صفقة بوينغ ترسخ دعائم صناعة السياحة السعودية

> الرياض "الأيام" العرب

> ​تترقب سوق الطيران في منطقة الشرق الأوسط القدوم الكثير من الطائرات الجديدة إلى السعودية، في سياق توجه يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لجعل بلده مركزا سياحيا ووجهة جاذبة للزوار من مختلف بقاع العالم.

وصدر إعلان الثلاثاء الماضي بأن السعودية ستشتري 78 طائرة ركاب دريملاينر 787 من شركة بوينغ الأميركية، وأن لديها خيارات لشراء 43 أخرى. واعتبر رئيس الشركة التنفيذي ديفيد كالهون أن الصفقة كانت الأكبر من نوعها.

وستكون 39 طائرة للخطوط الجوية السعودية المملوكة للدولة، ومثلها لشركة طيران الرياض الجديدة منخفضة التكلفة، التي تم تأسيسها في وقت سابق هذا الشهر.

ولأن قيمة العقد كبير حيث يبلغ قرابة 37 مليار دولار، فإن الصفقة ستوفر مئات الآلاف من فرص العمل. ووفقا لمسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن فإنها ستدعم مليون وظيفة في الولايات المتحدة عبر 44 ولاية.

وكانت الصفقة قيد التنفيذ منذ ثلاث سنوات، لكن محللي مؤسسة عرب دايجست الاستشارية قالوا إن التوقيت لم يكن من قبيل الصدفة. فقد جاء بعد أيام على إعلان السعودية وإيران عودة العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع دام قرابة سبع سنوات.

وأشار هؤلاء المحللون إلى أن سبب هذا الإعلان هو القلق في واشنطن، بينما تبنّى الرئيس الصيني شي جين بينغ الفضل في تنظيم التقارب.

وتؤكد عملية الشراء تصميم الأمير محمد على إنشاء صناعة سياحية غير دينية. وتدعو رؤيته الطموحة للمجتمع المحلي واقتصاد أكبر منتج للنفط في العالم إلى توفير مليون وظيفة للمواطنين في هذا القطاع بحلول 2030.

وقال وزير السياحة أحمد الخطيب قبل فترة إن القطاع يحتاج لتحقيق ذلك إلى ضخ استثمارات تقدر بنحو 70 مليار دولار حتى 2023 وأكثر من 200 مليار دولار بحلول عام 2030 لسد الفجوة في المعروض.

وكانت الحكومة قد أطلقت صيف 2021 خطة لتحويل أكبر اقتصادي عربي إلى مركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية بحلول 2030، لجذب أكثر من 330 مليون مسافر سنويا والوصول بمستوى الشحن إلى 4.5 مليون طن من البضائع.

وتهدف الإستراتيجية إلى استثمار 133.3 مليار دولار، وهي جزء من سياسة اقتصادية لتوفير فرص عمل وتقليل الاعتماد على عائدات النفط.

وتضع هذه السياسة، التي تشترط الحكومة بموجبها أن تنقل الشركات مقارها الإقليمية إلى السعودية في منافسة مع الإمارات، إذ يتمثل نموذج الأعمال الرئيسي لشركة طيران الإمارات المملوكة لحكومة دبي في الطيران العابر.

ويملك صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) طيران الرياض. وهو يعمل بناء على رغبة الأمير محمد، الذي يقود ثورة استثمارية حيث ضخ مبالغ تقترب من تريليون دولار لدفع السعودية لتكون من أهم الوجهات السياحية العالمية.

وتضخمت خزائن الصندوق السيادي إلى أكثر من 620 مليار دولار مع تحقيق عملاق النفط أرامكو لأرباح قياسية بنهاية العام الماضي بلغت 161.1 مليار دولار، وهو رقم يقزّم 56 مليار دولار سجّلتها شركة إكسون موبيل و40 مليار دولار ربحتها شركة شل.

وكانت جزيرة سندالة الفاخرة من بين المشاريع البارزة في البحر الأحمر، وهي تندرج ضمن مشروع نيوم الذي تبلغ تكلفته نصف تريليون دولار.

وأعلن ولي العهد حينما أطلق هذا المشروع الواعد في ديسمبر الماضي أن الجزيرة مصممة لتكون منتجعا لقضاء العطلات وميناء ليخوت الأثرياء.

وقال إن سندالة “ستكون أول وجهة بحرية فاخرة ونوادي اليخوت على البحر الأحمر في نيوم، كما ستكون بوابة للسياحة العالمية في المنطقة، فهي تتميز بموقع فريد وطبيعة ساحرة تؤهلانها لأن تكون منصة للسياحة البحرية الفاخرة على مستوى العالم”.

كما يأمل الأمير محمد في تلبية احتياجات السياح الأقل ثراء باستخدام خدمات خطوط الطيران وسكك الحديد الجديدة منخفضة التكلفة، لجذبهم إلى مواقع تتسم بالجمال الطبيعي مثل العلا ومدينة القدية الترفيهية خارج الرياض.

كما تسنح تلك النظرة المستقبلية فرص تشجيع السياح المتدينين على البقاء لبضعة أيام والاستمتاع بعد أدائهم مناسك العمرة أو الحجّ الدينية.

لكن طموحات الحكومة السعودية تواجه عقبات، حيث يستمتع معظم السياح، وخاصة القادمين من الغرب، بالكحول في عطلاتهم.

وتقول عرب دايجست إنه “يمكن أن يكون للتخفيف من حظر الكحول حتى لو كانت للسائحين عواقب عميقة وطويلة المدى وغير مقصودة كما هو حال كل ما يقوم به الأمير محمد بسرعة فائقة في مجتمع محافظ لا يزال يحاول التكيف مع التغييرات العديدة التي أحدثها”.

لكن التحدي الأكبر يكمن في المنافسة، وخاصة مع دبي الرائدة بالفعل منذ أكثر من عقدين في قطاع السياحة، كما تشكّل الدوحة تحديا تنافسيا جديدا مع نجاح كأس العالم المُقام فيها.

واستقبلت دبي في العام الماضي أكثر من 14 مليون زائر، حيث انتعشت المدينة من قيود كوفيد، وشكّلت الأعداد زيادة قدرها 97 في المئة على أساس سنوي.

وساهمت المملكة المتحدة بأكثر من مليون سائح بينما احتلت الهند المركز الأول بنحو 1.8 مليون وسلطنة عمان المرتبة الثانية بحوالي 1.3 مليون زائر والسعودية المرتبة الثالثة بواقع 1.2 مليون سائح.

وتأمل السعودية في جذب عدد من هؤلاء، وهو ما يحتاج إلى سياح أجانب وإلى سياحة السعوديين الداخلية، لكن دبي لن تتخلى عن المرتبة الأولى بسهولة.

وأطلقت حكومة الإمارة قبل فترة حملة لزيادة عدد زوارها إلى 25 مليونا في غضون عامين فقط، وهو عدد قد يبدو بعيد المنال، ولكنه مقياس لشدّة السباق.

ويرى خبراء عرب دايجست أن التنافس على سوق السياحة الإقليمية والعالمية قد ينزلق بسهولة إلى حرب أسعار بين شركات الطيران المملوكة للدولة وغيرها من البدائل الزهيدة، مثل رايان أير الإيرلندية وإيزي جت وكلاهما منخفض التكلفة.

لكنهم أوضحوا في الوقت ذاته أن عمليات شراء طائرات بوينغ مكّنت ولي العهد السعودي من تصوير فطنة تجارية ودبلوماسية كانت محجوبة في العديد من القضايا الخلافية مع الولايات المتحدة، مثل تنظيم سوق النفط ضمن تحالف “أوبك+”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى