زادت بمعدل 80% عما قبل الحرب..التفكك الأسري والاجتماعي كنتيجة لتدهور المعيشة

> «الأيام» "بلقيس":

> الوجه الخفي لمآسي الحرب.. ارتفاع معدلات الطلاق


لم تكن تدرك "خولة محمد" ابنة السادس والعشرين ربيعا، أن نهاية مشروع زواجها "الطلاق البغيض"، بعد أن حصدت ثمرة زواجها وأنجبت طفلين، انفصلت والسبب تدهور الوضع المعيشي للزوج، وعدم قدرته على تحمل تكاليف النفقات.

تقول خولة التي تقطن مدينة إب (وسط اليمن) الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي "تركت تعليمي بعد أن أكملت الثانوية، عقب تقدم شاب بمعرفة والدي للزواج بي، وكان حينذاك مغتربا في المملكة العربية السعودية، فوافقت على الزواج به، وعشت معه أربع سنوات، كانت من أفضل أيام حياتي، وأنجبت طفلة بعد عامين على الزواج، وضعنا المادي كان لا بأس به، وبعد ذلك تحولت حياتنا إلى جحيم ومعاناة".

وتشير خولة إلى أن المعاناة بدأت بعد أن تم ترحيل زوجها من السعودية، وكان من ضمن الذين تم سعودة وظائفهم تحديدا أواخر 2018م، حيث عاد إلى اليمن ولم يستطع إيجاد مصدر دخل لتأمين نفقات الأسرة.

وتابعت، "بعد ذلك بعام أنجبت الطفل الثاني، وكل يوم تزداد معاناتي، رغم محاولة زوجي البحث عن عمل لكنه، كل يوم يذهب إلى حراج العُمال ويعود خائب الوفاض، ورغم حرصه الشديد وبحثه عن العمل في المحلات التجارية والمطاعم والمولات إلى أن أحدا لم يقبله".


تعددت الأسباب

بصوتٍ مليء بالحسرة، تواصل خولة حديثها بالقول "خلال الأشهر الأخيرة قبل الطلاق حاولت أن أصبر لكن معاناتنا تضاعفت، لم نستطع توفير الضروريات الأساسية لطفلينا من حليب ومستلزمات وحفاظات، بالإضافة إلى تراكم إيجار الشقة التي نقطنها لعدة أشهر، حتى وصل بنا الحال إلى عدم قدرتنا عن ايجاد قيمة الدواء وشراء مادة الغاز المنزلي"، فالانفصال بنظرها "كان الخيار الوحيد".

لم تكتف الحرب التي تشهدها اليمن والتي دخلت عامها الثامن بتدمير البنية التحتية للبلاد وحسب، بل دمرت كذلك العلاقات الأسرية، وقضت على الروابط الاجتماعية بين أفراد القبيلة الواحدة.

أحدثت الحرب شرخًا مجتمعيًّا يزداد اتساعًا بمرور الزمن، على مستوى الأسرة وعلى المستوى المجتمع، إذ توسعت ظاهرة الطلاق في اليمن بالذات مناطق سيطرة الحوثيين بشكلٍ مخيف، مع ارتفاع معدلها بشكل لافت، خصوصًا في السنوات الأخيرة، حيث كان للحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الأثر الرئيس في نشوب المشاكل العائلية بين الزوجين، تفضي الكثير منها لفسخ عقد زواجهما أو إثبات الطلاق، في وقتٍ مبكرٍ جدًّا من علاقتهما.

رجاء (اسم مستعار) هي الأخرى، أنهت علاقتها الزوجية بخلع زوجها بعد قرابة عامين من الزواج، وهي واحدة من بين مئات حالات الطلاق التي تماثلت وتشابهت أسبابها، تقول رجاء، إن خلافها مع زوجها بدأ بعد أشهر قليلة من عمر زواجهما، وتفاقمت المشاكل بينهما حتى أيقنت باستحالة استمرار الزواج.

تضيف قائلة: "كانت فترة زواجي تجربة سيئة، لعدم إدراك زوجي لمعنى الحياة الزوجية ولامبالاته وتقاعسه وعدم استطاعته على الالتزام بتوفير مصارف البيت وغيرها"، مشيرة إلى أن زوجها كان كثير الاتكاء على عائلته في المصاريف ولم يكن لديه مشروعا أو مهنة أو دخلًا مستقلًّا، إلى جانب إصابته بحالة نفسية جراء الضائقة المعيشية، الأمر الذي دفعها لرفع قضية خلع منه.

كان للارتفاع المهول في تكاليف المعيشة، وعدم تحمل الزوج للمسؤولية، إضافة إلى العجز عن توفير متطلبات الحياة الزوجية، التي أصبحت عِبئًا على كل المواطنين في ظل التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، الأثر الأكبر في اشتداد الخلاف بين رجاء وزوجها.

فحال خولة ورجاء، مثالا لآلاف الحالات المشابهة التي قررت انهاء حياتها الزوجية، نظراً للظروف المعيشية للأزواج كسبب رئيسي في تسمّم العلاقة بين الزوجين، وعجزهم عن إعالة أسرهم، فالحرب قذفت ملايين اليمنيين إلى البطالة، في حين تزايدت متطلبات الحياة بشكل قياسي، بسبب الانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار وتدهور سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وانقطاع المرتبات.


تفكك مجتمعي

ويعاني اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم مع حاجة 8 بالمائة من السكان إلى المساعدات الإنسانية والحماية، كما أن 20 مليون شخص (ثلثا سكان اليمن) على عتبة المجاعة، وسبعة ملايين يعانون من سوء التغذية، وفقًا لإحصاءات عن الأمم المتحدة.

لا توجد إحصائية رسمية حديثة لمعدلات الطلاق في مناطق سيطرة الحوثي، لكن مصدر قضائي يعمل في محكمة استئناف محافظة إب، قال إن نسبة الطلاق في المحافظة زادت خلال الأعوام الأخيرة بمعدل 80 %، على ما قبل الحرب، مشيرا إلى أن غالبية القضايا في محاكم المدينة طلاق، وخلع، الأمر الذي يعكس مدى الوضع المعيشي التي آل إليه اليمنيون ككل مع دخول الحرب عامها الثامن.

وأكد أن نسبة حالات الطلاق والفسخ وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، جراء تردي الوضع الاقتصادي وعدم قدرة الكثير من أرباب الأسر على تحمل النفقات خلال فترة الحرب التي خلفت، بحسبه، واحدة من "أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ".

وفي السياق، أرجعت المحامية أمل الصبري ارتفاع معدلات الطلاق في اليمن إلى عدة أسباب، منها الحرب وتدهور الوضع المعيشي لدى غالبية الأسر وارتفاع الأسعار، وانعدام مصدر الدخل.

تقول الصبري إن "الحرب وآثارها النفسية والاقتصادية أدت إلى تفكك الأسر، فجعلت غالبية الأسر أمام واقع مرير وضغط نفسي هائل أوصلها إلى قناعة فك الارتباط". مشيرة إلى أن هناك أيضا سبب أخر هو الزواج المبكر خصوصا في الأرياف، وهذا السبب تعاني منه اليمن حتى قبل فترة الحرب، ومازال ظاهرة خطيرة أيضا له آثاره على المرأة وعلى المجتمع من كافة الجوانب الصحية والاقتصادية والنفسية.

ولفتت إلى أن التداعيات النفسية للحرب وتدهور الاقتصاد وارتقاع الأسعار، أدت إلى حدوث الكثير من المشاكل بين غالبية الأسر ومع انعدام مصدر الدخل جعلت الأسر عاجزة عن توفير لقمة العيش لأطفالها، الأمر الذي سبب ضغطا نفسيا كبيرا بين الأزواج والتي أدى بدوره للطلاق.

وتفيد بيانات الأمم المتحدة بأنّ نحو 6.1 ملايين فتاة وامرأة يمنية في حاجة ماسة إلى خدمات الحماية، خصوصاً النازحات اللواتي يشكّلن نسبة 73 % من بين أكثر من سبعة ملايين نازح على مستوى البلاد. وفي مخيمات النزوح، تفتقر الفتيات والنساء إلى الخصوصية والسلامة، الأمر الذي يجعلهنّ أكثر عرضة للعنف والإيذاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى