يقظة روسية لحماية حليفها التاريخي في شمال أفريقيا

> صابر بليدي

>
يسارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تثبيت تحالفاته الإقليمية والدولية، لاسيما بعد العزلة التي فرضتها عليه الأزمة الأوكرانية، ولعل تصريحه الأخير حول علاقات بلاده الجيدة مع الجزائر تندرج ضمن إستراتيجية طمأنة حلفائه من عدم جدوى الضغوط الغربية، واستعداده لتمتين علاقاته معهم.

وتبقى الجزائر حليفا إستراتيجيا لروسيا، ويساهم موقعها الإستراتيجي في شمال أفريقيا في صناعة دورها، فهي مفتاح أي أجندة للتغلغل في المنطقة أو القارة السمراء، ولذلك يبدو أن بوتين يسعى لتثمين ستة عقود من العلاقات التاريخية والإستراتيجية من أجل وضع حلف يجمع بين بلاده وبين الخاصرة الأوروبية وصدر ورأس القارة الأفريقية.

الرئيس بوتين، الواقع تحت حصار كبير فرضته عليه أوروبا والولايات المتحدة، يسعى للبحث أو تثبيت منافذ لروسيا يمكن أن تتنفس منها بشكل طبيعي، ولذلك فإن مكانة الجزائر تأخذ أهمية مطردة بالنسبة إلى موسكو، ولا يمكن للقيادة السياسية أن تفرط فيها، أو تتركها للضغوط الغربية، كما ساد الاعتقاد في الآونة الأخيرة.

لم يتأخر الرجل في الرد على تلك البوادر بعد تصريحات العصا والجزرة التي أطلقها مسؤولون أميركيون تجاه الجزائر في الآونة الأخيرة، فإشادته بالعلاقات التي تربط موسكو بالجزائر وحظوظ تطويرها إلى مستويات عميقة توحي بأن الرجل يريد طمأنة حلفائه من النخبة الحاكمة في الجزائر.

ويحيل الحديث المستجد في الجزائر عن رموز ونخبة في السلطة موالية لروسيا، خاصة داخل المؤسسة العسكرية، إلى أن موسكو تراهن بقوة على المصالح وعلى القناعات، لأن ضمان موالين في أي موقع هو أفضل وسيلة للاطمئنان على العلاقات المأمولة، وهو ما قد توصلت إليه روسيا مع الجزائر، خاصة خلال السنوات الأخيرة.

ولعل وجود جيل من النخبة السياسية والعسكرية المحسوبة على العهد الأيديولوجي الاشتراكي في هرم السلطة الجزائرية هو أكبر ضمان لروسيا لتفعيل الخطاب متعدد الأقطاب والإمبريالية والنزعة الاستعمارية، فموسكو لا تهمها الشؤون والأوضاع الداخلية ديمقراطيا وحقوقيا، عكس الغرب الذي كثيرا ما يلوح بتلك الأوراق من أجل الضغط على أنظمة العالم الثالث.

الأزمة الأوكرانية المرشحة لإعادة صياغة العالم إستراتيجيا حتمت على الرئيس الروسي إضفاء المزيد من التقارب والليونة على حليفه الإستراتيجي في شمال أفريقيا بعد تحفظ ظل يتصرف به، ولعل الصور التي التقطتها وسائل الإعلام خلال لقاء جمعه بالرئيس الانتقالي الراحل عبدالقادر بن صالح في موسكو العام 2019 دليل على ذلك، لكن الوضع تغير تماما الآن، فقد استغل فرصة استلامه أوراق اعتماد السفير الجزائري ليطلق رده على التصريحات الأميركية.

وبذلك يريد قطع الطريق على أي تقارب بين الجزائر وأوروبا والولايات المتحدة، أو ترك حليفه عرضة للضغوطات، لأنه يدرك أن الجزائر هي مفتاحه خارج قواعده التقليدية في أوروبا وحتى آسيا، فأجندة التغلغل في القارة السمراء تمر حتما عبر البوابة الجزائرية، وهو ما تجلى في قدوم قوات فاغنر إلى مالي وقبلها إلى أفريقيا الوسطى.

ولعل شهادة أوردها طيار جزائري عن إحدى رحلاته إلى روسيا بكون “الطائرة الجزائرية كانت الوحيدة في سماء ومطار موسكو، لدرجة أن أدخل الرعب في نفوس الطاقم من شدة الحصار المضروب على روسيا” تعبر عن حقيقة الوضع وعن الحتمية المستجدة على نظام بوتين لتثبيت والتثبّت من أذرعه الإستراتيجية في العالم.

وقد يكون عدم انزعاج روسيا الصريح حول دخول الغاز الجزائري كملاذ لأوروبا في ظل تعثر الإمدادات الروسية بسبب الأزمة الأوكرانية نوعا من الليونة تبديها موسكو تجاه الجزائر، فهي من جهة تعلم حاجة الجزائر إلى تلك العائدات، ومن جهة أخرى لا تريد فرض موقف حازم تجاهها، لأنها تعلم أيضا أن الضغط غير المفيد قد تكون نتائجه عكسية وهو ما لا تريده موسكو.

وفي جميع الحالات تبقى الجزائر أحد الزبائن الكبار للسلاح الروسي الذي يمول من عائدات الغاز، ويمثل عائدات للخزينة الروسية، وهو ما يكون قد أزعج دوائر أميركية طالبت الحكومة في واشنطن بمعاقبة الجزائر، لكن كان للخارجية الأميركية موقف آخر متودد للجزائر، في حين أشاد بوتين بعلاقات بلاده معها وبالحظوظ الوفيرة لتطويرها إلى سقف عال.

وهو ما يوحي بأن روسيا يقظة تجاه وضع حليفتها الإستراتيجية، ولا تريد لها أن تلقى مصير حليفهتا الأخرى سوريا التي تقطعها أزمة أمنية وسياسية معقدة منذ سنوات، فأمن واستقرار الجزائر يهمّان موسكو كثيرا، فهي تمثل آخر الأذرع التاريخية في المنطقة، ومصلحتها في قوتها واستقرارها، فكل طموح روسي لنقل مواطئ النفوذ إلى المنطقة والقارة يستوجب رعايته بقوة إقليمية ذات سيادة ومقومات اقتصادية وعسكرية وإستراتيجية.

وقد يكون تجديد بوتين لترحيبه بزيارة منتظرة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى موسكو رسالة صريحة لنوايا روسيا في تعميق تحالف إستراتيجي خارج قواعدها التقليدية، والسعي لخلق توازن بينها وبين الغرب تحسبا لأي صياغة جديدة للعالم في ضوء الأزمة الأوكرانية، فهو يعلم أن أي تفريط في الجزائر سينهي حظوظ أجندته خاصة وأن حليفته الأخرى (سوريا) صارت عبئا أكثر منها رهانا إستراتيجيا.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى