أما آن الأوان لوقف نزيف الدم بين أبناء الصبيحة

> الصبيحة موئل الشجاعة ما في ذلك شك ولا ريب، قياسًا بما قدموه من تضحيات عمادها الدماء الزكية والمهج الغالية في سبيل الوطن مذ أن فطن الإنسان أن هناك وطنًا يفتدى بالغالي والنفيس.

ولا أزكي أحدًا على أحد فالكل في وطني كانت له صولات وجولات إذا حمت ساعة الفداء، دفاعًا عن الحياض المقدس ، ولكن إقدام الصبيحة يعنون له بقصب السبق قبل أن يفيق النائم من نعاسه، فكانوا الكتيبة المتقدمة للدفاع عن الوطن لعاملين اثنين:

1/ وجودهم على نقاط التماس من كرش و حتى باب المندب، كالأسد تحمي غابها دون انتظار المدد من (الدولة أو سواها) أتى هذا المدد باكرًا أو متأخرًا أو لم يأت.

2/ والأسد حامية الغاب لها ناب وظفر. والصبيحي يخرج من بطن أمه مفطورًا على القتال والشجاعة والإقدام. ولذا حاول البعض فل الحديد بالحديد، ضرب الصبيحي بالصبيحي، والناتج - كما نعلم - إضعاف الاثنين معًا. ولكن الثارات المهلكة للحرث والنسل في الصبيحة ليست أحاجي وألغاز لا يمكن حلها فك طلاسمها متى وجدت الإرادة الحقيقية لحلها.

حيث كان بمقدور دولة الاستقلال الوطني عام 1967م و على عرش حكمها لفترة قصيرة، صبيحي هو الشهيد قحطان محمد الشعبي، و محركها بفكر القومية العربية الشهيد فيصل عبداللطيف الشعبي ومن جاء بعدهما، استطاعت هذه الدولة نزع فتيل الاحتراب الداخلي بين الآباء والأبناء والأحفاد وذلك بحضور طاغٍ للدولة، بما فيها من منظومة قانونية إلى تلك الربوع الطيبة، وبما أنها هي الحكم والفيصل في شتى أمور الحياة.

ولكن هذه الصورة ليست مثالية تمامًا أو صورة بانورامية، و ما كانت لتعطي حلولًا جذرية لبيئة عاصفة بالاستقرار، إذ لم تسع دولة الاستقلال إلى إعادة بناء وتأهيل المجتمعات الصبيحية وخاصة في العمق الصبيحي والنتواءات الجبلية القصية، ولم تدخل المدنية بتفاصيلها الحياتية لتحل محل المجتمعات الفقيرة، الغارقة في منظومتها المتوارثة، عن طريق البنية التحتية وإعادة بناء الإنسان بالتعليم و التأهيل والعمل وإشاعة الحياة المدنية، وإطفاء جذوة الثأر التي ظلت كامنة تحت رماد الحالة الثورية الجديدة، والتي سرعان ما نفخت فيها رياح دولة الوحدة، وألقت أطراف الحكم فيها الثقل كله لتبني هذه القبيلة أو تلك ضد هذه القبيلة أو تلك، وضخ المال والسلاح دون تقتير ودون وازعٍ من ضمير أو دين.

مشكلة الصبيحي ليست داخلية فقط، وإنما استثمار الحالة الداخلية من طرف خارجي أو أطراف يعلمون طبيعة هذه الأرض جيدًا طبوغرافيًا، ويعلمون من يدب عليها ديموغرافيًا، وما في باطنها جيولوجيًا، لتكون منطقة الصبيحة مستقبلًا إحدى بوابات الملاحة العالمية وحارسة على ممراتها، وليس ببعيد عنها طريق الحرير، إن لم يكن مارًا فيها والأعين الخفية والظاهرة على (السقية) ميناء المستقبل ولكن بعد تهيئة الظروف الأمنية والاجتماعية لذلك، ومن ذلك ومن أجل ذلك إدخال الصبيحة في عاصفة من الصراعات العنيفة والثارات والقتل مما يضعف الجميع، و يهيئ لقوة أخرى، ربما تكون خارجية، للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية وإعادة صياغتها من جديد بعيدًا عن أبنائها. وما يحدث اليوم من سيناريوهات مزعجة من الاقتتال وتقطع وزهق أرواح وترميل الزوجات وإفجاع الأمهات وتيتيم الأطفال ونزع الابتسامة من الشفاه، بل وتشويه سمعة الصبيحي بأفعال ما كانت تخطر ببال، من تقطع واستحواذ على أراضي الغير، وترويع للمارين من نفر محدود جدًا من الصبيحة، يخرج بنا عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وحتى الأعراف والتقاليد والعادات المتعارف عليها ويخدم السيناريو الخفي ذاته.

وهو تفجير الحالة الصبيحية من الداخل، تمهيدًا للسيطرة على منطقة الساحل وباب المندب واستغلال الثروات تحت باطن الأرض والتي لا نعلم عنها شيئًا ويعلم (الآخر) عنها كل شيء.

في الواقع إن هناك قوة وطنية كامنة داخل أبناء الصبيحة أنفسهم بإمكانها أن تجهض وتفشل المؤامرة التي تحاك ضد أهلنا هناك.

وقد رأينا مساعي الخير التي يقوم بها اللواء البطل محمود أحمد سالم، والأخ المناضل أحمد عبدالله المجيدي، والقائد الشجاع حمدي شكري، واللواء أحمد عبدالله التركي، واللواء عبدالغني السروري، واللواء محمود صائل، والشيخ جلال عبدالقوي شاهر، وقادة آخرون ومشايخ ووجهاء الصبيحة الذين نكن لهم كل احترام وتقدير، ويؤسفني عدم ذكر أسمائهم اعتمادًا على الذاكرة الآن، ممن يستطيعون فعلًا إحراز تقدم، بلم الشمل وتضميد الجراح و إيقاف نزيف الدم.

وما أفرزته تلك المساعي من اتفاقات بين الإخوة الأعداء مثل الاتفاق القبلي بين الصميتة و العطويين، بجهود رعاها العميد حمدي شكري.

وكذا الصلح بين قبيلتي الشماية والبريمة بنفس الرعاية الكريمة من أقطاب الصبيحة، والذي تم في منزل اللواء محمود أحمد سالم في منطقة عزافة، وأدى إلى نزع فتيل المواجهة بين الجارين، وإن عكر صفو هذا الصلح، ما حدث بعده مباشرة في قرية القاضي حسن، من قتل مؤسف لأبناء الخليفة من أبناء العطيرة، وكان بالإمكان تجنبه خاصة في بلدة تعتبر (حوطة) يحرم فيها الثأر كما جرت الأعراف والتقاليد والعادات القبلية، وقد اعتبر أبناء قرية القاضي ما حدث في منطقتهم عيبًا أسودًا.

ستجري الأمور هكذا صراع بين الخير والشر، وكلما حقق المخلصون من رجالات الصبيحة تقدما في إيقاف الاحتراب الداخلي، كلما ازدادت المؤامرات لتفتيت النسيج الاجتماعي للمنطقة، عرفت بأنها صمام الأمان للوطن قديمًا وحديثًا.

ولكن للخير صولته النهائية بالنصر على الشر. حيث يتطلع كل محب للوطن إلى استثمار الحالة الإيجابية التي أحدثها خروج البطل محمود الصبيحي من سجنه وعودته إلى عرينه، لكي يتم التفاهم على تشكيل مجلس قبلي للصبيحة، بتمثيل الكل من أجل الكل، ووضع ميثاق شرف ينظم الحالة القبلية، وكيفية معالجة المشاكل المتأصلة أو الطارئة، ودفع الدولة حتى في وضعها الراهن لمساندة الكيان التوافقي القادم ماديًا ومعنويًا، وتكفلها بدفع الديات وتبعاتها وضخ حزمة مساعدات استثنائية، في مجالات التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والطرقات..الخ، و استيعاب الشباب للعمل في مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسة الجيش والأمن، وعدم ركن هؤلاء الشباب على رصيف البطالة لتتلقفهم قوى الشر.

سلام على هذه الأرض وأهلها ولا نامت أعين الجبناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى