اللي ما يشتري الأخبار يتفرّج

> د. هيثم الزبيدي

>
لا أحسد محرري الصحف والمواقع الإخبارية العربية على عملهم في الشهرين الماضيين. لا نعرف إن كان مونديال قطر والعشق العربي لكرة القدم هما السبب. كان ثمة موات إخباري ينعكس بشكل واضح على ما تقدمه وكالات الأنباء من أخبار وتغطيات للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لا شك أن العالم العربي لم يتوقف إخباريًّا. لكن ما يحدث هو أن الكثير من الأخبار تقع تحت خط أو عتبة التحول من المتابعة المحلية إلى الاهتمام الإقليمي. محررو وكالات الأنباء الكبرى كانوا يعانون. اتجهوا إلى أخبار العالم، وزادت ثقافتنا بالسياسة في بيرو وبِفهْمنا لما يحدث في البرازيل. بعض الوكالات العقيمة استمرت في ممارسة هواية ترجمة أخبار لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة إلى القارئ العربي. تراجع المشروع السياسي التركي مثلا، فانكمشت التغطية الإخبارية السياسية للمنطقة في وكالة الأناضول. بالأساس، تراجع استثمار وكالات الأنباء العالمية في المراسل المحلي، ويعود ذلك إلى بعض الاعتبارات أبرزها التوفير.

استدارت الدول العربية الثرية بعيدا عن الأخبار الإقليمية وغرقت في الأخبار المحلية. وهي أخبار عن تغطيات لنشاطات ومناسبات حكومية في العموم، فيها من الصور ما يطغى على الخبر. لكي نفهم أنها صور فقط، فإن صفحات الرأي مثلا في الصحافة الخليجية لا تتناول الشأن المحلي أو تعلّق كثيرا على تلك الأحداث والمناسبات. لا تزال صفحات الرأي تتناول الحدث العربي والعالمي في الغالب. وإذا كان أهم زبون لوكالات الأنباء العالمية غير مهتم بالخبر الإقليمي، فلماذا التوسع بالمراسلين والتغطيات؟

ثم لا ننس مرحلة التعايش الجارية حاليا بين الكثير من الدول العربية. المصالحات والتهدئة وقلب صفحات الخلاف غيرت طبيعة التغطيات. الصحيفة نفسها التي كانت تكتب عن “كوارث” استضافة قطر للمونديال قبل سنتين، اليوم لا تجد حرجا في القول إن مونديال قطر كان أفضل مونديال عالمي على الإطلاق. تهمة التحرش السياسي بين الدول تراجعت إلا فيما ندر. ما يحدث في بلد مثل مصر هذه الأيام من ضغوط سياسية واقتصادية يستحق الاهتمام والمتابعة. مصر “أم الدنيا” ولا يمكن إلا أن نهتم بما يحدث فيها. لكن ألد أعداء النظام المصري قبل عامين هم اليوم الأكثر صمتا أمام الحدث المصري. كالوا الاتهامات للقيادة المصرية يوم كانت الأمور تسير على ما يرام، ويصمتون اليوم والبلد أمام مفترق طرق مصيري. تراجع الجنيه المصري خبر محلي، ومتابعته لا تعنينا.

مثل مصري بليغ نسمعه يتردد دائما: “اللي ما يشتري يتفرّج”؛ أي أنه حتى من يذهب إلى السوق ولا يريد أن يشتري شيئا، فإنه على الأقلّ يتفرج. الفرجة الإخبارية مهمة، بدلا من التهريج السابق والصمت الحالي.

العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى