، هذا الأسبوع عامه الثاني منذ تعيينه في منصبه، وسط تصعيد حوثي، امتدّ ليشمل دولة خليجية ثانية هي الإمارات، في الوقت الذي تواصل فيه الميليشيات اليمنية المدعومة من إيران استهداف السعودية بشكل شبه يومي.
ليندركينغ، الذي عيّنه الرئيس جو بايدن مبعوثاً إلى اليمن في فبراير (شباط) من عام الماضي، طار إلى المنطقة مرّات كثيرة، ما بين الرياض ومسقط وأبو ظبي، إلا آفاق الحل السياسي ظلت محدودة.

تعقيدات متزايدة
بالعودة إلى مشهد الحرب في 2020، والأسابيع التي سبقت تعيين ليندركينغ العام الماضي، فإن الواقع قد يبدو أقل تعقيداً مقارنة بما يشهده الوضع حالياً في ظل التصعيد الحوثي ضد الإمارات.
فبعد سحب الإمارات قواتها من اليمن في عام 2019، مع الحفاظ على تأثيرها في القوات التي تدعمها في الجنوب والغرب اليمني، عادت أبو ظبي الشهر الماضي لترمي بثقلها العسكري.

وهكذا، عادت المقاتلات الإماراتية لتتصدر عناوين الأخبار الرئيسة حول استهداف مواقع الحوثيين من مخابئ طائرات ومقرات لقياداتهم. وجاءت ضرباتها رداً على ثلاث هجمات حوثية استهدفت مناطق مدنية في الإمارات في شهر واحد، وبالتوازي مع عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية.
وبعد رمي الإمارات بثقلها العسكري والدبلوماسي في اليمن مجدداً وبوتيرة أقوى، فإن الأزمة تتجه على الأرجح إلى مزيد من التعقيد أمام ليندركينغ وزميله المبعوث الأممي، بينما تصبح الولايات المتحدة أكثر تورطاً في الصراع، بعد أربع سنوات نأت فيها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب عن الملف اليمني.

وبعد مرور عام كامل على أول خطاب لبايدن عن السياسة الخارجية كرئيس، حيث طالب بإنهاء الحرب في اليمن، وعيّن مبعوثاً خاصاً إليه، فإن التدخل الأميركي اليوم لم يعد محدوداً على دبلوماسية نشطة يقودها ليندركينغ، بل امتد ليشمل دعماً عسكرياً واستخباراتياً للإمارات في وجه الهجمات الحوثية.

ولا تتسق خطوات "البنتاغون" الأخيرة في نشر مقاتلات من الجيل الخامس لمساعدة الإمارات مع القرارات التي اتخذها بايدن في أسابيعه الأولى بالبيت الأبيض مثل تجميد مبيعات السلاح لأبو ظبي ووقف دعم التحالف الذي تعد الإمارات طرفاً فيه، لكنها بلا شك تعبر عن التصعيد الذي تعيشه الأزمة اليمنية منذ قدوم الرئيس الديمقراطي، وهو ما جاء معاكساً لأهداف سياسته في اليمن.

خطان متعاكسان
وفيما يُعد اتجاه الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون مع الإمارات في مجال الدفاع الجوي، ومدّها بالمعلومات الاستخباراتية مفيداً لها في التصدي للحوثيين، فإن هذه القرارات ستضع مزيداً من التعقيدات أمام ليندركينغ الذي ما زال يشدد على الحوار والحل السياسي، على الرغم من أن الجهود الدبلوماسية التي يقودها لم تحقق تقدماً ملموساً، حتى مع الانكفاء الأميركي.

ولا تخلو تحركات البنتاغون الأخيرة من رمزية أيضاً، خصوصاً بعد نشر المدمرة "يو أس أس كول"، التي تتميز بامتلاكها منصتي إطلاق صواريخ بعيدة المدى، مثل صاروخ "توماهوك" المجنح، وصواريخ مضادة لأهداف بحرية، كما تمتلك مدفع عيار 127 ملم، ومدفعين رشاشين للتعامل مع الأهداف القريبة والصواريخ المضادة للسفن والطائرات العمودية.
صورة للمدمرة الأميركية "كول" وتظهر الفجوة التي أحدثها الانفجار
صورة للمدمرة الأميركية "كول" وتظهر الفجوة التي أحدثها الانفجار

وهذه المدمرة التي تقدر تكلفتها بربع مليار دولار، هي نفسها التي استهدفها انتحاريان منتميان لتنظيم القاعدة في 12 أكتوبر 2000، بينما كانت ترسو على ميناء عدن اليمني، وأسفر الهجوم الانتحاري عن مقتل 17 بحاراً أميركياً، وأحدث فجوة كبيرة في هيكل المدمرة، لكنه فشل في إغراقها، لتعود إلى الخدمة بعد أقل من عام.
وفي سياق متصل، وافقت الخارجية الأميركية أخيراً على صفقة سلاح للسعودية بقيمة تبلغ 23.7 مليون دولار، مشيرة إلى أن المعدات العسكرية "ستساعدها في مواجهة الآثار المزعزعة للاستقرار الناتجة عن الإرهاب، ومواجهة النفوذ الإيراني والتهديدات الأخرى".

لا "أرضية مشتركة"
وقبل يوم من الذكرى الأولى لتوليه منصبه، قال ليندركينغ إن أكثر التحديات "إحباطا"، هي أن "الأطراف المختلفة التي تدعي بأنها تريد السلام لا تجد أرضية مشتركة له"، على الرغم من "اعتراف الجميع بمن فيهم الحوثيون"، على حد قوله، بـ"عدم وجود حل عسكري لإنهاء الأزمة".
وقال المبعوث الأميركي، في حديثه لإذاعة "أن بي آر"، "كلما استمر القتال، تفاقمت معاناة المدنيين اليمنيين، وزادت صعوبة الوصول إلى حل سياسي"، مستنكراً "عدم استغلال الفرصة المتاحة لإرساء السلام".

ويرى ليندركينغ، أن الوضع في اليمن ازداد سوءاً لعدة أسباب، منها أن الإيرانيين وجدوا في الصراع اليمني "طريقة مريحة جداً لمضايقة السعودية، ولذا فقد وضعوا ثقلهم في سبيل إدامته"، والسبب الآخر هو "الغارات الجوية التي تشنها السعودية"، على حد قوله، لكن المبعوث الأميركي لم يغفل مبادرة السلام التي تبنتها الرياض. وقال، "ينظر إلى السعودية على أنها معتدية، على الرغم من أن السعوديين طرحوا في مارس (آذار) عام الماضي مبادرة لوقف إطلاق النار.
وتطرق إلى الهجمات الحوثية التي تستهدف لها السعودية والإمارات، مشيراً إلى أن "السعودية تعرضت إلى أكثر من 400 هجوم في عام الماضي، وهذا النمط من الهجمات مستمر".

70 ألف أميركي في السعودية
وعلى الرغم من أن واشنطن اتخذت قرارات لم تكن في صالح الحكومة الشرعية في اليمن مثل إيقاف الدعم العسكري للتحالف العربي، ورفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، فإن بعض الأطراف ترى أن ثقل الإدارة الأميركية لا يزال مؤثراً في اليمن، بالنظر إلى حملتها أمام الكونغرس لتمرير صفقات أسلحة وطائرات للسعودية.
ودافع ليندركينغ عن سياسة إدارة الرئيس بايدن لإنهاء الحرب، مع المحافظة على الشراكة الأميركية الممتدة لأكثر من 7 عقود مع الرياض، بالإشارة إلى الهجمات الحوثية التي تتعرض لها السعودية يومياً، مشدداً على أن الولايات المتحدة لا يقع على عاتقها مسؤولية حماية حلفائها فحسب، ولكن مواطنيها المقيمين خارج البلاد.
وأضاف، "هناك 70 ألف أميركي يعيشون في السعودية، عمل الكثير منهم منذ عقود في قطاعات مختلفة في الاقتصاد السعودي. حماية هؤلاء المواطنين الأميركيين في السعودية والإمارات هي الأولوية القصوى للسياسة الخارجية لدى الإدارة الحالية".

استمرار احتجاز موظفي السفارة
في غضون ذلك، ندّد المبعوث الأميركي باحتجاز الحوثيين عدداً من اليمنيين الذين عملوا لصالح الولايات المتحدة بعد إيقاف العمليات وإجلاء موظفي السفارة الأميركية في صنعاء عام 2015، لافتاً إلى أن احتجاز موظفين محليين، وخمسة موظفين سابقين مؤشر على أن الحوثيين ليسوا عازمين بعد على إرساء السلام.
وأفرجت ميليشيات الحوثي عن 30 من الموظفين اليمنيين لدى السفارة الأميركية، بعد جهود دبلوماسية قادها ليندركينغ، فإن عدداً من الموظفين ما زالوا تحت قبضة الحوثيين، بحسب الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس.

وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية لـ"اندبندنت عربية" إن واشنطن "ملتزمة بضمان سلامة أولئك الذين يعملون لصالح حكومة الولايات المتحدة".
وجاء إطلاق سراح مجموعة من الموظفين اليمنيين بعد ضغوط دولية وتصريحات شديدة اللهجة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، دان فيها اعتداء الحوثيين على المجمع الذي استخدمته السفارة الأميركية قبل عام 2015، واعتبره انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية.

الدعم الإيراني
وتطرق المبعوث الأميركي إلى الدعم الإيراني للحوثيين بالصواريخ الباليستية والمسيّرات، مشيراً إلى أن الحوثيين يجمعون الأجزاء التي يتم تهريبها إلى اليمن من مصادر مختلفة، مجدداً الدعوة إلى ضرورة إيقاف التصعيد واللجوء إلى المحادثات.
وعن جهود التحالف العربي الذي تقوده السعودية بمشاركة الإمارات، قال ليندركينغ إنهم يحاولون حماية آخر معقل للحكومة اليمنية، وهي مدينة مأرب التي تبعد نحو 100 كيلومتر شرق صنعاء، وتقع فيها عدد من المنشآت النفطية، ويقطنها عدد كبير من النازحين.

وعن الغارة الجوية التي استهدفت ما وصف بأنه "مركز احتجاز" بمحافظة صعدة الشهر الماضي، قال، "كانت هناك خسائر في صفوف المدنيين سببها كلا الجانبين". ولفت إلى أن "الولايات المتحدة دانت تلك الضربة، وأكدت أهمية حماية المدنيين"، مضيفاً أن ذلك كان محور تركيز زيارته الأخيرة إلى السعودية.
وكان المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العميد تركي المالكي أوضح، الشهر الماضي، أن "قيادة القوات المشتركة للتحالف تابعت ما تناقلته بعض الوكالات الإعلامية بعد إعلان الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران عن استهداف التحالف لمركز احتجاز بمحافظة صعدة فجر يوم الجمعة (21 يناير الماضي) وادّعاء وقوع ضحايا من المحتجزين بداخله، وأن هذه الادعاءات التي تبنّتها الميليشيات الحوثية غير صحيحة".

وأضاف المالكي "قيادة القوات المشتركة للتحالف تأخذ مثل هذه التقارير على محمل الجد، وقد تم عمل مراجعة شاملة لإجراءات ما بعد العمل (AAR) بحسب الآلية الداخلية للقيادة وتبين عدم صحة هذه الادعاءات، مؤكداً أن التحالف سيطلع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر على الحقائق والتفاصيل، وكذلك التضليل الإعلامي الذي مارسته الميليشيات الحوثية الإرهابية للهدف والموقع محل الادعاء".

واعتبر متحدث التحالف أن ما سوقت له الميليشيات الحوثية "يعبر عن نهجها التضليلي المعتاد، وأن الهدف محل الادعاء لم يتم إدراجه على قوائم عدم الاستهداف بحسب الآلية المعتمدة مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، ولم يتم الإبلاغ عنه من قبل اللجنة الدولية للصليب، ولا تنطبق علية المعايير الواردة بأحكام القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية المتعلقة بمراكز الاحتجاز الواردة بالمادة (23) من اتفاقية جنيف الثالثة لأسرى الحرب وما نصت عليه من إجراءات وقائية وعلامات تمييز".

إندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى