​اسمها مشتق من اسم الإله الحميري.."الكرب"..تاريخ يأبى الاندثار

> تقرير/عدنان سعيد الحُميدي

> تقع منطقة الكرب وسط المرتفعات الجبلية الجنوبية لمدينة الضالع والتي تبعد عن مركز المدينة بحوالي 4 كم  جنوبا وعلى دائرة عرض (13°40'22"N ) شمالاً، وخط طول (44°44'23"E) شرقاً، ويبلغ سكانها 2000 نسمة أي ما يقارب 300 أسرة.

تتبع منطقة الكرب قرية صغيرة في الاتجاه الشرقي تسمى الحجر يسكنها حوالي 70 أسرة بعضهم نزحوا من الكرب وآخرون مناطق الضالع الأخرى يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.

القرية القديمة التي تتوسط وادي الكرب تكونت على مشارف صخرية شكلت سور طبيعي منيع ومحدود المداخل، قبل الانفجار السكاني الملحوظ مع نهاية القرن الـ 19، الأمر الذي دفع بالسكان للبحث عن مواقع محيطة بالقرية استحداث مباني جديدة.

وتنتشر المباني السكنية على شكل تجمعات سكنية مترامية, لكل تجمع سكاني اسم يميزه كـ«الساكن، العقبة، حبيل غنية، غول الحود، المدافن، الحصين، الديار، الرهاو، حبيل البير، الحجر، الغبيب، جفينة».*بعض الاسماء اندثرت مع مرور الزمن.

الحصن التاريخي للقرية القديمة والذي بات يعرف اليوم "الساكن" يمثل النواة الأولى للمنطقة، ولكن بقايا القصور والحصون المترامية على سفوح جبل محجر وجبل النوبة والحُزم والغشة والديار تدل على بقايا مستوطنات بشرية ربما أقدم. تعتبر الكرب حالة فريدة في التنوع السكاني القبلي المترابط  رغم تعدد الأنساب القبلية على مر التاريخ .

تربط الكرب بالمدينة طريق واحدة نصفها فرعي، أما الوصول إلى المناطق المجاورة فـيتم عبر طرق مشاة وعرة كطريق "الرزع" وصولا إلى قرض غربا, وآخر جنوبا إلى قرى الجوس والدرب في الأزارق، ومن الجنوب الشرقي آخر نحو زُبيد تسمى "الركبة".


التضاريس:

تحيط وديان القرية جبال عديدة أبرزها جبل "محجر جنوبا -النوبة شمالا – الطف غربا- جدآبة شرقا" والتي تمثل الحصن المنيع للقرية تاريخيا وتقيها رياح الشتاء الموسمية، بينما تمتد وديانها من "شعاب الحمراء ونوعه"  جنوبا إلى جبل "رياد" شمالا المتاخم مع جبل دار الحيد التاريخي ومن الحُزم في الشرق حتى وادي عيرام إلى "وادي قرض" في الغرب، بمساحة تتجاوز الـ 8 كم²، وأراضي زراعية أخرى خارج المنطقة تعود للمواطنين.

يجد الزائر البهجة والمتعة في فصل الصيف ومواسم الأمطار والزراعة ومشاهدة المناظر الخلابة، والتمتع في التقاط عدة صور في سيولها ووديانها المليئة بالمناظر الخلابة, وهناك في وسط وادي الكرب عدة آبار سطحية منها القديمة جدا البئر التي تتميز عن غيرها من الآبار في عذوبة ماؤها, يتم تغذيتها عبر عيون جوفية قادمة من مصبات سيول وديان الحقل والركب والمرادع وأجزاء من وادي نوعه وعيينه وغول شمله، كذلك, وآبار أخرى لكنها بعيدة نسبيا عن القرية، إلا ان منسوب المياه بدأ يقل تدريجيا في الآونة الأخيرة وذلك لأسباب تتعلق بالسكان أو الحفر العشوائي.

محاصيل زراعية:

من أشهر محاصيل وديان القرية، الدخن والذرة الحمراء وأشجار الليمون والقليل من مزارع الخضار في وادي قرض، كذلك أشجار السدر المنتشرة والذي تمتاز في لذة ثمارها في وديان المنطقة لاسيما شجرة "علب ذو ود" المعمرة والتي يتشابه اسمه مع آلهة الحب والحرب في مملكة معين. يعتمد الكثير من سكان القرية على تربية المواشي في المنطقة, حيث تحيط بالمنطقة سلسلة مراعي رغم خطورتها التضاريسية, وتواجد الحيوانات المفترسة فيها, حيث أن  بعض السكان المحليون أكدوا تواجد الأسود البرية النادرة في القرب من الكهوف العميقة،  وشهدت المنطقة في الآونة الأخيرة عودة لبعض الطيور الموسمية النادرة كالطيور البازية، يقول خبراء جيولوجيين أن جبال الكرب تحتوي على كميات من معدن الذهب والفضة وأحجار كريمة مثل العقيق بمختلف أنواعه، وهذا ما أكده بعض سكان المنطقة من خلال ما يعثرون عليه في كل مرة في مختلف نواحي القرية.

تاريخ المنطقة:

المنطقة تعرض للعبث مرارا وتكرار طوال الـ30 عام الماضية تارة بقصد وتارة بدون قصد، حيث تشير بعض المصادر المطلعة على مراجع تاريخية لم يتسنَّ لنا الحصول عليها لعدة أسباب، تحدثت المصادر عن ذكر اسم المنطقة ذاتها  "الكُرب"  وتعرضها للهدم عدة مرات لأسباب طبيعية وغير طبيعية، أعاد السكان المحليون البناء على أساسات المباني السابقة مرات عديدة وحدد المرجع انها كانت مستوطنة بشرية تعود إلى ما قبل الميلاد.

ولعل أجمل ما تم العثور عليه وتم توثيقه هي قطع عملات فضية حميرية وهو ما يوضح حقيقة حجم المساحة الكبيرة لمقابر قديمة متناثرة، يشار إليها بالمقابر اليهودية محلياً، تكهنات كثيرة حول أصل تلك المقابر البعض يقول بأنها يهودية والبعض يقول بأنها تعد لأقوام سبقوهم كانوا يعتنقون ديانة "ذو رحمن سماوي".  كل تلك الاكتشافات أسهمت في رسم صورة عن معالم الحياة لسكان القرية القديمة وما حولها.

التسمية:

يعتقد الكثير انها مشتقة من اللفظ الحميري كرب إيل (كرب ـ إيل وتعني المتكبر القريب من الإله إيل) وكما هو معروف "إيل" هو ال التعريف في اللغة الحميرية القديمة او بمعنى آخر هو "اسم ثيو فوري" اسم يحوي اسم إله كدعاء له وطلب الحماية منه، ولازالت تتداول عشرات الكلمات الحميرية في الكرب والمناطق المجاورة إلى اليوم، وتحمل بعض الأماكن اسماء حميرية ومعينية منها شجرة السدر المعمرة "ذو ود" آلهة الحب المعينية وذي جراف وذي بيت... والخ.

آخرون يفسرون الكرب بارتباطها بـ"زُبيد" وهو اسم (معد يكرب الزبيدي الحميري) يعود نسبة إلى زُبيد بن, ولكن لو امكن المتابع الاطلاع على كتب التاريخ ومقارنة إحداثيات المواقع التاريخية لعهد حكم أذواء حمير والتسميات واللقى القريبة من القرية مثل العثور على معابد فخمة تم نبشها قبل سنوات والتي تحتوي على المئات من التماثيل والقطع الفنية الحجرية والبرونزية عليها نقوش وكتابات باللغة السامية الجنوبية، تعثر ترجمة بعض أحرفها، مع الأسف تم نهبها من قبل مسؤولين في الدولة وبعض المواطنين، و البعض تحطم أثناء شق طريق رئيس على مقربة من موقع يرجح أنه كان معبد أو قصر لملك حميري مؤسس يدعى أسعد أبو كرب بن ملك يكرب والذي يعتقد أنه حكم في 550 ق م. و وثقت بعض اللقى مكانة القرية بعد الإسلام تؤكد وقوع المنطقة في مركز صراع ثلاث دول عربية إسلامية متتالية.

وتشير مصادر محلية أن العثمانيين ممثلين في "المملكة المتوكلية" احتلوا القرية لعدة أشهر حيث دارت معركة شهيرة في الأطراف الغربية الجنوبية بالقرب من منطقة قرض انتهت بهزيمة الزيود يسمى المكان حتى اللحظة بـ "مبرك الزيدي" ومع محاولتنا لجمع تاريخ المنطقة عثرنا على تقرير من  الأرشيف البريطاني يرصد النمو السكاني في الكرب بـ 100 نسمة، التقرير وثق في أوائل القرن الماضي وذلك أيام حكم الشيخ قاسم الزُبيدي الذي كان يتخذ من الكُرب مقرا لحكمه.

يعد مسجد الكُرب التاريخي أبرز المعالم التاريخية في القرية من حيث البناء الفريد وشكل "القبة" التي بنيت من الاحجار الصغيرة المتراصة، استخدمت "القضة" لزيادة تماسكها وتعديل درجة حرارة المسجد، تعرضت القبة للقصف في حرب عام 98م هي الآن بحاجة للترميم, الجدير ذكره.. لم يؤرخ بناء المسجد ولكن تم توسعته وترميمه في خمسينات القرن الماضي، لكونه كان منارة تعليمية دينية معتدلة ووسطية, كما احتضن الكرب الرعيل الأول من قادة الثورة ضد المستعمر البريطاني والأيام التي عاشها أبطال الثورة بقيادة الشهيد علي عنتر في وديان وكهوف القرية، والتاريخ  يطول ولن يجد الباحث والمطلع على بقية المصادر التاريخية التي يصعب العثور عليها في بلادنا او نقصانها يبقى حجرة عثرة امام الباحثين في تاريخ الكُرب الزاخر…

ملاحظة :أخطر عملية نهب تاريخية وثقت في الاعوام 98_2001، من قبل مواقع عسكرية تابعة لـ ق ل 35 مد بقيادة حيدر السنحاني.

التعليم:

تعد مدرسة الصحابي أنس الكرب من أقدم مدارس المنطقة والتي يدرس فيها المرحلة الأساسية, حيث بلغ عدد الطلاب المسجلين في العام الماضي قرابة الـ400 طالب، المستوى التعليمي لطلاب مدرسة الكرب كان جيد جدا، مقارنة بالمدارس المجاورة حيث تجاوز عدد حملة الشهادات العليا في الكرب أضعاف عدد القرى والمناطق المجاورة، شهدت مدرسة الكرب تراجع ملحوظ في المستوى التعليمي في السنوات السابقة، رفض بعض مدارس الثانوية المجاورة قبول طلاب الكرب فيها، وهو الأمر الذي ضاعف معاناة الطلاب بعد التحاقهم في مدارس مدينة الضالع، تسبب ذلك في البعد من مواصلة التعليم.


مشاكل ومعوقات:

* صعوبات ومعوقات كثيرة بحاجة إلى إعادة تقييم على حسب الأولويات والاحتياجات الضرورية للسكان وأهمها:

1- إيجاد حل جذري لمشكلة مياه الشرب وكسر احتكار السوق التجاري لمياه الشرب.

2 -رفد المدرسة بكادر تعليمي، وبناء فصول دراسية جديدة وتشجيع مواصلة التعليم للفتيات.

3-دعم المزارعين والحفاظ على الممتلكات والحقول الزراعية من الانجراف وتشجيع التنوع الزراعي مع المساهمة في توعية المزارع البسيط.
 
4 -بناء وحدة صحية متكاملة ودعمها بما يتناسب مع الكثافة السكانية.

5 -إنشاء مركز تجمع مدني "نادي" مع ضرورة إيجاد ملعب رياضي حيث يفتقر هواة الرياضة لملعب يجمعهم ولا سيما هواة كرة القدم.

6 -الاهتمام بالأماكن التاريخية وحمايتها و ترميمها وتوثيق كل القطع التاريخية بترميز محلي.

وغيرها من الصعوبات التي تستدعي لفتة كريمة لرد الجزء اليسير لما قدمته الكُرب في سبيل الوطن على مدار قرون متتالية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى