قراءة في يمن ما بعد الحرب

> "الأيام" القدس العربي

> ​كشفت إحاطة المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، لمجلس الأمن حول مستجدات الوضع في اليمن، الإثنين، أن الوساطة العُمانية بين صنعاء والرياض تمضي بمعزل عن جهود الأمم المتحدة، إذ لم تتطرق الإحاطة الأممية لها حتى بالإشارة، في الوقت الذي صدرت قبل ذلك بساعات قليلة تصريحات من صنعاء تشيد بالمشاورات مع العُمانيين، وتعتبرها إيجابية على صعيد التعامل مع الملف الإنساني، والذي يتعلق بمرتبات الموظفين العموميين والمطارات والموانئ وتبادل الأسرى.

يطرح ذلك سؤالا مهما مفاده: إلى أين تمضي تسوية الأزمة اليمنية بين الجهود الأممية والوساطة العمانية؟ لاسيما وأن الوساطة العمانية لا تشمل جانب الحكومة اليمنية المعترف بها، الأمر الذي قد يقرأ فيه البعض انفراجه (مالية)، فيما يرى فيه آخرون مستوى جديدا من مستويات تعقيد الأزمة؛ الأمر الذي مازال معه السلام بعيد المنال، على حد تعبير أحدهم.

ما يؤكد ما ذهبنا إليه ليس تجاوز الإحاطة الأممية لجهود الوساطة الأخرى، وليس أيضا تجاوز الوساطة العمانية لطرف الحكومة المعترف بها، بل أيضا تأجيل موعد زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء إلى الإثنين عقب مغادرة وفد الوساطة العمانية بيوم واحد، بينما كانت الزيارة مقررة السبت.
  • مسارات الحوار
يقول الباحث اليمني، عادل دشيله لـ”القدس العربي”: “يجري الحوار في الساحة اليمنية حاليًا في مسارين: المسار الأول: هو الحوار الجاري بين المملكة العربية السعودية من جهة وبين جماعة الحوثي من جهة ثانية؛ وهذا الحوار يتم بوساطة عمانية وبضغط أمريكي. والمسار الثاني: ممثل في الوساطة التي يقودها المبعوث الأممي بين كافة الأطراف اليمنية بما فيها جماعة الحوثي”.

واستطرد: “ولذلك بالإمكان القول إن هناك محادثات منفصلة للأمم المتحدة، والتي تريد أن يكون الحوار بين كافة الأطراف اليمنية، بينما المجتمع الدولي – وعلى وجه التحديد الإدارة الأمريكية – تريد أن تُحدِث اختراقا في الأزمة بين المملكة العربية السعودية من جهة وجماعة الحوثي من جهة، مع إمكان الوصول إلى تسوية سياسية تضم جميع الأطراف اليمنية بما فيها جماعة الحوثي من خلال الأمم المتحدة”.

وأردف موضحا: “لا ننسى أن هذا الحوار الذي يجري في مسقط لا يوجد للحكومة اليمنية فيه أي مشاركة، كما أن هذا الحوار هو حوار سعودي حوثي بامتياز”. “المملكة العربية السعودية تحاول الحصول على احتياجاتها الأمنية على صعيد تأمين حدودها الجنوبية، وتحافظ على مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي؛ والحوثيون لديهم الاستعداد لتقديم تنازلات أمنية للمملكة العربية السعودية، بينما السعودية قدمت أو بالإمكان أن تقدم مساعدات مالية لجماعة الحوثي، بما في ذلك تسليم مرتبات الموظفين، وإن كان التصريح من عائدات النفط والغاز اليمنية، لكن ما تزال حتى هذه اللحظة هناك تعقيدات في المشهد”.
  • تفاهمات مفردة
ولا يستبعد الباحث دشيله أن “يتوصل الجانبان، أقصد الحوثيين والسعوديين، إلى تسوية ليست سياسية، لكنها مبنية على تفاهمات أمنية وإنسانية، أما إذا اعترفت (المملكة) بالجماعة الحوثية، ودخلت معها باتفاق سياسي مباشر؛ فإن تغنيها (أي السعودية) بالشرعية اليمنية على مدى السنوات الماضية لم يكن إلا نوعا من العبث؛ ولهذا لن تغامر السعودية بعقد صفقة سياسية بحيث تعترف بجماعة الحوثي. هي تريد أن يكون هناك صفقة سياسية تضم جميع الأطراف اليمنية، بما فيها المجلس الرئاسي وجماعة الحوثي، لكنها في نفس الوقت تريد أن تصل إلى تفاهمها مع جماعة الحوثي بمفردها، وهذه التفاهمات قائمة على المجال الأمني في المقام الأول”.

وكان مندوب السعودية في مجلس الأمن قد تحدث، أمس الإثنين، بلغة شديدة اللهجة ضد الحوثيين. وهو ما اعتبره عادل دشيله “يأتي كورقة ضغط على جماعة الحوثي كي تقدم مزيدا من التنازلات طالما أن السعودية قدمت الكثير من التنازلات لجماعة الحوثي، وخصوصا فيما يخص ملف المرتبات والملف الإنساني والاقتصادي”.
  • يمن ما بعد الحرب
وفيما يتعلق بالتسوية السياسية، ويمن ما بعد الحرب، يرى الباحث دشيله أن هذه التسوية ماتزال بعيدة المنال، مشيرا إلى أن الجماعات المسلحة تمثل معوقا أمام أي تسوية قادمة، مرجحا في حال تمت تسوية أن يتكرر السيناريو اللبناني في اليمن.

وقال، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، “بالنسبة للتسوية السياسية التي يتحدث عنها المجتمع الدولي ماتزال بعيدة المنال.. ومشروع جماعة الحوثيين ومشروع المجلس الانتقالي الجنوبي يخدمان مصالحهما الخاصة، إذ مازال هذان المشروعان يعيقان أي تسوية سياسية قائمة، ولذلك طالما وأن هذه القوى، وأقصد جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي والجماعات المسلحة الأخرى يمتلكون السلاح فمن الصعب أن نتوصل إلى تسوية سياسية شاملة، ولكن يمكن أن يتكرر السيناريو اللبناني، من خلال أن يكون هناك تسوية سياسية هشة مع احتفاظ هذه الجماعات بالسلاح؛ وهذا هو الخطر أمام أي تسوية سياسية قادمة، ولذلك حتى هذه اللحظة لا نعرف ما هو مستقبل الجغرافية السياسية، أقصد يمن ما بعد الحرب في ظل وجود الجماعات المسلحة، وفي ظل دعوات الانفصال – بمن فيهم مَن يتحدثون في محافظة حضرموت، ويريدون إقامة دولة مستقلة هناك – إلى جانب الكيانات الأخرى في المحافظات اليمنية المتبقية”.

واستطرد الباحث اليمني عادل دشيله قائلا: “هناك عدد من المعوقات لأي تسوية سياسية قادمة، أولا: تمسك الحوثي والانتقالي بمشاريعهم الخاصة، وثانيا: الأطماع الإقليمية في اليمن بما فيها الاستيلاء على الجزر والموانئ ممثلاً بما تقوم به دولة الإمارات في الجنوب، وأيضا الاستراتيجية الإيرانية؛ لأن إيران لا تريد أن ترى حلا جذريا للمسألة اليمنية. هي تريد أن يبقى اليمن مثل لبنان امتدادا استراتيجيا لها، وللتوسع في مشروعها باتجاه القارة الأفريقية، والسيطرة على المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، أن القوى المحلية الأخرى ماتزال متباعدة بشكل كبير إذ لم تقدم تنازلات حتى يتم الوصول إلى تسوية سياسية يمنية شاملة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى