​السامريّ وصناعة العجل

>
غاب موسى -عليه السلام- عن قومه أربعين يوما، وكان بنو إسرائيل قد انتظروا عشرين يوما، وظنّوا أنّه لن يعود، فظهر رجلٌ منهم يُدعى السامريّ، وصنع لهم عجلا من الحليّ، وادّعى أنّه إلهُهم، وأنّ عليهم عبادته، ففُتِن القوم، وعبدوه من دون الله، ويُشار إلى أنّ هارون -عليه السلام- كان قد نهاهم عن ذلك، وأمرهم بالرجوع عن فِعلهم، وحثّهم على عبادة الله ربّ العالَمين، فلم يستجيبوا له، بل اشتدّ تمسُّكهم بعبادة العجل، فلمّا عاد موسى -عليه السلام- بما وعدهم، ووجدهم على حالهم، عاتبَ أخاه هارون -عليه السلام-، فأخبره أنّهم استضعفوه، وكادوا يقتلونه، فلم يقوَ على رَدعهم،ثمّ ذهب موسى إلى السامريّ، فسأله عن فِعلته، فكان ردّه أنّه يملك ما لا يملكه بنو إسرائيل من بصيرةٍ، فما كان من موسى -عليه السلام- إلّا أن حرَّقَ العجل، ونسفَ رماده نَسفا، وأخبره أنّ له عقوبة في الدُّنيا، وفي الآخرة، قال -تعالى-: ((قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ، وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ، وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا))، فلا إله إلّا الله وحده.

* غضب موسى وإلقاء الألواح
غضب موسى -عليه السلام- من قومه، بسبب اتِّخاذهم العجل إلها لهم -كما ذُكِر سابقا-، فلم يتمالك نفسه، وألقى الألواحَ التي اشتملت على أحكام الله وتشريعاته، غضبا وأَسَفا على قومه، وعلى الرغم من عدم تعمُّده ذلك، وعدم تسبُّب إلقائه إيّاها في أيّ أذىً لها، إلّا أنّ موسى -عليه السلام- دعا ربّه -سبحانه- مباشرةً أن يغفرَ له ولأخيه، وطلب منه الرحمةَ.

* موسى والبقرة الصفراء
قُتِل في بني إسرائيل رجلٌ غنيّ لم يكن له ولدٌ على يدٍ قريبٍ له، بهدف الحصول على الميراث، ثمّ أتى القاتل إلى موسى -عليه السلام- يخبره بموت قريبه، ويسأله أن يساعده في معرفة القاتل؛ ليقتصَّ منه، ولم يكن عند موسى -عليه السلام- عِلمٌ بشيءٍ؛ فجمع الناس وسألهم عن الأمر، فلم يكن أيّ أحدٍ منهم يعلم شيئاً، فأوحى الله -تعالى- إليه أن يأمر القومَ بذَبح بقرةٍ، لمعرفة القاتل، فاستغرب القوم، وأكثروا السؤال عن أوصافها، فبيَّن الله -تعالى- لهم أنّها بقرةٌ لا كبيرةٌ مُسِنّةٌ، ولا صغيرةٌ، بل مُتوسِّطة السنّ، ذات لون أصفر صافٍ لم تُتَّخَذ للعمل في الأرض أو السقاية، وهي خاليةٌ من العيوب، وليس في جسمها لونٌ آخر، فوجدوها بعد طول عناء، ولو أنّهم أطاعوا الأمر بذَبح بقرة، لأجزأهم ذلك، إلّا أنّهم بتشديدهم على أنفسهم، شدَّد الله عليهم، ثمّ ذبحوها، وضربوا الميّت بعظمها بأمرٍ من الله، ففعلوا، فأخبرهم الميّت عن قاتله؛ وهو قريبه، فأُخِذ وقُتِل، لسوء عَمَله.

قال -تعالى- في بيان ما سبق: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ* قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ* قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ* قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ* وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّـهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ* فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)). بقية القصة غدا أن شاء الله. "قصّة موسى مع الخَضر".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى