​4 عقود قضتها بكين في إقناع العرب بالتخلي عن تايوان

> بكين "الأيام" العرب

> ​ تُشكل تايوان القضية الرئيسية في سياسات الصين سواء الداخلية أو الخارجية، وهو ما جعلها تقضي وقتاً طويلا وحتى عقودا في إقناع عدة دول بالتخلي عن دعمها لتايوان التي تعتبرها إقليما متمردا عليها.

ويعد موقف الدول الأخرى من تايوان محددا لسياسة الصين الخارجية؛ فعلى أساسه تقيم علاقة صداقة وتعاون مع تلك الدول أو تعاديها. وإذا كانت أغلب الدول العربية تؤيد مبدأ الصين الواحدة، فإن ذلك لم يمنع بعضها من إقامة علاقات تجارية مع تايبيه، أو حتى الاعتراف بها في عقود سابقة.

وبرزت قضية تايوان عام 1949 بعد أربعة أعوام من انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) وزوال احتلال اليابان لأجزاء من الصين بما في ذلك جزيرة تايوان؛ حيث أدى انتصار الشيوعيين (بزعامة ماو تسي تونغ) على الحكومة القومية (بقيادة شيانغ كاي شيك) إلى لجوء الأخيرة إلى جزيرة تايوان، ومعها احتياطات الصين من الذهب، وأعلنت مدينة تايبيه عاصمة مؤقتة لجمهورية الصين.
وبفضل الدعم الأميركي والغربي لتايبيه احتفظ القوميون بتمثيل الصين في الأمم المتحدة إلى غاية 1971، رغم سيطرة الشيوعيين على البر الرئيسي.

وواجهت الصين الشعبية في أعوامها الأولى صعوبات في الحصول على اعتراف دولي، لكن مشاركتها في مؤتمر باندونغ في إندونيسيا عام 1955 -إلى جانب العديد من الزعماء الآسيويين والأفارقة وعلى رأسهم الرئيس المصري جمال عبدالناصر- فتحت لها أبواب العالم العربي.

كما فتح لها تبنّيها قضايا التحرر في الوطن العربي وخاصة فلسطين والجزائر حينها، منذ مؤتمر باندونغ، أبواب النفوذ إلى المنطقة العربية بدعم من عبدالناصر.

وكانت مصر وسوريا الدولتين العربيتين الأوليين اللتين تعترفان بالصين الشعبية في 1956، تلتهما بعد ذلك عدة دول عربية خاصة التي تبنت النظام الاشتراكي أو التي استقلت حديثا -آنذاك- والتي اعترفت بها بكين.

واعترفت الصين الشعبية بالحكومة الجزائرية المؤقتة في 1958، حتى قبل استقلال البلاد، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بها.

وفي نفس العام اعترفت الصين الشعبية بنظام الحكم الجمهوري الذي تأسس في العراق، بعد الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي.

وتأثير الصين على الدول العربية كان واضحا، خاصة في الحالة الجزائرية؛ حيث أطلق قائد جيش التحرير هواري بومدين عندما استقلت الجزائر في 1962 على جيش البلاد اسم الجيش الوطني الشعبي، والذي لم يكن يحمل هذا الاسم حينها سوى الجيش الصيني، بحسب مذكرات العقيد الطاهر الزبيري قائد أركان الجيش الجزائري (1964 - 1967).

وكانت الصين من أكثر الدول خارج العالم العربي دعما بالسلاح للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954 - 1962)، ووقفت إلى جانب العرب في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل، وعارضت الغزو الأميركي للعراق في 2003.
وفي المقابل قدم العرب إلى الصين دعما دبلوماسيا لا يقدر بثمن من أجل استعادة مقعدها في الأمم المتحدة، الذي كانت تشغله “جمهورية الصين” (تايوان)، والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين، حيث تقدمت حينها 23 دولة بمشروع هذا القرار، بينها ثماني دول عربية هي الجزائر والعراق وسوريا واليمن الشمالي واليمن الجنوبي (قبل الوحدة) والسودان وموريتانيا والصومال.

واعتمد قرار استعادة الصين الشعبية لمقعدها بالأمم المتحدة في 25 أكتوبر 1971 بأغلبية 76 صوتا واعتراض 35 صوتا وامتناع 17 عن التصويت.

وبحسب وكالة شينخوا الصينية فإن 13 دولة عربية صوتت لصالح القرار، وهي الجزائر ومصر والعراق والكويت وليبيا وموريتانيا والمغرب واليمن الشمالي واليمن الجنوبي والصومال والسودان وسوريا وتونس، بينما امتنعت كل من البحرين والأردن ولبنان وقطر عن التصويت، حيث لم تكن تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين.

ولم تقم ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي (1969 - 2011) علاقات رسمية مع الصين إلا في 1978، رغم أنها لم تكن محسوبة على المعسكر الغربي بل كانت على النقيض منه، وتسعى ليبيا منذ الانقلاب على الملك إدريس السنوسي في 1969 لربط علاقات مع البر الصيني الرئيسي إذ صوتت لصالح قرار استعادة الصين الشعبية لمقعدها في الأمم المتحدة دون أن تربطها علاقات رسمية ببكين.

وسر هذه المفارقة أن القذافي لم يكن يؤمن بالصين الواحدة، ويتبنى سياسة “الاعتراف المزدوج” بجمهورية الصين (تايوان) والصين الشعبية، الأمر الذي رفضته الأخيرة بشدة، رغم اعترافه بها في 1971.

ولم تتم إقامة علاقات رسمية بين البلدين إلا بعد سحب طرابلس اعترافها بجمهورية الصين في 1978.

وتعترف حاليا جميع الدول العربية بالصين الشعبية، إلا أن ذلك لم يمنعها من إقامة علاقات تجارية، خاصة أن تايوان تحتكر وحدها أكثر من ثلثي إنتاج العالم من الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) التي تدخل في صناعة السيارات والطائرات والأسلحة وكل ما هو إلكتروني تقريبا.

فتايوان مصنفة في المرتبة 22 عالميا من حيث الناتج الإجمالي الخام الذي بلغ 668.5 مليار دولار في 2020، بحسب موقع “ترايدينغ إكونوميكس”، وهي من النمور الآسيوية ذات الاقتصادات القوية والصاعدة.

ولذلك من الصعب على بعض الدول العربية تجاهل هذه الحقائق رغم العلاقات الوطيدة التي تربطها بالصين.

فبالرغم من العلاقات التاريخية بين القاهرة وبكين، إلا أن التبادل التجاري بين مصر وتايوان بلغ في 2020 أكثر من 500 مليون دولار، بزيادة تقارب 11 في المئة مقارنة بعام 2019، وفق مكتب تايوان الاقتصادي في القاهرة.

وبلغ التبادل التجاري بين الكويت وتايوان في 2018 أكثر من 5 مليارات دولار، بفضل صادرات النفط الكويتية الكبيرة إلى تايوان التي في المقابل تصدر الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

وتعتبر السعودية أكبر شريك تجاري لتايوان في المنطقة العربية، بأكثر من 8 مليارات دولار في 2019، متراجعة عن أكثر من 13 مليار دولار في 2013، ما يوضح أحد أسباب تأخر قطع علاقاتها بتايبيه.

وفي ليبيا سمح القذافي لتايوان باستخدام اسم “المكتب التجاري لجمهورية الصين لدى ليبيا” إلى غاية 1997.

لكن الصين نجحت في تدارك الموقف عبر التوغل في العالم العربي في البداية بدعم حركات التحرر الوطني الذي مكنها في نهاية المطاف من عزل تايوان دبلوماسيا رغم الدعم الأميركي القوي الذي تتلقاه.

وكسبت الصين معركة الاعتراف الدولي بشكل كاسح في العالم العربي، خاصة بعد تحولها من دولة تعاني الحروب الأهلية والمجاعة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى