​هل يستطيع «مؤتمر أبوراس» مواجهة الحوثيين؟

> "الأيام" سوث24:

> في  26 سبتمبر الجاري، أعلن زعيم جماعة الحوثيين المدعومة من إيران عبد الملك الحوثي بدء ما أطلق عليه اسم "مرحلة التغيير الجذري" في شمال اليمن. جاء ذلك خلال خطاب مصور للرجل بثته قناة "المسيرة"، بالتزامن مع الذكرى الـ 61 لثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بحكم آل حميد الدين [يشتركون مع الحوثيين في النسب] في شمال اليمن، ومع فعاليات "المولد النبوي" التي فرضها الحوثيون في مناطق سيطرتهم خلال الأعوام الأخيرة.

وفي 27 سبتمبر، ألقى الحوثي خطابًا رديفًا أعلن فيه اعتزامهم تشكيل حكومة جديدة في صنعاء أطلق عليها اسم "حكومة كفاءات"، والإطاحة بالحكومة الحالية التي يرأسها القيادي البارز في حزب المؤتمر عبد العزيز بن حبتور، والمؤلفة من الحوثيين بدرجة رئيسة وفصيل المؤتمر بقيادة صادق أبو رأس. لاحقًا في ذلك اليوم، أيد "مجلس الدفاع الوطني" التابع للحوثيين قرار التغيير الجذري، وأصدر بيانًا قال فيه:

"‏نعلن عبر المجلس السياسي الأعلى إقالة الحكومة الحالية برئاسة د. عبدالعزيز بن حبتور وتكليفها بتصريف الشؤون العامة العادية ما عدا التعيين والعزل".

حدثت هذه التطورات بعد أيام من عودة وفد الحوثيين المفاوض من الرياض السعودية، عقب محادثات سياسية مباشرة بين الطرفين دامت لأيام بوساطة من سلطنة عُمان. كما أنَّها جاءت بعد أسابيع من توتر كبير في العلاقة المبهمة بين الحوثيين من جهة، وفصيل حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء بقيادة صادق أبوراس من جهة أخرى، إثر تصريحات أدلى بها الأخير في الذكرى الـ 41 لتأسيس حزب المؤتمر.

وقادت الأحداث المتسارعة إلى تساؤلات ملحة حول نوايا الحوثيين خلال الفترة القادمة تجاه تحالفهم الشكلي مع المؤتمر، بعد انفراط عقد هذا التحالف بمقتل مؤسس الحزب الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح على يد مسلحين من الجماعة في ديسمبر 2018، وتحول ما تبقى من قادة الحزب إلى مسؤولين من الدرجة الثانية والثالثة في مناصب صورية بعيدة عن المهام الأمنية والعسكرية التي احتكرتها طبقة رفيعة من قبيلة الحوثي والقبائل المتصلة بها.
  • تصاعد الخلاف
في 3 سبتمبر الجاري، دعا محمد علي الحوثي، وهو قيادي من الصف الأول لدى جماعة الحوثيين، إلى مصادرة مقرات وممتلكات النظام السابق [نظام علي عبد الله صالح وحزب المؤتمر]، وممتلكات خصوم الحوثيين في معسكر الشرعية، في صنعاء ومدن الشمال الأخرى، وتحويلها إلى صندوق دعم المعلم.

جاء ذلك في خضم حملة إلكترونية واسعة للتنديد بعدم صرف مرتبات المعلمين وموظفي الخدمة المدنية في مناطق الحوثيين، وسط اتهامات تواجهها الجماعة باستثمار هذا الملف في المحادثات والمفاوضات السياسية مع السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عبر اشتراط تخصيص موارد النفط والغاز التي تقع في مناطق الحكومة لصرف المرتبات. على الرغم من الإيرادات الهائلة التي كسبها الحوثيون من ميناء الحديدة وقطاع الاتصالات مؤخرًا.

قبلها في 24 أغسطس، كان رئيس حزب المؤتمر في صنعاء صادق أبوراس، قد ألقى خطابًا وصف بـ "الجريء" تحدث فيه عن رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، وطالب بصرفها. وقال أبوراس: "من حق المواطنين التحدث عن قضية مرتباتهم. يجب أن ننظر إلى هذه القضية بعين الشفقة والرحمة بأن نوفّر لهم ما نستطيع. يجب أن نكون واقعيين.  يجب أن نعرف ميزانياتنا ومواردنا، يجب أن نعرض كل شيء أمام الشعب".

وانتقد أبوراس وضع حكومة صنعاء بقيادة رفيقه عبد العزيز بن حبتور، وقال إنَّها "لم تعد تؤدي واجباتها، بسبب عدم منحها الصلاحيات الكافية". وأشار رئيس المؤتمر إلى أنّ "إنشاء عدة هيئات في كل وزارة، جعل الوزير غير قادر على تحمل أي مسؤولية أو اتخاذ أي قرار".

ويعتقد الصحفي والمحلل السياسي اليمني سليمان المقرمي أنَّ تصاعد الخلاف بين المؤتمر والحوثيين ما هو إلا نتيجة لتصاعد الصراع بين أجنحة جماعة الحوثيين نفسها.

وأضاف لمركز "سوث24": "لقد ازدادت التوترات داخل الدوائر الحوثية الضيقة في صعدة مؤخرًا، بعد هزيمة الحوثيين عسكريًا في مأرب وشبوة، ومع طول أمد الهدنة السابقة والفشل الكارثي في إدارة مؤسسات الدولة. أدى ذلك إلى تفاقم الصراعات داخل الجماعة نفسها في محافظة صعدة. وأصبحت آثار هذا الصراع الداخلي واضحة في صنعاء بين المؤتمر والحوثيين".
هل يستطيع المؤتمر المواجهة؟

في 2 ديسمبر 2018، بدأ علي عبد الله صالح ما يشبه "الانتفاضة" ضد الحوثيين في صنعاء. انتهى ذلك بمقتله في 4 ديسمبر بشكل قاسٍ، وهو ما شكل ضربة قاصمة لحزب المؤتمر الذي تشارك مع الحوثيين كل شيء من المسدس إلى الدبابة في معسكرات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي كانت تتبع الرئيس صالح. في المحصلة، مثلت محاولة "الانقلاب داخل الانقلاب" أولى وأعنف تجربة فاشلة للمؤتمر في مجابهة الحوثيين، والأخيرة في نفس الوقت كما يعتقد كثيرون.

في الوقت الراهن، لم يعد لدى حزب المؤتمر أي سلطة أمنية أو عسكرية حقيقية قد تهدد الحوثيين، وهو ما يؤكده المحلل السياسي سلمان المقرمي. المقرمي الذي يرى أنَّ: "حزب المؤتمر لا يستطيع الوقوف في وجه الحوثيين، وهو لا يمتلك قوة عسكرية، لكنَّه يسعى للاختباء خلف الشرائح الشعبية، مثل الموظفين، والتجار، ومؤسسات الدولة. إنَّه يستثمر أيضًا غضب القبائل من الحوثيين، وهذا كل ما يستطيع الحزب فعله".

وبالفعل، بعد مقتل علي عبد الله صالح في ديسمبر 2018، أظهر الحوثيون في أكثر من مناسبة سطوتهم على فصيل المؤتمر الموجود في صنعاء. على سبيل المثال، داهم مسلحون من الجماعة منازل قيادات المؤتمر في صنعاء، وزجوا بكثيرين منهم في السجن على خلفية رفعهم صور علي عبد الله صالح أثناء احتفالهم بالذكرى الـ 39 لتأسيس حزب المؤتمر في أغسطس 2021. وتصدر الحوثيون المشهد العسكري والسياسي في صنعاء حتى أصبح يشار لهم في العادة منفردين.

لكن د. سلطان الجراش، وهو شخصية أكاديمية مقربة من قيادات في حزب المؤتمر، قال لمركز "سوث24" إنَّ مؤتمر صنعاء ليس ضعيفًا إلى هذا الحد. مضيفًا: "في ضوء التطورات السياسية الحالية، تحترم شراكة المؤتمر حرية التعبير وتدعم أي حوار بنّاء مع جميع الأطراف. تجري مراقبة التطورات القائمة ويتم التعاطي مع الأمور بحذر واعتدال". ولم يوضح الجراش مزيدًا من التفاصيل.

وكان مركز "سوث24" قد تواصل مع صادق أبوراس، زعيم مؤتمر صنعاء، وعضو المكتب السياسي للحوثيين علي القحوم لأخذ رأيهما في الموضوع، إلا أنَّنا لم نتلقَ ردًا حتى الآن.
  • علاقة مشوهة
عمليًا، كان من المفترض أن ينتهي تحالف الحوثيين والمؤتمر بمقتل علي عبد الله صالح وانفراد الحوثيين بالسلطة، وفقًا للخبراء، لكن استمرار فصيل صادق أبوراس في العمل مع الحوثيين أنتج "علاقة مشوهة" يصفها المحلل السياسي سليمان المقرمي بـ "علاقة الغالب والمغلوب". مضيفًا: "طبيعة هذه العلاقات والتحالفات تكون عبئًا شديدًا على الطرف الأضعف، لأن الحوثي باسم المؤتمر أو بمساعدة منه بشكل أو بآخر اقتحم عدة محافظات في وقت سابق.

نظرًا لضعف المؤتمر، يرجح المقرمي أن أي تصعيد من قبل الحزب قد يكون مدعومًا من أحد الأجنحة الحوثية القوية ضمن الصراع الداخلي في الجماعة. مضيفًا: " يبدو أن الاتجاه الحالي للمؤتمر مؤيد أو يتم دعمه من إحدى مجموعات الصراع الداخلي في جماعة الحوثي. كما يواجه المؤتمر تقسيمًا ومشاكل كبيرة ويخشى تفككه". ويعتقد المقرمي أن سنوات الحرب أفرزت تيارات قوية في صنعاء قادرة على مواجهة عبد الملك الحوثي والتغيير الجذري الذي أعلن عنه مؤخرًا.

ولفت المقرمي إلى حالة من القلق العميق تسود في أوساط مؤتمر صنعاء من المحادثات السياسية التي انفرد بها الحوثيون مع السعودية، وتلك المستقبلية مع الأطراف اليمنية الأخرى. مضيفًا: "المؤتمر يخشى بشدة من أن تؤدي أي تسوية إلى إزالته نهائيًا. هذا أمر وارد ومرجّح. بالإضافة إلى ذلك، منع الحوثيون أعضاء المؤتمر من لقاء وفود عُمان ومفاوضات مسقط وغيرها. والأصل أن المؤتمر شريك بمقدار النصف، لكن هذا موجود فقط نظريًا وليس عمليًا".

في كل الأحوال، إنه لمن المنطقي القول إن مؤتمر أبوراس لن يستطيع اليوم أن يفعل أكثر مما قام به علي عبد الله صالح في 2018، لكنَّ هذه الحقيقة لا تلغي تغير الظروف والمعطيات في الوقت الراهن، ودخول العامل الشعبي على الخط. خلال الأيام الماضية، تداول نشطاء مقاطع فيديو تظهر شبابًا يحملون أعلام الجمهورية اليمنية وسط قمع للحوثيين، وهو أمر نادر لم يكن مألوفًا منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014. 

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى