سياسي: قطر تستدير إلى المصالح الاقتصادية لتوفير تأثيرا سياسيا لها في مصر

> محمد أبوالفضل:

>
  • قطر تسعى لتدعيم تحالفاتها مع جهات إقليمية عدة لتحاشي تقزيم دورها
​تجنّبت مصر وقطر الخلافات السياسية منذ عودة العلاقات بينهما التي مهدت لها قمة العُلا الخليجية، وبدأ البلدان يركزان على تعزيز المصالح الاقتصادية من منطلقات مختلفة بدأت تؤتي ثمارها في التركيز على ملف الطاقة الذي يمثل أهمية حيوية لهما، فالدوحة أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم، والقاهرة تتحرك لتصبح مصدرا مهما له في المنطقة من خلال تطلعاتها الطموحة إلى الغاز في شرق البحر المتوسط.

تلاقت المصالح عند هذه النقطة، وأخذت ملامحها تتزايد مع تنامي التعاون بين مصر وشركة قطر للطاقة أخيرا، حيث منحت الأولى للثانية مجموعة من مناطق الامتياز للبحث والاستكشاف في البحرين الأحمر والمتوسط اللذين تطل عليهما البلاد، وهي تعلم أن الدوحة تتطلع إليها لأجل سد بعض الثغرات في الوصول إلى أوروبا عبر هذين البحرين بعد أن خسرت رهانها على أن يصب تدمير سوريا في صالحها.

أبدت مصر اهتماما ملحوظا بإشراك قطر في مشروعات الغاز الواعدة، لأنها عنصر رئيسي في هذا الفضاء ويمكن الاستفادة منها في توسيع نطاق الاستثمارات في مجالات أخرى، لأن مصر تواجه مأزقا اقتصاديا حادا تحتاج فيه إلى زيادة التدفقات المالية وتنويع الأطر التي تعمل من خلالها كي لا ترهن اقتصادها بجهة واحدة يمكن أن تخنقها إذا وقعت تطورات إقليمية طارئة أو حدثت تباينات تفضي إلى توتير علاقاتها مع دول خليجية أخرى.

ترى الكثير من الدول أن المصالح الاقتصادية تثني عن المضايقات السياسية، وهو ما ينطبق على حالة مصر وقطر، والتي يعتقد كل طرف أنها مناسبة له في الوقت الراهن لتعظيم الروابط وما تنطوي عليه من مصالح متشعبة يمكن الاستفادة منها في ظل التوازنات المتقلبة في المنطقة التي قد لا تصب في صالح القاهرة أو الدوحة.

دخلت السعودية كلاعب قوي في إحدى القضايا المركزية في تصورات العاصمتين وهي القضية الفلسطينية، فمع تدشين التطبيع بين الرياض وتل أبيب قريبا يمكن أن تحدث تحولات في المعادلة التي تلعب فيها كل من مصر وقطر دورا مهما، خاصة أن التطبيع المنتظر سوف تتداخل فيه السياسة والأمن مع الاقتصاد، ما يمكن أن يرخي بظلال سلبية على القاهرة والدوحة في خضم توجهات سعودية لا تريد مزاحمة عربية.

تبدو القاهرة مدفوعة نحو تطوير التعاون في مجال الطاقة مع الدوحة، ومع يقين قطر أن المؤسسة العسكرية في مصر راسخة وتقوم بدور بارز في المجال الاقتصادي سوف تتجاوب مع الرسائل القادمة إليها من القاهرة، ما يجعلها تتغاضى عن رفضها السابق التعامل مع النظام المصري، والرهان على أن تمتين العلاقات معه والجيش الذي يقف خلفه يضمن ديمومة مستقرة لمصالحها، خاصة مع يقينها أن ورقتها السياسية ممثلة في جماعة الإخوان انتهت عمليا.

أدركت الدوحة أن فرصتها العملية في مصر ضاعت مع سقوط حكم الإخوان منذ عشرة أعوام، وترسّخت هذه القناعة مع فشل كل محاولات عودة الجماعة إلى السلطة مرة أخرى قسرا، وفشل التدخلات والحملات القطرية في هز هياكل النظام المصري، وهي عوامل أسهمت بدور فاعل لركوب قطار المصالحة بين البلدين، ومهدت الطريق لعودة العلاقات وفتح صفحة جديدة أكثر سهولة.

تراجعت الملامح السياسية في هذه الصفحة، وربما اختفت من سياق التفاعلات المشتركة أو جرى تغييبها منعا لنكء جراح أو البحث في دفاتر لا تطيب للبلدين، ولم يكن تجاوزها سوى حلقة لتهيئة الأجواء أمام تطوير التعاون الاقتصادي والحفاظ عليه، والذي يمكن حدوث المزيد من التلاقي حوله وإيجاد قواسم مشتركة مهمة بينهما.

لا يخلو الاقتصاد على قاعدة التعاون في مجال الغاز وزيادة الاستثمارات القطرية في مصر من أهداف إقليمية خفية يمكن أن يكون التفاهم حولها أداة مريحة للبلدين، ولا تثير احتقانات أو أزمات، كما حدث بالنسبة إلى توظيف الدوحة لجماعة الإخوان والتيار الإسلامي عموما وتوفير وسائل عديدة للدعم الإعلامي، فالمنطقة مقبلة على تغيّرات كبيرة لم تظهر معالمها النهائية بعد، لكن مصر وقطر ربما يكون لأي منهما دور مؤثر وكبير في بعض مفاصلها.

يخفف توطيد المصالح بينهما عبر بوابة الاقتصاد من أي مضايقات إقليمية ودولية، وقد تجد من يساعد على فتحها، لأن شق الطاقة فيها له أولوية، وفي جزء منه يحمل رسالة طمأنة للدول الأوروبية، فالغاز القطري أو المصري سوف يصل جزء رئيسي منه إلى دول غربية، كما أن مشاركة إسرائيل معهما واردة، بما يضمن للقاهرة والدوحة مكانة في مضمار التحالفات، أو على الأقل منع تهميشهما.

تسعى قطر لتدعيم تحالفاتها مع جهات إقليمية عدة لتحاشي تقزيم دورها، فكما حافظت على علاقات قوية مع كل من إيران وتركيا، تريد أن تكسب مصر أيضا، ما يجعل علاقاتها القوية مع دول هذا المثلث تقوض جانبا من المنغصات السياسية والأمنية المتوقعة، ناهيك عن علاقاتها الجيدة مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدد كبير من الدول الكبرى في الشرق والغرب.

عندما فقدت الدوحة ورقة الإخوان، استدارت إلى شبكة المصالح الاقتصادية التي يمكن أن تربطها بالقاهرة وتوفر لها تأثيرا سياسيا بديلا في مصر، كبر أم صغر، لكنها في النهاية تضمن روابط تستطيع توظيفها، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم في القاهرة، وهو الدرس الذي استفادته من خسارة الإخوان للسلطة سريعا من دون أن تقذف بورقتها بعيدا عنها، لأنها ورقة ضمن أوراق وليست الورقة الأساسية.

تضع مصر عينيها على قطر من الناحية الاقتصادية بعد يقينها بصعوبة التقاطع سياسيا معها، إذ تلبي المصالح حاجة ملحة لدى القاهرة يمكن أن تساعدها في أزمتها، والاستفادة من خبرات الدوحة في مجال الطاقة، والغاز خصوصا الذي برعت فيه السنوات الماضية، ولم تبارح خطوطه الحالية والافتراضية، الأمر الذي دخلت عليه مصر عندما بدأت ثروتها الغازية تتزايد وتمتلك فرصا واعدة مع الزخم الظاهر في منطقة شرق البحر المتوسط التي انتبهت لها القاهرة مبكرا بتشكيل منتدى الغاز.

ضمنت القاهرة عدم مناكفة الدوحة لها سياسيا، لأن محاور المصالح التي تقوم عليها العلاقات الجديدة بينهما لا تتحمل مجازفة لخسارتها بسبب الانحياز لجماعة أو تيار متطرف، فهي مرتبطة بتطلعات على صلة وثيقة بالمستقبل وما يمكن أن يحدث فيه من تشابكات إقليمية ودولية سوف تكون الطاقة جزءا من حلقاتها التي يصعب تجاهلها.

وأدت الحرب الروسية - الأوكرانية إلى تداعيات خطيرة لها علاقة بالغاز ومصادره وخطوطه والمرسومة له من قبل بعض القوى، وفرضت على الدول المعنية به التوجه نحو عقد تحالفات قوية لضمان استمرار مكاسبها في المستقبل.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى