ما هي خريطة الصراعات المحتدمة في البحر الأحمر؟

> «الأيام» عربي بوست:

>  تشغل الحروب في اليمن وليبيا وسوريا وفلسطين شاشات القنوات الفضائية، في حين أن صراعات أخرى لا تقل أهمية تحتدم فوق مياه البحر الأحمر دون أن تلفت انتباه الجمهور، إذ يُنظر إليها باعتبارها جزءًا من صراعات أخرى.

فأخبار من نوعية توقيف الجيش الفرنسي في يناير الماضي قاربا إيرانيا خلال توجهه إلى اليمن، محملا ببنادق وصواريخ مضادة للدبابات، واستيلاء السفينة الحربية الإيرانية "جمران" على قاربين أمريكيين غير مأهولين لمدة يومين بالقرب من الساحل اليمني على البحر الأحمر في أغسطس 2022م، تُقرأ في إطار المناكفات الغربية الإيرانية.

كما يُفهم وجود قاعدة عسكرية أمريكية وصينية على بُعد أقل من 10كم من بعضهما البعض في جيبوتي، على تخوم مضيق باب المندب، على أنه ضمن التنافس الصيني الأمريكي، فيما يقرأ حادث الهجوم على المدمرة الأمريكية كول في عدن عام 2000 على أنه جزء من حرب تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة.

يجمع بين الأحداث السابقة أنها جرت فوق مياه البحر الأحمر، أو في خليج عدن وبحر العرب، قرب مضيق باب المندب الذي يمثل إحدى نقطتي الاختناق للبحر الأحمر الذي يضيق عند أقرب ضفتين، ليصل إلى 29كم فقط، فيما توجد نقطة الاختناق الأخرى في الشمال عند قناة السويس، والتي أدى تعطل السفينة "إيفر جرين" بها لمدة 6 أيام منذ عامين إلى تعطل حركة التجارة الدولية.
  • الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر
البحر الأحمر هو عقدة اتصال استراتيجي تربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي، وبحسب دراسة نشرها مؤخرا مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية البريطاني في دورية "Survival"، تمر عبر مياه البحر الأحمر نحو 12 % من التجارة العالمية المنقولة بحرا، و40 % من تجارة أوروبا مع آسيا والشرق الأوسط، و8 % من النفط المنقول بحرا.

كما أن نحو 15 كابلا بحريا تمر تحت مياه البحر الأحمر وخليج عدن، لتنقل نحو ثلث حركة وتدفقات شبكة الإنترنت عبر العالم، وهو ما يجعل القادة العسكريين والخبراء الاستراتيجيين ومراكز الدراسات تولي اهتماما كبيرا بالبحر الأحمر وما يدور فوقه وحوله من صراعات ذات أبعاد دولية وإقليمية.

توجد قوات عسكرية في البحر الأحمر وبالقرب منه لنحو 10 دول أجنبية من أبرزها الولايات المتحدة، فبالنسبة لواشنطن يمثل البحر الأحمر خطا لوجستيا حيويا في نقل المعدات العسكرية والقوات من أوروبا إلى المحيط الهندي وشرق أسيا، مما يعزز الهيمنة الأمريكية عالميا.

لذلك توجد القاعدة العسكرية الأمريكية الرسمية الوحيدة في القارة الإفريقية في جيبوتي قرب مضيق باب المندب، وقد تأسست تلك القاعدة في البداية عام 2002 بحجة مكافحة الإرهاب، نظرا لحوادث سابقة تم فيها تنفيذ هجمات ضد المصالح الأمريكية عبر البحر الأحمر من قبيل استهداف المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن، ونقل الصاروخين المستخدمين في محاولة إسقاط طائرة مدنية إسرائيلية في كينيا عام 2002 من اليمن بحرا إلى الصومال ثم كينيا، فضلا عن وجود تنظيم القاعدة في اليمن والصومال، وتنقل عناصره بينهما عبر خليج عدن.

مع تنامي ظاهرة القرصنة قرب السواحل الصومالية في عام 2009، أرسلت العديد من الدول سفنها الحربية لحماية خطوطها الملاحية، وبالأخص ضمن "قوة الواجب المشتركة 152" التي تأسست برعاية أمريكية بالتنسيق مع الصين والهند لمراقبة حركة العبور في خليج عدن والسواحل الصومالية، وهو ما ساهم في وجود البحرية الصينية للمرة الأولى في المنطقة وصولا إلى تأسيس القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة بالخارج في جيبوتي عام 2017، بجوار قواعد عسكرية أخرى أمريكية ويابانية وفرنسية وإيطالية.

هذا ما جعل المنطقة لاحقا من نقاط التنافس الصيني الأمريكي على الهيمنة العالمية، فيما تسعى روسيا من جانبها لتأسيس قاعدة بحرية في بورسودان، وهو ما حظي بموافقة أولية من الخرطوم، بينما تعترض على ذلك واشنطن وأوروبا.
  • البُعد الإقليمي
يُصنف البحر الأحمر كأحد أبرز بؤر تهريب الأسلحة والبشر، وبحسب تقارير الأمم المتحدة المعنية بالصومال، فأن مصدر التسليح الخارجي في الصومال هو تجار الأسلحة في اليمن عبر النقل البحري.

أما إرتيريا التي يعاني فيها الشباب من التجنيد الإجباري المفتوح دون مدة محددة، فتعد إحدى منابع الهجرة غير النظامية، حيث يسافر العديد من المهاجرين عبر البحر الأحمر نحو اليمن والخليج.

فيما يخص الحرب في اليمن، فتمثل مياه البحر الأحمر وبحر العرب نقطة حيوية في نقل الإمدادات العسكرية من إيران إلى الحوثيين، كما نفذ الحوثيون خلال الفترة بين يناير 2018 ونهاية عام 2022 ما لا يقل عن 26 هجوما على السفن التجارية التابعة عادة لدول التحالف العربي، فضلا عن البنية التحتية للموانئ اليمنية الحكومية في البحر الأحمر.

فضلا عن أهمية البحر الأحمر وخليج عدن لإيران كبوابة نفوذ للملف اليمني، فقد حاولت طهران نقل بعض العتاد العسكري إلى غزة بواسطة البحر الأحمر، كما عززت وجودها البحري خلال العام الماضي بنشر 4 سفن عسكرية قرب مضيق باب المندب.

لمواجهة الأنشطة الإيرانية، نظمت الولايات المتحدة عام 2021 أول مناورة بحرية رباعية في البحر الأحمر بمشاركة البحرين وإسرائيل والإمارات، ثم أسست واشنطن "فرقة العمل الـ 59" التي تعمل في المنطقة الممتدة من قناة السويس إلى الخليج العربي، مرورا بالبحر الأحمر، وتشمل نشر 100 قارب مسير غير مأهول بهدف رصد عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، وعمليات تهريب النفط الإيراني خارج نطاق العقوبات الأمريكية، ثم عززت واشنطن ذلك في إبريل 2022 عبر تأسيس "قوة المهام المشتركة 153" بمشاركة نحو 34 دولة.

"قوة المهام المشتركة 153": هي القوة التي تهدف إلى مكافحة القرصنة وتهريب المخدرات والأسلحة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وقد تولت البحرية المصرية الإشراف على القوة المذكورة في ديسمبر الماضي، وهو ما دفع الحوثيين للتهديد على لسان وزير دفاع حكومتهم، محمد العاطفي، باتخاذ إجراءات عسكرية حال انتهاك سيادة الحدود البحرية اليمنية.

انخراط مصر في تلك القوة المشتركة يأتي بعد أن فقدت ريادتها في البحر الأحمر خلال السنوات الماضية مع انكماش دورها الإقليمي لصالح السعودية والإمارات وإيران، وذلك بعد أن كانت لها الكلمة العليا في البحر الأحمر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وصولا إلى إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية في حرب 1973.

ففي عام 2016 تنازلت القاهرة عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، مما حوّل خليج العقبة إلى ممر ملاحي دولي، وعزز من دور ميناء إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر، كما أسست السعودية في عام 2020 "مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" بعضوية 8 دول على أن تكون الرياض مقرا له، مما عكس إقرارا مصريا بنفوذ الرياض في المنطقة.

تلك التشابكات الدولية والإقليمية سابق ذكرها، تجعل مياه البحر الأحمر من بؤر التوتر، مع العلم بأن واحدا من كل 4 ضحايا للحروب على مستوى العالم في عام 2021 قُتل بإحدى دول البحر الأحمر، بحسب مشروع رصد بيانات النزاعات المسلحة.

لذا تحاول العديد من الأطراف تعزيز وجودها فيه أو بقربه، كما تتزايد ظاهرة بناء قواعد عسكرية بحرية بالقرب منه، مما سيحوّل المنطقة إلى ساحة مواجهة مباشرة في حال اندلاع قتال بين الدول الموجودة فيه مثل إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة والصين، فضلا عن دوره كأحد أبرز ممرات تهريب الأسلحة والمهاجرين غير النظاميين، مما يضغط على الأوضاع الداخلية في الدول المستقبلة لموجات الهجرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى