"صوت الأرض" الفنان السعودي طلال مداح وأغنية الزين جزع مرة «العدنية»

> الفنان/ عصام خليدي:

>
أعترف أنني أحب وأعشق صوت الأرض الفنان الكبير السعودي والعربي طلال مداح -رحمه الله- يعجبني في صوته وعُربه وحُلياته وأدائه المتميز الرصين وتعابيره المفعمة بالأحاسيس المليئة بالمشاعر الإنسانية الفياضة المتدفقة بالصدق والشجن الجميل المحبب إلى الوجدان والقلب، أحتفظ في مكتبتي الغنائية الموسيقية بتسجيل-نادر- لأغنية "الزين جزع مرة" بصوت طلال مداح التي تعتبر من أجمل وأروع وأهم الأغاني العدنية التجديدية، فهي تستند في مضامينها وسياقاتها الميلودية النغمية الموسيقية والإيقاعية بارتكازها واشتغالها على محورين هامين :

يتجسدا في العمق والبساطة بالإضافة لديناميكية ورشاقة وحركة اللحن وتنويعاته، بل ونستطيع القول أن "البامدهف" الملحن العبقري الذي صور ورسم  بأعماله وأغنياته خارطة الزمان والمكان بحرفية غير مسبوقة تتجلى بقدرته وإمكاناته في هذا العمل الفني المتفرد الذي ُيبرز من خلاله ويظهر سمات وملامح وهوية ومذاق غناء عدن، بمعالمها الأثرية والدينية وحواريها وأزقتها وشوارعها العتيقة : حافة حسين، حافة الشريف، القطيع، الطويلة، سوق الحدادين، حافة القاضي، أبان، الخساف، سوق الطويل، والزعفران ..

أنني كل ما أستمع الى صوت "البامدهف" العذب والمرهف المضمخ والمعطر بعبق ونسائم وروائح البخور والعود والمسك واللبان والبن والزعفران المنبعـث من حنجرته المخملية وصبابته الصافية العدنية، أحلق على بساط الحانه وأغانيه عائداً إلى أدق التفاصيل والأجواء والأمكنة والطقوس في الخمسينات والستينات من القرن الفارط في مدينة عدن تلك الحقبة الزمنية الذهبية، لقد أستطاع بفذاذته أن يعيدنا بأغانيه والحانه المتميزة الرائعة:

الزيــن جــزع مــرة، قولوا له، من علمك يا كحيل العين، على إيش على إيش، من جمالك، يا زين المحيا، بالله ما شان الجفاء، تغيبت يا ناظري، أسأل عليا أسأل.. وغيرها من الأغنيات العذاب.
 أعادنا بنغماته والحانه وموسيقاه لنستمع ونشاهد ونتأمل في وقت واحد لجمال وروعة الصورة الحية النابضة الراسخة في المتاحف والآثار العدنية: قلعة صـيرة، حقـات، الصهـاريج، مسـجد أبان، منـارة عدن، أبـوالوادي، المـعاشيق ... وغيرها من الأماكن التي تؤكد عبقرية الإنسان وعظمة بناءاته الهندسية المعمارية في مدينتنا الأسطورية الفاضلة الممتدة عبر العصور والأزمنة بزهو وشموخ وكبرياء شاهدة على تاريخ وحضارة متأصلة جذورها وضاربة في أعماق الأرض العدنية ووثيقة بها منذ الأزل وبداية الخليقة.

ولا ننسى حالة التمازج والتناغم والانصهار الروحي الوجداني والرومانسي في أغانيه وتأثره بالطقوس والمناخات الصوفية و بأسلوب غناء المداحين والنساء في الأعمال اليومية وغناء الأعراس، كما كان للمناسبات الدينية والصوفية لأولياء الله الصالحين أهمية بالغة أهمها زيارة ولي الله الصالح (العيدروس) الذي كان يفدُ إليه زواره ومحبيه من كل أنحاء عدن وخارجها ومايتضمنه من عروض للفنون الشعبية
وللبعد الجغرافي لعدن كممر بحري هام أثره الإنساني والإبداعي.

خلاصة القول:
"استوعبت وبلورت ومزجت تجربة الفنان البامدهف الغنائية الموسيقية، كل مقومات وعناصر ومكونات الطبيعة والبيئة والإنسان في (مدينة عدن) فوجد ضالته اللحنية النغمية بالإيقاع والجرس الموسيقي الموجود بالكلمة واللفظة المتداولة في قلب ونبض الشارع العدني وفي مختلف النواحي :

ثقافيا، اقتصاديا، جغرافيا،  وسياسيا
ليقدم النموذج الفني الاستثنائي للجماهير العريضة لتجربته الإبداعية العدنية واليمنية في الجزيرة العربية والخليج والوطن العربي من أدناه إلى أقصاه فناً مغايراً حديثاً متجدداً ومعاصرا.

التحليل المقامي والإيقاعي:
استخدم الفنان سالم بامدهف في أغنية الزين جزع مرة مقامات متعددة منها (مقام الرست على درجة الـدو) بالإضافة إلى (مقام الحجاز على درجة الصول) في الكوبليه (كعارضة نغمية مقامية في قمة الروعة والجمال) وقدمها على (الإيقاع العدني الشرحي 6/8) وربما لعذوبة وبراعة هذا (اللحن الخالد)
الذي لفت وشد انتباه الفنان الكبير طلال مداح وغناه بأسلوب ساحر جميل أخاذ، أعود إليه كلما ازدادت وطأة الضجيج والعبث والفوضى وأصوات النشاز التي نستقبلها عبر الفضائيات وما تبثه وتفرضه علينا من أغانٍ هابطة تخاطب الجسد والغرائز الحسية.
إننا في زمن (التلوث) السمعي والبصري والروحي.

محطات هامة في تجربة (البامدهف) الغنائية الموسيقية:
1 - كان الفنان سالم بامدهف واحداً من أهم مؤسسي (رابطة الموسيقى العدنية) التي تشكلت في عام 1951)م.
2 - تميزت غنائياته بفذاذة اللحن ورشاقة الإيقاع  ورهافة وعذوبة الصوت.
3 - وجد ضالته اللحنية النغمية بالإيقاع والجرس الموسيقي الموجود بالكلمة واللفظة المتداولة في قلب ونبض الشارع العدني ، بالإضافة لتأثره بالطقوس والمناخات الصوفية /الدينية/ الاجتماعية/ والجغرافية في مدينة عدن.
4 - (تغيبت ياناظري) تعد بقيمتها الأدبية وروعة مستواها الغنائي الموسيقي (موشحا يمنيا خالدا).
5 - قدم أعمالاً (غنائية بالشعر الفصيح راقية الشكل والمضمون ) تعتمد على منهاج الوثبات المقامية والمساحات الموسيقية الرحبة.
6 - شكل البامدهف (ثنائية فنية رائعة ناجحة) مع الدكتور الأديب الشاعر محمد عبده غانم تميزت بين خصائصها العدنية وأسلوب الحداثة والمعاصرة في الغناء التجديدي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى