القفز على حقيقة أن الأزمة بين الشمال والجنوب أفشل كل جهود السلام

> إعداد/ مركز عدن للرصد والدراسات:

>
  • هناك سياسة ترغيب وترهيب ضد الجنوب ليكون شاهد زور
  • استهداف أراضي الجنوب وقت الهدنة نتيجة لاستبعاد الطرف الجنوبي من الاتفاق
  • صفقة بين طرفين تستهدف إعادة إنتاج الماضي على حساب الجنوب
  • مصالح قوى الحرب طغت على تطلعات الشعبين في الجنوب والشمال
  • من مصلحة الجنوب رفض صيغة الحوار كطرفين ممثلين بالشرعية والحوثيين

> مقاربة المستجدات السياسية لمكانة الجنوب ودوره
تناول الجزء الأول من الورقة نشؤ وتطور العملية السياسية وبيَّن حقيقة أن الجنوب والشمال كانا ولا يزالان يشكلان طرفين رئيسيين في المعادلة القائمة وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، أكانت صراع وحروب أو مبادرات وجهود سلام كما بين أن محاولة القفز على هذه الحقيقة من خلال احتواء الجنوب ومكانته ودوره والالتفاف على قضيته وتطلعات شعبه قد أدى إلى فشل كل الجهود والمبادرات والقرارات التي صدرت في هذا الشأن، وبالتالي فإن الاستمرار في هذه السياسيات ستقود حتما إلى تكرار الفشل ومواصلة هدر الفرص وجعل الحرب خيارا وحيدا وإجباريا أمام الناس وأصحاب الحق والحقوق وضحايا الإقصاء والتهميش.

وللأسف فما يجري اليوم لا يحمل جديدا بالنسبة للجنوب حيث تدل الحوارات والصفقات القديمة الجديدة غير تغيير الشعارات والمسميات ويظهر ذلك بجلاء بما يجري مناقشته من مشاريع تتصل بالعناصر الثلاثة التالية:
  • الإنساني والحقوقي
  • الهدنة وما يتصل بها
  • التسوية السياسية
وفي كل هذه القضايا تجري الحوارات وتعقد الاتفاقات والترتيبات من وراء ظهر الجنوب، المطلوب منه أن يتحمل كلفة صفقة جزئية تتم على حسابه وفي ظل غيابه وتجاهل القضايا والتطلعات التي تعنيه، والمثير هو السعي وتحت الترغيب والترهيب لجر بعض الجنوبيين ليكونوا شهود زور في حفلة التوقيع، حتى يسهل الادعاء بأن الجنوب مشارك في العملية، وجعلها دليلا على شمولية التسوية.

وقبل تناول الشق السياسي بما فيه مسارات التفاوض وأطرافه وقضاياه، نشير بإيجاز لأمور تندرج في بند الحقوق والقضايا الإنسانية، إلى جانب الهدنة وإجراءاتها.. وننجزها في:

1 - الرواتب المتخلفة
لا خلاف ولا اعتراض على حق موظفي الخدمة العامة في الحصول على رواتبهم المتخلفة، وتعويضات منصفة عما لحق بهم وبأسرهم جراء وقف الرواتب وانهيار قيمة العملة وقوتها الشرائية، والتي لا يمكن أن يتحملها الموظف وصاحب الحق.

مما يدعو للاعتراض والاختلاف هو اتباع الانتقائية والمعايير المزدوجة في معالجة هذه المسألة، وتمثلت في الأسس التي وضعت للمعالجة وتمثلت في:
  • مرتبات موظفي الخدمة المدنية
  • حصر المعالجة للمشمولين في كشوفات الرواتب لعام 2014م
وبوضوح لا غبار فيه، فالأسس الواردة أعلاه تعني أن التسوية ستكون منحصرة في رواتب جماعات من الموظفين الذين يناصرون الحركة الحوثية أو يقيمون في محافظات خاضعة لها، ولا تشمل لا من قريب ولا من بعيد رواتب الجنوبيين مدنيين وعسكريين، الذين تم إقصاءهم من أعمالهم عام 1994م ، وحرمانهم من حقوقهم المادية والعينية، إضافة الى شرائح أخرى جرى حرمانها من حقوق مكتسبة عند تطبيق استراتيجية الأجور عام 2004م.

وعليه يمكن القول أن هذه المعالجة الانتقائية لا تأخذ بعين الاعتبار قرارات مؤتمر الحوار وأحكام وقرارات القضاء، ناهيك عما لهذه القضية من أبعاد وطنية وسياسية واجتماعية وحقوقية وإنسانية، وتأثيرها على التطورات القادمة بما فيها التسوية السياسية.

والمثير للاشمئزاز هو أن دور الجنوب قد انحصر في تحمله للأعباء المالية التي تتطلبها التسوية الجزئية المشار لها أعلاه.

2 - الهدنة ووقف إطلاق النار
في هذه المسألة جرى عزل الجنوب عن الحوارات والاتفاقات الماضية وإعلان الهدنة التي جرى تمهيدها، وإلى ذلك استمرت الاعتداءات العسكرية على أراضي الجنوب وعلى قواته وتصاعدت العمليات الإرهابية على أرضه، كما شهد تشديد للضغوط وحرب الخدمات ومفاقمة معاناة مواطنية، والذي تعتبر وجه آخر للحرب.

وخلاصة القول في هذه المسألة أن ما يجري على هذه الصعيد لن يراعي حق الجنوب الذي كان ضحية لحربين عدوانية ولازالت بعض من أرضه تخضع لسيطرتها، ولحقه في المشاركة الندية باعتباره يشكل طرفا رئيسيا وليس ملحقا بغيره، وهو ما تستوجبه التسوية الشاملة.

ولا ريب في أن ما تمت الإشارة له لا يدعو للتفاؤل تجاه ما هو قادم، ولكنه عزز المخاوف والشكوك، وأكدت على أهمية اتباع الحيطة والحذر وإعادة قراءة المشهد ومراجعة الحسابات وتصويب الخطوات والاتفاقات التي جرت في الماضي القريب، والتي من شأنها أن تقود الى أزمات وتوترات ومزيد من الضغوط على الجنوب وتضييق الخيارات أمامه، وإدخاله في ترتيبات جديدة وغامضة، تجره إلى مصيدة سياسية، تحت مسميات وشعارات فضفاضة، والتي تبدو مؤشراتها ومقدماتها واضحة لكل ذي بصر وبصيره.

قد يطرح سؤال بشأن الدوافع التي جعلتنا نفرد قسم خاص من المداخلة لعلاقة الجنوب بالعملية السياسية، بما فيها المفاوضات والتسوية، وهو تساؤل وجيه وله مبرراته، وسوف تتم الإجابة عليه في هذا الجزء من المداخلة إضافة إلى ما جاء في القسم الأول، وبشكل سريع نلفت الاهتمام بالمسألتين التاليتين:

الأولى: الدور الحاسم للجنوب في نجاح العملية السياسية بأهدافها المعلنة أو فشلها، وقد سبق أن أكد "البعض" بان لا تسويه شاملة ولا سلام مستدام دون مشاركة الجنوب.

الثانية: في تناقض صارخ مع أهداف العملية السياسية يلحظ وجود توجه قوي لأطراف فاعلة ومتدخلة لحرف العملية السياسية عن مسارها. وخفض سقف أهدافها المقرة. وذلك من خلال تحويلها إلى صفقة بين طرفين، يتقاسمان بموجبها السلطة والنفوذ وعلى أطراف رئيسية أخرى.

ومما لا شك فيه أن الصفقة بين الطرفين والتي تستهدف إعادة إنتاج الماضي ستكون على حساب الجنوب وقضيته، ومن شأن صفقة الطرفين أن تؤدي إلى تشكيل تحالفات مضادة، وبالتالي العودة إلى مربع الصراع والحروب "وكأنك يا بوزيد ما غزيت" كما يقول المثل الشعبي.

أن تجاهل الحقيقة والواقع اللذان يشيران إلى وجود طرفان رئيسيان هما الجنوب والشمال، بإسناد الدور لطرفين آخرين هما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وحركة أنصار الله، والسعي إلى حصر موضوع التفاوض والتسوية على الخلاف بين الطرفين الذي نشأ عام 2014م وكان نتيجة لتفاعلات عميقة وقضايا جوهرية وحروب وثورات سابقة له سوف لن يحقق قطيعة نهائية مع الحروب، ولن يجلب السلام، بل سيفتح صفحة جديدة من تاريخ هذه البلاد لحروب قادمة وتدخلات جديدة سوف تتعدى حدود الحرب الجارية، كما ستقود العملية السياسية ودور المجتمع الدولي إلى فشل محتم.

إن ما يجري اليوم على هذا الصعيد يتجاهل تماما إرادة وتطلعات الشعبين في الجنوب والشمال، لصالح تبني رؤية ومصالح قوى الحرب، إلى جانب أطراف داخلية وخارجية أخرى، وهو الاستنتاج الذي خلصت اليه تقارير منظمات دولية مرموقة ومراكز دراسات وأبحاث، وخبراء في الشأن اليمني.

لقد نُظر للجنوب عندما تمسك بحقوقه ودوره ومكانته السياسية وبالتسوية الشاملة والسلام المستدام بأنه يشكل عقبة في طريق مشروع حوار "الطرفين" والصفقة بينهما، وتم العمل باستراتيجية الإضعاف الممنهج للجنوب، وتشديد الضغط عليه من خلال اتباع سياسات العصا والجزرة، وفرق تسد، والحروب الساخنة والناعمة واستهداف مجتمعه بالتفكيك إلى كيانات متعارضة، وتجزئة قضيته الوطنية الواحدة، إلى قضايا محلية فرعية، وإفراغها من مضامينها وأبعادها، ومعها مشروعه السياسي الواحد إلى مشاريع عدة وخاصة بكل جماعة وقبيلة ومنطقة. وبوتائر عالية يجري العمل لإجباره على التخلي عن قضيته الوطنية السياسية، مقابل وعود خاصة بما سمي بقضية الخدمات، والتي تعتبر وسائل للخداع والتضليل، حيث لا يمكن ولا يجوز جعل الرواتب والخدمات ادوات للضغط والابتزاز او جعل الوفاء بها مشروطا بتنازلات سياسية لم يسبق أن فُرضت على أي شعب آخر.

وبإيجاز شديد يمكن الإشارة لما يوجهه الجنوب في النقاط التالية:
1 - إنكار البعض لحقيقة وجود القضية الجنوبية، والسعي للالتفاف عليها وتجريدها من أبعادها ومضامينها، والحط من مكانتها، والعمل الحثيث والممنهج من أجل تحويلها إلى قضية "ادعاءات" بوجود مظالم حقوقية، ومطالب خدمية، تخص أفرادًا وجماعات ومناطق بعينها، وهو الذي يعني إنكار وجود قضية جنوبية يلتف حولها كل الشعب، أو أغلبيته الساحقة. من مؤشرات هذا التوجه وهذه الممارسة ما يجري من محاولات للانقضاض على المكانة السياسية للجنوب واستقلالية دوره في المفاوضات إلى جانب أمور أخرى.

2 - اتباع سياسات وتكتيكات لئيمة في التعاطي مع الجنوب واستحقاقاته، بما فيها سياسات فرق تسد، والعصا والجزرة والتضليل والخداع، ويدل الواقع على وجود إصرار على جعل الجنوب يعيش دائما في عزلة وحصار، وفي حالة من العجز والفوضى، ومهدد بكل المخاطر، ويعاني من كل الضغوط والأزمات وأشدها، ومهدد بالتجزئة، وبصراعات وحروب محلية وثمة من يعمل على وضع العصي في دواليب الحوار والتوافق الجنوبي.

3 - التمسك بالسياسات والإجراءات والممارسات التي تكرس تبعية الجنوب للشمال، سياسياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتعليمياً، وإدارياً، وفي كل جوانب الحياة العامة، والاستمرار في نهب ثروات الجنوب وموارده، ومواصلة المظالم والحرمان والإقصاء الذي عانى منه الشعب طوال سنوات ما بعد احتلاله 1994م, حيث بلغت بعض إحلال السلام، نخص بالذكر ما جاء في اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة وتشكيل حكومة المناصفة ومجلس القيادة الرئاسي التي تجاهلت حقيقة وجود الجنوب بكل ما يمثله وبكل أبعاده، حيث حرمته من المشاركة في صنع القرار سواءً على مستوى الحكومة أو الرئاسة، والأخطر من هذا أنها أرادت تذويبه في إطار منظومة الاحتلال وقوى الماضي التي أوصلت الجنوب والشمال إلى ما وصل إليه اليوم.

4 - إقصاء الجنوب كلياً عن منظومة العلاقات والصلات مع العالم الخارجي، حكومات ومؤسسات ومنظمات، وفي سائر المجالات، وهو الذي يعني مواصلة لسياسية محاصرة الجنوب وعزلة عن العالم الخارجي في مرحلة مفصلية، وتشويه وتزييف ما يجري على أرضه وباسمه ولغير صالحة، من بين النتائج الخطيرة لهذا النهج ما يجري اليوم على صعيد طبخ الصفقة "التسوية"، التي ستكون على حساب الجنوب، والهدنة الممددة التي يظهر وكأنها لا تشمل الجنوب، والسعي لمعالجة قضايا الرواتب التي سوف لن تشمل رواتب وحقوق عشرات الآلاف من الجنوبيين الذين ينتمون إلى جيلين، ومسائل حقوقية هامة لشرائح أخرى، ويحصل ذلك دون اعتبار للتنازلات الهامة التي قدمها الجنوب.

5 - وهناك من يعمل جهاراً نهاراً على تفكيك مؤسسات الجنوب العسكرية والأمنية وإخراجها عن الجاهزية، إن تعذر عليه دمجها مع المليشيات الحزبية والقبيلة الشمالية، وإخراجها من دائرة الولاء للجنوب.

أن مشاركة الجنوب في العملية السياسية ينبغي لها أن تعكس المكانة السياسية للجنوب، وتجسد حقيقة وجود طرفين رئيسيين للازمة والصراع.. و للمعادلة القائمة بكل أبعادها وتطوراتها وأحداثها وهما الجنوب والشمال، وهي الحقيقة التي جرت مراعاتها من قبل مؤتمر الحوار عندما قرر وبإجماع المشاركين فيه اعتماد مسار خاص للحوار حول القضية الجنوبية على قاعدة حوار نِدِّي بين الطرفين الاساسيين "الجنوب والشمال"، عندما وضع القضية الجنوبية في مقدمة جدول أعماله، واعتبر أن حلها يعتبر مدخلاً لمعالجة بقية القضايا، ومما له دلالته قرار المؤتمر الذي نص على مناقشة وإقرار الحلول الخاصة بالقضية الجنوبية قبل البت بالمقترحات الخاصة بالدستور وبناء الدولة.

لقد كان نشؤ القضية الجنوبية ببعدها الوطني والسياسي نتيجة لفشل مشروع الوحدة بين الدولتين وإسقاطها نهائيا بالانقلاب عليها وعلى مضمونها التشاركي السلمي والطوعي بين طرفيها، وذلك بلجوء نظام "الشمال" لخيار القوة والحرب على "الجنوب" حتى تمكن من احتلاله وإخضاعه للسياسات الاستعمارية، جاعلاً من القوة والغزو والاحتلال بديلاً عن الجهود والتدخلات التي سعت لحل الازمة السياسية من خلال الحوار السياسي تحت رعاية إقليمية ودولية، وعلى أساس قراري مجلس الأمن الدولي 931 و924 لعام 1994م, وهي الإجراءات التي أسست من يومها العملية السياسية التي ترعاها الامم المتحدة والمستمرة حتى اليوم.

أن كل ما يجري اليوم من سياسات وممارسات عدوانية ممنهجة تستهدف الجنوب وقضيته العادلة، وتطلعات شعبه المشروعة ومكانته السياسية بما فيها دوره النِدي والمستقل في المفاوضات إنما تشكل في الواقع استمراراً لما حصل قبل حوالي ثمانية وعشرون عام، ودفاع عن نهج الحرب ونتائجها التي شكلت في نظر قوى الحرب انتصارا للضم والإلحاق وعودة الفرع إلى الأصل.. وهذه هي النتائج الجوهرية الوحيدة لمحاولات الالتفاف على القضية الجنوبية، وعلى مكانة الجنوب السياسية بما فيها دوره على صعيد المفاوضات والتسوية.

أن عملية التفاوض والعملية السياسية برمتها لا تعتبر هدفاً بحد ذاتها بقدر ما تشكل وسيلة لتحقيق الأهداف المنشودة، وعليه فإن قرار المشاركة فيها ينبغي أن يستند على أسس وحجج مقنعة، ومن أهمها توازن العملية السياسية وشموليتها وحيادية رعاتها، والأطراف المتدخلة والمؤثرة على سيرها ونتائجها.

ومن حق الجنوب وأي أطراف أخرى الاعتذار عن المشاركة في عملية سياسية مختلة، ومختطفة، ومجيّرة لصالح أطراف بعينها، أو إن كانت تستهدف إضفاء شرعية على صفقة طبخت من وراء ظهر أصحاب الحق.

من مصلحة الجنوب ومن واجب سائر القوى التي تمثله وتقود نضاله وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي أن ترفض صيغة "الطرفين" المطروحة حالياً، أو المشاركة في مفاوضات تنحصر بأحداث وتطورات السنوات الثمان الأخيرة. وأن يرفض المشاركة في أي عملية تفاوضية إذا ما تم تشتيت التمثيل الجنوبي إلى أطراف متعارضة، لكل منها قضيته ومشروعة، الذي سيقود إلى تفكيك الجنوب، والإجهاز على المشروع السياسي الجامع لكل الجنوب والجنوبيين.

يتضمن المخطط المطروح للعملية السياسية العناصر التالية:
أولا: مرحلة انتقالية تقودها حكومة توافقية من الطرفين يتم خلالها سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وتسلم لوزارة الدفاع، ودمج كل التشكيلات العسكرية والأمنية وإخضاعها لقيادة وزارتي الدفاع والداخلية.

ثانيا: إجراء المفاوضات بين الطرفين حول أزمة 2014 واستيلاء الحوثيين على صنعاء، والتوافق على:

1 - إقرار صيغة نهائية لمشروع الدستور، وبدء سريانه من حين توقيع الطرفين عليه وإصداره من قبل قيادة الدولة، ويؤجل الاستفتاء عليه ليتزامن مع الانتخابات العامة، الرئاسية أو البرلمانية.

2 - التوافق على الإجراءات المتعلقة ببنية الدولة، وفقا لنصوص الدستور، وسيكون الاختيار بين إما الدولة الفيدرالية، أو نظام الاقاليم، وستترك التفاصيل الهامة لقانون يتولى إصداره البرلمان القادم (والذي سوف لن يرى النور).

ثالثا: وعلى ضوء ما سوف ينص عليه الدستور القادم، تنظم انتخابات رئاسية، وأخرى برلمانية وتقوم الأغلبية بتشكيل الحكومة الدائمة، وبذلك يسدل الستار على الأزمة، وتدخل البلاد مرحلة عنوانها التسوية المؤيدة من الإقليم والمجتمع الدولي.

ووفقا لهذا السيناريو المطروح والمرجح أن يتم العمل به، سوف يتحقق إقصاء الجنوب وإخراجه من المعادلة العامة وحرمانه من القيام بدوره وإسقاط قضيته الوطنية السياسية وتجزئتها إلى قضايا محلية ومطالب تتعلق بادعاءات بوجود مظالم وتدهور في الخدمات، وتذوبه وإخضاعه لنهج الحرب والسياسات الاحتلالية ومشروع الضم والإلحاق.

ما ينبغي إدراكه هو أن لا صحة لما يشيعه البعض بشأن وجود مرحلة ثانية للعملية السياسية، سيتم فيها التفاوض حول القضية الجنوبية، ولا وجود لضمانات يعتد بها تضمن للجنوبيين بحث قضيتهم في مرحلة لاحقة، خاصة وتلك العملية ستتم بعد أن يتم الاستفتاء على الدستور وانتخاب وتشكيل هيئات الدولة القادمة وعودتها إلى صنعاء، والحقيقة إن مثل هذه الاطروحات الغير ممكنه عمليا تعد مجرد ادعاءات للخداع والتضليل.

في سياق هذا الاستعراض من المهم التطرق لبعض ما ورد في وثيقتين مرجعية تتصل بما نحن بصدد بحثه وهي اتفاق الرياض الموقع عليه في نوفمبر 2019م من قبل كل من المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وإعلان نقل السلطة الصادر بتاريخ السابع من ابريل 2022م.

لقد نص البند (8) من اتفاق الرياض: "يشارك المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية المدعوم من النظام الايراني", ونصت المادة (7) من إعلان نقل السلطة على: "يتولى مجلس القيادة الرئاسي التفاوض مع أنصار الله الحركة الحوثية" لوقف اطلاق نار دائم في كافة انحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من مرحلة الحرب إلى حالة السلام".

يدل ما جاء في الاقتباسين الواردة أعلاه على:
- وجود نوايا مبيتة وإصرار على استهداف المكانة السياسية للجنوب، ودوره باعتباره يشكل طرفاً رئيسيا إلى جانب الشمال.

- أن إلحاق الجنوب بجسم تفاوضي واحد مع القوى الشمالية يعني أن ليس للجنوب قضية خاصة به، وليس لشعبه تطلعات وطنية وسياسية معروفة للقاصي والداني، وليس ثمة ما يستحق البحث على صعيد مستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب.

أن الهدف من وراء حشر المشاركة الجنوبية في المفاوضات في إطار وفد الحكومة يعني هو تسليم الجنوب بما يمثله من ثُقل ومكانة ورمزية لأطراف شمالية توظفه لخلق توازن مع الطرف الشمالي الآخر (الحوثيين)، وبما يساعدها على إبرام صفقة بين الطرفين أي مع الحوثيين ستكون حتماً على حساب الجنوب.

والسؤال هنا.. ماذا لو رفض أنصار الله التفاوض مع مجموعات واشخاص تنتمي للشمال أولاً، أو تتبع أحزاب ومكونات هي أصلا متحالفة معها، وتمارس نشاطها ودورها من صنعاء؟

لم توضح الوثيقتين هل تعني مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي أنه يمثل الجنوب، وهو ما كان يجب النص عليه صراحة في الوثيقتين والاعتراف به بوضوح من قبل الأطراف الأخرى بما فيها الإقليمية والدولية، رعاة الاتفاقيتين والعملية السياسية، أم أن ما تقصده الوثيقتين هو أن المجلس الانتقالي يمثل ذاته، مثله مثل غيره من الأحزاب والكيانات الأخرى؟ وهو الذي يدعو للسؤال عن من سيمثل الجنوب في المفاوضات؟

كما أن البند الـ (8) والاتفاق كله لم يحدد مسائل جوهرية مثل:
- هل تعني مشاركة الانتقالي من خلال وفد الحكومة، الالتزام بمشروع الحكومة للمفاوضات، وللقيادة والمرجعيات التي ستعينها الحكومة، أم ستكون له استقلاليه سياسية تامة، ومشروعه السياسي الخاص، وقيادته ومرجعياته؟

وبدورها تطرح المادة السابعة من إعلان نقل السلطة العديد من الأسئلة والملاحظات.. من أهمها:

- من أين استمد الرئيس الأسبق هادي شرعية قيامة بحسم قضايا جوهرية وشؤون مستقبلية بعد إعلانه "نقل كامل وشامل" لصلاحياته الدستورية لمجلس قيادة رئاسي قام بتسمية أعضاءه ورئيسه (الفقرة (أ) من المادة الأولى من الإعلان).

ومن أين استمد شرعية أن يقرر بالنيابة عن شعبين، ويقوم بتفويض "مؤسستين" بتقرير مصير ومستقبل شعوب بدون تفويض منها، خاصة والجميع يعلم أن كل من الحركة الحوثية ومجلس القيادة الرئاسي لم ينتخبا من الشعب، ولم يحصلا على تفويض شعبي يمنح المؤسستين شرعية تجيز لها التفاوض واتخاذ القرارات نيابة عن أصحاب الحق.

هل ستؤدي صفقة الطرفين إلى قيام تحالفات معارضة لها، وبالتالي الدخول في جولات جديدة من الصراع والحروب.

استخلاصـات وتوصـيات:
1 - إعادة قراءة وتقييم العملية السياسية، واعتبارها وسيلة وليس هدفا، ومن حق أي طرف أن يقرر مشاركته فيها من عدمها بناء على حساباته الدقيقة، ومصالح من يمثلهم.

2 - أن يتصدر هذا الاستحقاق الحوار الجنوبي، بمشاركة سياسية ومجتمعية ونخبوية، وصولا إلى رؤية موحدة، ومشروع سياسي واحد، وجسم تفاوضي موحد، يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي ورفض تجزئة المشاركة الجنوبية إلى إطراف متعارضة مع بعضها.

3 - التمسك بخيار التفاوض حول القضية الجنوبية في مسار خاص على قاعدة مفاوضات بين طرفين هما الجنوب والشمال، ولا ضير بعد ذلك من الدخول في مسارات مشتركة، تبحث في المشتركات الاخرى.

4 - وضع معايير وأسس لتشكيل وفود التفاوض الرئيسية، بما يجعلها تعكس أوسع ما أمكن من التمثيل والتنوع بكل أبعاده، بما فيه تمثيل النساء والشباب، وكل أطراف الحق وأصحاب المصلحة.

5 - من الأمور التي تستحق التفكير والاهتمام، ما يطرح عن تبني حوار بيني جنوبي- جنوبي، وحوار آخر شمالي - شمالي، يتم بعدها الانتقال إلى المفاوضات العامة، بين الطرفين، أو بين الذين يعبرون عن رأي وقناعات الأغلبية في كل من الجنوب والشمال، بما يجعل النتائج تتسم بالشرعية، وبالتالي لا يستطيع أي طرف الطعن في شرعيتها أو الانقلاب عليها وفي أي وقت.

6 - من مسؤولية كل الأطراف الجنوبية اعتبار القوات المسلحة الجنوبية والأمن خط أحمر، في وجودها وعقيدتها، ووظائفها، وجاهزيتها، وبنائها المهني والمؤسسي.

ختاماً نذكِّر كل المهتمين ومن يعنيهم الأمر بأن مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب سبق له أن نظم سلسلة من الفعاليات الحوارية تحت عنوان "طريق الجنوب إلى مفاوضات سياسية ناجحة" جرى ذلك في النصف الأول من عام 2018م. وشارك فيها قيادات جنوبية مثلت المجلس الانتقالي الجنوبي، الحراك الجنوبي السلمي، والمقاومة الجنوبية, ومعظم المكونات السياسية، والنسوية والشبابية ودبلوماسيين وأكاديميين وحقوقيين وغيرهم، وقد تم حينها تسليم المادة النهائية لقيادة المجلس الانتقالي ولغيره كما تم نشرها كاملة على صدر صحيفة "الأيام" الغراء، ونرى اليوم أن تلك المادة بما فيها من استخلاصات ومقترحات لازالت صالحة وتحتفظ بقيمتها وأهميتها وننصح بالاستفادة منه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى