باحث حضرمي: حضرموت تعيش حالة استلاب واغتراب مركبة

> صالح البيضاني:

>
  • ​الثقافة الشعبية تترك الفرد في كهفه
سعيد الجريري شاعر وكاتب وباحث وأكاديمي حضرمي، يتعاطى مع السياسة من زاوية ثقافية، عمل أستاذا في جامعة حضرموت ورأس اتحاد الأدباء في المكلا لسنوات، قبل هجرته إلى خارج اليمن.

 أصدر الجريري في الآونة الأخيرة كتابا بعنوان "خارج الكهف" وهو الكتاب الذي يصفه في حديثه لـ"العرب" بأنه "تحريض بما يشبه الحلم بالخروج من الكهف برمزيته الثقافية، على مسافة منه، لرؤية ما لا يراه من هم داخله، في سياق رؤية شاملة للمجتمع في سكونياته المقدسة التي تعيق حركة التحولات في اتجاهات شتى، بدعاوى كهفية الملامح".

تسأل "العرب" الجريري هل كتابه يواجه السائد في المجتمع، يشتبك معه، يفكك سردياته؟ وهل يرى بأنه يحقق هدفه بهذه اللغة الأدبية الرفيعة التي لن تصل إلا إلى نخبة المجتمع؟ فيجيبنا "لعلي لا أراها رفيعة بمستوى ما يومئ إليه السؤال، ثم إن الحالة الكهفية لا تقع النخبة خارجها في الغالب، فهي مكبلة خائفة لا تجرؤ على الحركة".

ويضيف "النخبة المعوّل عليها الفعل لم يغادر جلها متوالية الكهفيات، أو هي تقف إزاءها مرتبكة، تميل غالبا إلى التورية والتكنية في خطابها، وإلى المخاتلة والمواربة في نشاطها”.

حمل كتاب "خارج الكهف" عنوانا فرعيا، يكشف إلى حد بعيد عن محتوى الكتاب ووجهته الفكرية، وهو "بعيدا عن سرير بروكست الحضرمي" نسأل الجريري هنا: لماذا حَضْرمْت بروكرست اليوناني، ألا يوجد في الميثولوجيا اليمنية أو العربية من يشبهه؟

  • الخروج من الكهف

يقول الجريري "حضرمته لأدخله الكهف، في إشارة إلى تغييب التفكير النقدي، ولأفتح نافذة على الميثولوجيا والفلسفة في مجتمع مازال يرى في الفلسفة هرطقة أو زندقة، في حين أن غيابها يطيل أمد المكث في الكهف. ولقد قصدت في وصف بروكرست بالحضرمي أن أستثير فضول القارئ هناك بالقفزة المجازية، وإن لم أستثره، فلن أعدم شبيها له في الميثولوجيا العربية، لكنه لن يؤدي الوظيفة المبتغاة".

ويقول الجريري في عتبة كتابه "خارج الكهف" إنه يعنى بالأدب لاسيما الشعر، ومحورية التراث لاسيما الأمثال والمقولات الشعبية. وحول اشتباك الكتاب هنا بالموروث الديني يقول "أحسب أنه على تماس مع الديني بشكل أو بآخر، ففي التراث والأمثال والمقولات الشعبية حمولات ذات بعد ديني بلا شك – وذاك ما لعلي واقف عليه في كتابات أخرى – لكنني كنت أكثر عناية في هذا الكتاب بالثقافة الشعبية بما هي المؤثر الأكثر فاعلية في تشكيل الوعي والذات، فالنسبة العليا من حيث التأثير هي للثقافة الشعبية، حتى ليمكن القول إن الفرد في كهفياته كائن من ثقافة شعبية".

نسأله إن كان المجتمع الحضرمي يمتلك باعتقاده خصوصيات ثقافية واجتماعية تجعله حالة متمايزة عن محيطه. فيجيب "للمجتمع الحضرمي خصوصيته الثقافية والاجتماعية وهويته أيضا، بحيث يشكل حالة متمايزة فعلا، على الأقل في ما له علاقة بقراءة هذا المجتمع من الداخل، بهدف الوعي بمكانيزماته الأساسية، وهو ما اشتغل عليه الرحالة الأجانب والمستشرقون والدوائر الاستخبارية ولاسيما الغربية منذ وقت مبكر، وظل بعيدا عن الاشتغال عليه من داخل المجتمع وخصوصيته المحلية متعددة الطبقات ثقافيا".

وعن أبرز التحولات التي شهدها المجتمع الحضرمي خلال العقود الماضية، وإلى أيّ مدى ألقت الحرب بظلالها على شخصية حضرموت، يضيف "لا يمكن الحديث هنا عن تحولات، بقدر ما يمكن القول إن هناك مؤثرات خارجية سياسية وثقافية ولاسيما دينية امتصت من طاقة المجتمع الحضرمي الإيجابية وأعاقته عن انسيابية تحوّله باتجاه الزمن الجديد بلا إعاقات. ولعله لذلك قد لا يفهم المراقب حالة الدوران حول الهوية التي مازالت تعبّر عن نفسها بتجليات شتى، تتجاوز الاجتماعي والثقافي إلى السياسي".

  • بيئة طاردة

تزخر حضرموت بأعلام الثقافة شعرا ونثرا والتأثير الحضرمي على صعد عديدة امتد إلى مناطق شاسعة في العالم، لكن يظل السؤال لماذا لا تشهد حضرموت ذاتها زخما ثقافيا يتناسب مع حجم هذا التأثير الخارجي؟ وعن ذلك يقول الجريري لـ"العرب"، "حضرموت منذ أمد بيئة طاردة، لأسباب عديدة، ولعل محاولة المراجعة التفكيكية تأتي في هذا السياق، لفهم الخلفيات العميقة".

ويتابع "لذلك كثيرا ما يحلّق الحضرمي في فضاء غير الفضاء المحلي، فلكل حضرمي حكايته مع الشتات، بحيث نجد أن حضارمة الشتات أو المهجر أكثر عددا من حضارمة الداخل، لكن علاقة التفاعل سلبا وإيجابا تظل قائمة وحاضرة بقوة. أما لماذا لا تشهد حضرموت ذاتها زخما ثقافيا يتناسب مع حجم هذا التأثير الخارجي؟ فلذلك أسبابه السياسية والاجتماعية والثقافية غير المنسجمة، فحضرموت تعيش حالة استلاب واغتراب مركبة، وهي من التحديات التي ينبغي أن تعنى بها الدراسات والبحوث، فضلا عن تحقيق حالة الرشد السياسي الغائب منذ عقود أو أمد أبعد".

وفي ذات السياق نسأل الجريري، الذي يعيش اليوم في هولندا، عن رؤيته للمجتمع الحضرمي من بعيد ومن منطقة محايدة ربما عاطفيا وثقافيا وهل رأى شيئا مختلفا؟ يقول "بابتعادي ازددت اقترابا، وبدت لي الأشياء أكثر وضوحا. ثم إن هناك زوايا نظر لم تكن متاحة لي من الداخل، وأزعم أنني منذ أن غدوت بعيدا دنوت من المشهد وتفاصيله والوعي به أكثر مما كنت عليه وأنا في العمق منه".

وتشهد حضرموت في الوقت الراهن ملامح صراع سياسي وربما عسكري، في الوقت الذي استطاعت الشخصية الحضرمية بما تمتلكه من "قوة ناعمة" و "براغماتية سياسية” تجاوز الكثير من عتبات الصراع على مر التاريخ الحديث والمعاصر، وعن ذلك وجهنا سؤالا للجريري هل مازالت تلك المقومات يمكن الرهان عليها اليوم في تجاوز هذا الصراع المرتقب؟

يقول "لعلّي لا أتفق مع منطوق السؤال، فالقوة الناعمة أو البراغماتية السياسية كانت انتهازية قوى هشة – كي لا أقول رخوة - تماهت أو انسحبت، ولم تواجه أو تصطدم، ولعل هناك من يزين لأولئك تلك الانتهازية والهشاشة بوصفها من المزايا، في حين هي على النقيض من ذلك". ويتابع "من يقرأ حضرموت في بنيتها العميقة عبر التاريخ يرى حضرموت أخرى غير هذه التي لا تليق بها في المشهد. لكن دعني أقل - تماشيا مع منطوق السؤال - إن أصداء العمق الثقافي والتاريخي مازالت من القوة بحيث تؤكد أن حضرموت ستنجو ولن تنزلق إلى ما يحيط بها من كمائن متعددة".

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى