​انعدام الكتب في المدارس وتوفرها في الشوارع.. من السبب؟

> تقرير/ أحمد زكي

> بعد مرور أكثر من شهر على العام الدراسي الجديد، تواجه وزارة التربية أزمة في توفير المناهج الدراسية للطلبة، ما يهدد بانعكاس ذلك سلبا على مستوى التعليم في عدن وباقي المناطق المحررة.
وهذه المشاكل عانى منها الطلاب في مختلف مراحلهم كثيراً، جاءت الحرب وفاقمت الأزمة أكثر حتى أصبحت المشكلة الكبرى في كل عام دراسي جديد، وباتت تؤرِّق الجميع، وتُعرقل سير العملية التعليمية.

وتعاني المؤسسة التعليمية في عدن – خاصة - خلال السنين الأخيرة من تراجع كبير بمستوى أدائها، بسبب الانعكاسات السياسية عليها، التي ظهرت آثارها جلية في النقص الكبير بتجهيز الكتب الدراسية لهذا العام.
ولأهمية هذا الموضوع  سألت " الأيام" عددا من المدرسين والطلبة وأولياء أمور الطلاب من مدارس مختلفة حول الكتب التي تسلموها وجودتها والنقص الحاصل فيها.

واتهم بعض المعلمين الوزارة بالفساد ونهب ميزانية الكتب المدرسية، والتصريح دون معرفة ما يدور في المدارس، وما يعانيه المدرسون والطلاب على السواء.
وقالت الاستاذة القديرة مريم مهيوب لـ" الأيام" :"لا شك أنّ غياب الكتاب المدرسي انعكس سلباً على العملية التعليمية وعلى أداء المعلمين، حيث يضطر المعلم إلى نسخ ملازم على حسابه الخاص وتوزيعها على الطلاب وتوضيح محتوى المادة التعليمية لهم وخصوصاً المواد العلمية، أو الكتابة على السبورة، وهذا يحتاج إلى جهد ووقت مضاعفين".

وأضافت الأستاذة "أن هناك العديد من الأسباب أدّت إلى أزمة الكتاب المدرسي، أبرزها: ظروف الحرب، وتوقف مطابع الكتب المدرسية، وإهمال بعض المدارس للمستودعات المدرسية، وعدم فرز الكتب وترتيبها والحفاظ عليها، وأيضاً عدم متابعة الطلاب في تسليم كتبهم المدرسية نهاية كل عام، وحثهم على الحفاظ على الكتب وتغليفها، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب بين التلاميذ، إضافة إلى فساد بعض القطاعات العاملة في الوزارة وعدم تعاملها بمسؤولية، وخصوصاً أننا نجد الكتب في أرصفة الشوارع وتفتقر إليها المدارس، فمن منح الباعة الكتب المدرسية وحرم منها الصروح التعليمية؟".


على 1000 ريال

وانت تتجول في أرصفة كثير من مديريات عدن لابد وان تصادف باعة يفترشون الأرض ويعرضون كتباً مدرسية مرصوصة بإتقان وترتيب يعكس مراحل التعليم - المهدرة أصلا - فمن الصف الأول وحتى الثالث الثانوي ستجد الكتب متوفرة وبكميات وفيرة وبعضها مستنسخ بالأبيض والاسود. ويباع الكتاب الواحد في الشوارع ما يقارب الـ 1000ريال.

ويؤكد أحد أولياء الأمور لـ "الأيام" أنه  لم يجد لأولاده كتباً مدرسية رغم البحث عنها في كل مكان، واضطر إلى شراء بعض الكتب من الأسواق السوداء، ولكن طباعة رديئة وأسعار باهظة، ويضيف "أعرف كثيراً من الأسر عجزت عن توفير كتب لأطفالها، فإذا ما استمر الحال هكذا أعتقد أنّ العملية التعليمية في طريقها إلى المجهول".

ويتابع: سمعنا عن دعم كبير تحصّلت عليه الوزارة من قِبل عدد من المنظمات بينها منظمة اليونيسف ومنظمة كير العالمية ومؤسسة الكويت الخيرية، ولكن لم نرَ أي تغيير على الواقع، إضافة إلى دعم رئاسة الوزراء لوزارة التربية بمليار ريال.
ويتساءل "أين ذهبت كل هذه الأموال يا سعادة الوزير؟ اتقوا الله في هذا الشعب، فقد جعلتم حياته في جحيم المعاناة، وأصبح غير قادر على توفير المتطلبات الضرورية لأطفاله، ناهيك عن الكتاب المدرسي الذي أصبح اليوم صعبَ المنال، وحلماً عجز الكثير عن الحصول عليه".

واختتم حديثه بالقول: "لا ترتقي الأمم ولا تتطور الشعوب إلا بالعلم، ومن المؤسف أنّ التعليم في بلادنا يهرول إلى الوراء، فالمدارس تعاني نقصاً حاداً في إعداد المعلمين، والطلاب بلا كتب مدرسية، معاناتنا ليست وليدة اللحظة، فنحن نعانيها منذ سنين، ولم نجد حكومة جادة تساهم في حل إشكالات التعليم، فكل ما يتم عمله مجرد حلول ترقيعية قصيرة المدى، وفِي كل عام تتكاثر هذه الأزمات وتؤثر سلباً على سير العملية التعليمية ومستويات الطلبة، وهذا ينذر بصعود جيل متخلف وجاهل"
وعند زيارتنا "لمدرسة 30 نوفمبر"، الذي تعاني من هذه المشكلة تكلم معنا ولي الأمر محمد سالم حيث قال : "إن هذه المشكلة كارثة بكل معنى الكلمة وإن الطالب أصبح لا يستوعب الدروس من المعلمين بسبب عدم متابعة المدرس من الكتاب وذلك لعدم امتلاكه لها، مما يضطر الطالب النظر إلى كتاب أحد زملائه لمتابعة المعلمة وهذا غير صحيح على الطلاب حيث أنه لا يستطيع الفهم بسبب عدم الراحة في الجلسة أو النظر من زاويه منحرفة للعين مما يضطر الطلاب ترك النظر لكتاب زميله وهذا يؤدي إلى إهمال الطالب من الناحية الدراسية.

وعند زيارتنا "لمدرسة حاتم" الذي تعاني من هذه المشكلة وتحدثنا إلى وإلى الأمر رشيد أحمد والذي قال: "نتأسف على وصولنا إلى هذا الحال من تردي التعليم و عدم استطاعت الدولة أن توفر الكتب للطلاب من أجل أن الدراسة وإنشاء جيل جديد متعلم ومثقف ولكن نلاحظ ان العكس صحيح في كل شيء من ناحية التعليم، حيث قال أن التعليم هو أهم شيء للإنسان من أجل نهضة الدولة.


"تدبروا أمركم"

يقول الطالب في الصف الثامن الابتدائي، محسن محمد، الذي ذهب إلى مدرسته لتسلم الكتب، إن "مدرستي سلّمت كتبا قديمة لجميع الطلبة، وما استلمته من بعض الكتب كان عليه شرائط لاصقة لتثبيت أوراقها الممزّقة".
ويضيف محسن محمد في حديثه لـ "الأيام" أما كتاب الاجتماعيات واللغة العربية، فلم يأتون بهما، دون أن يذكروا شيئا عن موعد توفيرهما".

طالب آخر هو حيدر فؤاد، في الصف السادس الابتدائي يذكر لـ "الأيام" أن "الكتب التي تسلمها غير كاملة، بل فيها نقص على الرغم من قدم جميعها، وقال المعلم إن على الطلبة تدبر أمرهم في باقي المناهج، فهي غير متوفرة".
أما الطالبة سارة عبدالعزيز، التي في الصف السابع الابتدائي، تقول عن يوم ذهابها إلى المدرسة برفقة صديقاتها، إن "الكتب التي تسلمتها مع صديقاتي جميعها متهالكة وغير كاملة، وعند سؤالنا عن باقي الكتب، قالت المعلمة هذه التي لدينا فقط".

ويبدو أن إدارات المدارس بدأت تفرض على التلاميذ تأمين الكتب المدرسية، ما يشكل المزيد من العبء على أولياء الأمور، وخصوصا من لديه أكثر من طفل في سن المدرسة.
وهذا ما تعانيه المواطنة أم مريم من مديرية الشيخ عثمان ، التي تقول إن "المعاناة تبدأ مع بداية العام الدراسي، وأول تلك المعاناة هي شراء الكتب والقرطاسية التي ترتفع أسعارها في كل عام، وسط وضع اقتصادي صعب".

خبر مفاجئ

وتروي أم مريم بدهشة ما رأته عند ذهابها إلى مدرسة ابنتها لاستلام الكتب وتقول: "عند الذهاب لاستلام كتب ابنتي التي في الصف السادس الابتدائي تفاجأت بقول مديرة المدرسة إن كتب مرحلة ابنتك غير متوفرة".
وتضيف، أن "الجميع يعلم بأن الصف السادس من المراحل المهمة للطالب، ويجب مواكبة الدروس أولا بأول وفي هذه الحالة ماذا أفعل؟، كما لدي ثلاثة أطفال، ولا استطيع شراء الكتب أو حتى استنساخها من صديقات ابنتي اللواتي اشترين الكتب من المكتبات وبعض المحلات المخصصة لبيع الكتب.
وتتابع أم مريم موجهة حديثها لوزارة التربية بالقول "لماذا لم توفّر وزارة التربية الكتب للطلبة خلال الفترة السابقة، كما أنني رأيت الكتب في الشوارع والمكاتب تباع وتشترى، والتي يستلمها تلاميذ الصفوف الأولية وكانت متهالكة نسبيا، وأطالب من وزارة التربية أن تكون جادة وتوفّر الكتب للطلبة، الذين عانوا في السنوات السابقة من جائحة كورونا وغيرها".

إنذار سابق

وتعاني جميع المديريات في عموم محافظات المحررة من أزمة في توفير الكتب بما فيها العاصمة عدن، بحسب مدير عام تربية عدن الذي يعزو ذلك إلى عدم توفّر المخصصات المالية لوزارة التربية من أجل طباعة الكتب.
وترى نقابية لدى المعلمين الجنوبيين أن تأخير طباعة وتوزيع الكتب على الطلبة في بداية العام الدراسي ليست بجديدة، بل تكررت لسنوات عدّة، بسبب اعتماد وزارة التربية على الموازنة من الحكومة.


معالجة متأخرة

وفي هذا الجانب يذكر أحد أعضاء نقيب المعلمين، الأستاذ منيف عبدالرؤوف، أن "على وزارة التربية عدم الاعتماد على الموازنة الحكومية في طباعة الكتب، وعلى الرغم من تنبّه الوزارة على هذا الأمر لكن هذه المعالجة جاءت متأخرة، التي تتمثل بصرف أموال طباعة الكتب من وزارة المالية مباشرة، وهذا ما يجب أن تفعله وزارة التربية والتعليم والتعاقد مع مطابع الكتاب المدرسية لطباعة جميع المقررات الدراسية ".

ويضيف الأستاذ منيف أن :"على وزارة التربية التعاقد مع مطابع الكتاب المدرسي، حتى تتهيأ المطابع المدرسية أو غيرها بإعداد الكتب في وقتها المحدد، لأن طباعة الكتب وإرسالها إلى مخازن التربية يأخذ وقتا وهذا هو الخطأ الذي يتكرر باستمرار كل عام.
واختتم حديثه بالقول: أتمنى من كل أعماق قلبي الا تتكرر المشكلة السنة القادمة وان يعلموا ان الدول لا تقوم ولا تصنع الأمم إلا بالعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى