​مبَارَيَات كرة القدَم والشَّاعر مسرور مبروك

> عرض: علي المحلتي

>
للكرة في شِعر مسرور مبروك نكهة خاصَّة، وتذوُّقٌ سَلِسٌ يجتذِبُ السَّمع، ويشُدُّ أوتارَ البَصَر، إذا ما كان مسرور مبروك يلقي قصِيدَةَ شعر، على دان لحج (يا طير كُفّ النيَاح) إذ نجدُ تألقاً خاصّـاً لفريقٍ أو نادٍ، دونَ إنكارٍ لإنصافٍ درجَ عليه اللحجي، في وضع المهزوم على ناصِيَةِ تليقُ به، فنلقى كرة القدم في مباراتين اثنتين للمباراةِ الواحدة، الأولى تسَنى للمشاهد أن شاهدَهَا في الميدان، والثانِيَةَ يتمَتعُ بها من يقرَأُ أو يستمِعُ قصيدةً لمسرور مبروك، يكونُ قد قالها في تلك المبَاراة، والأعجبُ في كِلـْتا الحالتين، متعة القصيدةِ الحَيَّة لمباراةٍ عَفا عليها الزَّمن. فصارَ المُتبَارُون فيها مثلَ فِلمٍ سينمائي، ولكن تمَّ عَرضُهُ على شاشَةٍ تخيُّلِيَّة، يستعذِبُ السامع قدُرَات شاعر لحج وفارس سيناريوهات جولاتِهَا.

ولعلَّ شَدَّ انتِبَاه السامع للقصيدة يجعلهُ يرحل ليُجـِلَّ الإكبَار الذي تألقَ بهِ الخالد مسرور مبروك.
فمسرور مبروك يعرضُ لوحاتِهِ الشِّعريّة بنزيف فقرٍ مُدقِع، يحتمي وراءَ ابتِسَامَةٍ عريضة، مؤمنةٍ بكنوزها التي لا تفـْني، حتى وإن لم نعُد نرَاها اليوم على وجهه، وتلك هي القناعة عند مسرور مبروك، التي أضحتِ اليومَ كنوزاً خالدة تقتنيها الثقافة، ويتحَسَّسُها المثقفون، ويسبـِرُ أغوارَها النقاد، فيُخرجُها الباحثون والمهتمون في قالب علمٍ بَهيٍّ لإثرَاء المكتبة الأدبيّة والجامعية.

ولـْيَعذرني القارئُ الكريم إن أفصحتُ بأنني لستُ من كلِّ أولئك الذين ذكرتهم، فأنا متذوِّقٌ للكلمة في سياق مشاهدِها التي يحلو لي أن أتابعَها من صوت الشاعر وإن كنتُ لا أسمعُهُ أو أراه، وأيٍّ كان هذا الشاعر، ولقد حرصتُ على أمانتي في رصد كرة القدم والمبَارَيَاتِ التي خلفها الشاعرُ الفذ مسرور مبروك رحمَهُ الله.

ولكي يكتمل فهمُ القارئ للموضوع هذا، فإنهُ لا بُدَّ من الإشارةِ إلى بعض المُفرَدَات التي يطلِقهَا الشاعر على اللاعبين وإن كانت منقولةً عن المُصطلحات الإنجليزيَّة الصِّرفة، فمثلاً:
السنتر: (Center) هو لاعب الوسط والجمع سناتر.
البَاك: (Back) لاعب الدِّفاع والجمع بَيكات.
الكونة: (Corner) هو لاعب الجناح، والجمع كونات وغيرها.
أمَّا عن مفردات لسان لحج فإنّنا نجدُ شاعرَنا يركزُ دائماً على الآتي:
1 - الزَّبط: وهو ضرب الكرة أو ركلها.
2 - البازِل: الجَمَل الذي يَهْتمُّ بهِ مولاه في التغذِيَةِ الجَيِّدة.
3 - الجـِرْبَة: إسم هيئة من الفعل (جَرَّبَ) وتستخدم لاختبار الأسلِحة.
4 - العَرْوَجَة: مقصودٌ بها المَهَارَةُ في المَيدان.
5 - التحِدْوَار: مقصودٌ بها دقة وإحكام اللاعب.
في الالتِفاف أثناء المبارَاة بما يحققُ النصر من خلال هجمَةٍ مُرتدّة.
6 - يعطشوا نار: لغةً من العطس، وهو كناية عن الاستحقاق عن جَدَارَة.
7 - حال رغدة: غير مُبَالٍ بالتدريبات.
8 - التفِشْكَار: الغرور، كذلك المدح الذَّاتي عن غير صدق.
وهناك مفردات تحاوزت في طرحها.
ولعلنا الآن نستطيع مُتابعة شاعرنا مسرور مبروك وهو يصف مباراةً جرَت بين فريق "الاتحاد"، وفريق "الأحرار":

في يوم جمعة مساء السَّبت جَتْ أخبارْ
عن يوم حامي الغبارْ
عكـرَه إلى الجوّ قد ثارْ
يوما بملعب عدن حامي وطِيسهْ حارْ
بشَعْـفِته والعِكارْ
بينِ الفريقينْ قِدْ صارْ
فريقْ دَاخِلْ عدَن معرُوف بالأحْـرَارْ
قِدْ فازْ عِـدَّةْ مِرارْ
على فِـرَقْ صِيتها طارْ
غلبْ فِرَقْ صِيتها قِدْ شَاعْ في الأقـْطارْ
لكن وُقِعْ ذا النهَارْ
مَعَ عوَلْ يعطِشُـوا نارْ
مع الفريقِ الذي صِيتهْ بـِلِعْبَهْ سارْ
في برِّها والبـِحارْ
إلى عواصِم وَأمْصارْ
فريقِنا الاتحاد البَاسِلِ المِغوَارْ
فريقِ لهْ اشتهار
أنهْ بَطلْ ليثْ كـرَّارْ
بَيكَاتِنا زَبْطهُمْ يقـرَحْ كَطلـْقِ النارْ
قـارح مدَافِعْ كبارْ
تِصِـدْ مِنوَّرْ وُطيّـارْ
كوناتِنا وَالسَّناتِرْ مِثـْلمَا الأنـْمـارْ
خِفهْ لهُمْ وَاقـْتِدَارْ
هُجُـومُهُمْ كانْ جَبّارْ
هُجُومْ حَازوا بـِهِ الإعْجابْ وَالإكـْبارْ
مِنِ الصِّغـارْ وَالكِبارْ
حقِيـقْ مَاشِي تِفِشـْكَارْ
وُهَافْ كوناتِنا في لِعْبُـهُمْ شطارْ
جـِرْبَهْ لهُمْ واخـْتِبَارْ
في العَرْوَجَهْ وَالتحِدْوَارْ
 تلك قصيدة نجمَتْ فخرا بفوز فريق "الاتحاد". ولكن دعونا نقتفي الشاعر وفريقهُ يجُـرُّ أذيالَ الهزيمَة، وماذا يجترُّ الشاعر إثـْرَ ذلك، إنهُ يقول:
الاتحـاد الذي قد كنتَ انا عِدَّه
بَازِلْ قـوِي سَاعِدَه
ماذا الذي فتِّ عَضْدَه
وُهو الفريق الشهيرِ العزمِ وُالشِّدَّهْ
وَسُمْعتهْ مَاجدَهْ
من لحج لا خلـْفِ جدَّهْ
سـيِّدْ جَميع الفِـرقْ في أرضِنا وحدَهْ
مِـرَارْ متعددة
رَوَّحْ بـِكَاساتْ عِـدَّه
الاتحاد الذي يا مَا ارْتفعْ مَجْدَهْ
كُلِّ الفِرَقْ تِحْسَدَهْ
مَا ضَعَّضعَهْ أيشْ هَدَّهْ
لمَّا نِزِل لا المُدَرَّجْ هلْ فقدْ رُشـْدَهْ
أمْ هِمِّـتهْ بـارِدَهْ
أمْ مَلّ أو كَلّ جُهْـدَهْ
أمْ بَهْ مَرَضْ قِدْ تِمَكنْ فيه، لهْ مُدَّهْ
مِنْ قوَّتِهْ جـرَّدَهْ
أم كان في حالْ رَغدَهْ
ثلاثِ اصَابَاتْ حَصّلْ سِجِّلتْ ضِدَّهْ
وَليسْ لـهْ وَاحِـدَهْ
يـِبْـرِدْ بـِهَا القلبِ برْدَهْ
وللشاعر مسرور مبروك أسلوب سَرديٌّ بديع ليس في مواضيع شعره الاجتماعي فحَسب، بل حتى في صِيَاغته الرَّاقصةِ بالكلمات، في وصف الرَّحَلاتْ فتجد قصائدَهْ مُنسابَةً دون تكَلف، مما يُدَلل على مكانته كشاعر وليس كَناظِم مُتكلف. وها هِي قصيدته التي قالها في وصف رحلته مع فريق رياضي من لحج إلى أبين يوم 13 فبراير 1966م برفقة الفنان الكبير حسن عطا وسعودي أحمد صالح، والرياضي المحترم عبدالله عوض "بيليه" وزميله محمد صالح عيسى "البَأًّه" وقد كان عنوان القصيدة (ون.. تو.. ثِري... فور جبنا). يقول مسرور:
من لحج لا أرض أبيَن سَار مَوترنا
وفيه أبطالِنا
بالخير رحنا وعدنا
رُحنا بأبطـال ناديـنا وندوتنا
جميعنا كلنا
نحنا ونـدوَة طرَبنا
يوم الخميس ليلـة الجمعة تنشرنا
ركُـوبِ بابُورنا
من لحج عصراً خـرجنا
كانت سلامه بروحتنا وعودتنا
رحله بها أنسنا
قد طـاب، يا ما انشـرحنا
"أهلي" بطل زنجبار رَحَّب بـمَقـدمنا
أهّل وسَهّـل بنا
وبعد هـذا انبسطنا
في وُسْطِ بُستان والمسبح بجانبنا
سمرَهْ وفيها الغـنا
ليلـةْ وَصلـنا سمرنا
هـزارنا في السمر يسجع وَبُلبُلـْنا
حسـن عطا عندنا
هُوه والسعـودي وسَطـْنا
حسن عطا والسعودي هم بسمرتنا
أحيوا لنا حفـْلِنا
حفلهْ بها الكلّ طِبنا
ليلـه هنـيّه بها دِرْدَاشْ دَرْدَشْنا
نِمزح مع بعضنا
هدره وضحكه ومَغـنى
وبعد في ملعب الأهلي تقابَلنا
نحنا وأهلِي بَنا
في يوم جُمعهْ لِعِبنا
أروَع مباراة بَارَانا فـأعجبْـنا
نحنا وجُمهورِنا
له بالحقيقة شِهـِدنا
بالرَّغم من أننا بالكاس قد فزنا
لا بـاس لكننا
بالحقّ نحنا نطقـنا
تأبـى بأنْ تبخسه حَقه ضمائرنا
البُخس مـش طبعنا
بكلمةِ الصّـدقِ قلنا
بالرّغمِ من قـوَّتـّه أهدَافِ سَجَّلـْنا
ما طـاق شي صدِّنا
ون.. تو.. ثري.. فور جبـنا
هذا الفريق البَطل كافح وناضلـنا
صعب المراس خصمنا
له كالـرَّوَاسي ثبَتـنا
حتى صَددناه صـدّاً عن مراكزنا
بـكل قوَّاتِنا
ونحـو جـوله هجمنا
أوَّل هـدف سَجَّله "بيليه" فارسنا
وبعدِ لاوَّل ثـنى
وزاد ثلثْ بَطلنا
رابع هـدف سجَّله "البأَّهْ" لصالحنا
تمّت مُباراتِـنا
بجـولْ "بـأَّهْ" ختمْنا
لم تتسِم بالخشونة قطَّ لِعبـِتنا
مِنهُم ولا مِننا
بالكلِّ مـاشي اصطـرَعنا
رُوح الرِّياضه تحَلت في ملامِحْـنا
والوُدّ قـد سادِنا
جُمـله سَوا هُمْ وُنِحْنا
كان الحَكم عدْلِ قيّـدْهُم وُقيّدْنا
حُكمه ضَبطْ لعبنا
لم يَغضُضِ الطرْفِ عنا
هم لم يصيحوا ونحنا مِنهْ ما صِحْنا
نِعْمَ الحَكم بَيننا
عاش الرَّشيـدي حَكمـنـا
فعاد من زنجبار منصور فيلقـْنا
والكاس في يدِّنا
بنا افـْتخرْ مجتمعنا
ذا شرحنا باختِصَارْ عن وصف رحلتنا
نشـرح لأخوانِنا
موجزْ لِقِصّـةْ سَفرْنا
أما عن تصريفات مسرور مبروك واشتقاقه للكلمات فإنها تنم عن شخصيَّة أدبية قادرة على العفويّة المقصودة ليُسَهِّل الفهم سواءً للمستمع أو القارئ، ففي هذا الدّان يأتي بأسماء مثل "تيم الحوت" وهو فريق حارة سوق الصَّيد، الوُقوت" تعني الأوقات والتوقيت، "بَمْبُوتْ" ويقصد بها "مُمْبَاي"، التـّنكوت وتعني النكات كمصدر للفعل "نكتَ ـ تنكيتاً" ويقصد بها الظرَافةَ، مَصْيُوت وتعني ذائع الصِّيت، هُرُوت جمع "هَرْتِي" وهو نوع من رصاص البنادق، نبُّوت أخذها الشاعر من "Nop" الإنجليزيَّة وصَرَّفها لمعناها وهو الضَّرب في الرَّأس، تِبْيُوت مصدر للفعل بَيَّتَ أي تبْيـِيت، بُرُوت وهي قِطع الأرض الزّراعيّة المستصلحة حديثاً، الكحُوت وتعني ذو الشَّعَر المتدَلي، العكروت صَرَّفها الشاعر من المُعكِر أي الكثير الغبار، الفِيُوت وهنا تصريف للجمع بعد أن اشتقه من الكلمة الانجليزيَّة "Fight"، وهو الضَّربَة الخاطِفة، السَّمبُوق والبُوت مُرادفتان لكلمة القارب ويعني بهما في البيت الشِّعري أنَّ الحوت غلبَ وفاز على القارب في السِّبَاق بينهما، النتوت صيغة الجمع لكلمة "Nut" الانجليزيَّة التي تعني عمليّة التثبيت في الآلات، التشموت وتعني التشميت أي المصدر من الفعل شَمَّت، وها هي القصيدة تفصح عن نفسها:
لعبه جرَت بين إم سي سي وتيم الحُوتْ
ما مثلها في الوقوتْ
حتى الحسيـني وبمبُـوتْ
لله دَرّ (السَّنح) و(هـاديِ المبخوتْ)
و(بازرَيـق) لا يفوتْ
ذكره مع (الماس) (ياقوت)
أيضا و(عمبر) مع (جودات) و (الكَتـْكوتْ)
و(الزَّخـْمِ) مولى النكُوتْ
ذي نكتِ العـدُوُ تنـْكـوتْ
(أُمْبَام) يُعْرَف بلِعْـبَه قد صَبَح مَصْيُوتْ
زَبْطه قوَارح هُرُوتْ
قوَارح الزَّبْطِ نبُّوتْ
لعْبَه شَهيره جَرَت مِبَيَّته تِبْيُـوتْ
تِقاسَمُوها بُرُوتْ
فيها (الرُّبيح) صار مِكـْفُوتْ
ولا مشى رَفـْسِ (خير الله) ولا (البَهْلـوتْ)
أعني (الرُّبَيح) الكَحُـوتْ
خدَّاع في اللعب عَكرُوتْ
جَوَّالِنا يرْدَعِ الكبَّهْ ثلاثين فـوتْ
يـرِدِّها بالفِيُوتْ
مَنْ عاينهْ صار مِبْغوتْ
وحوتـْنا قد غلبْ سَمبُوقهم والبُوتْ
رَبّـخْ عليهِ النتوتْ
شَمَّتْ بهِ الحُوتْ تِشْمُوتْ
 بقيَ لنا أن نشِير إلى أن ما وَرَد بين الأقواس هي أسماء لبعض اللاعبين من فريق الحوت (تيم الحوت) عدا (الرُّبَيح) وهو كناية عن اللون الأحمر للإنجليز إضافـة إلى الاسم العلمْ للإنجليزي (بلْ هُوتْ) (Bell Hott).
ولا أنسى أنني تركت فسحة للدارسين والباحثين والنقاد كي يتسنى لهم ترك بصماتهم في مباحثهم مستقبلا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى