تحليل: أزمة اليمن تبتعد عن مسار السلام وتتحول إلى مواجهة مع الغرب

> «الأيام» غرفة الأخبار

>
​أكد تقرير نشره أمس مركز للدراسات الاستراتيجية أن جهود السلام في اليمن أصبحت أبعد ما يكون عن التحقق بعد فتح الحوثيين جبهة صراع طويلة الأمد مع الغرب ساحتها البحر الأحمر.

وقال مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية إنه قبل ستة أشهر فقط، كان الترقّب بقمّة أوجه لتمَخُّض المحادثات بين ‎السعودية وجماعة الحوثيين عن صفقة سلام، لا سيما بعد أن أصبحت الخطوط العريضة والنقاط الأساسية للصفقة واضحة للأطراف في معسكر الحكومة واللاعبين الخارجيين المعنيين بالأزمة اليمنية. ورغم اعتراضات أطراف عدّة على شروط الصفقة، لكنها فُرضت كأمر واقع.

وأضاف التقرير:"شكّك أعضاء المجلس الرئاسي في نوايا ‎الحوثيين واستعدادهم لتشارك السلطة معهم وتشكيل حكومة موحدة، وبأن مبادراتهم لا تتعدى كونها ظاهرية. من جهته، خشي ‎المجلس الانتقالي الجنوبي من إسقاط حق تقرير المصير في مناطق اليمن الجنوبي سابقًا من أجندة التسوية، ومن جهة أخرى، سَاوَر الولايات المتحدة - التي كانت تضغط على السعودية منذ عام 2021 لإنهاء حربها في اليمن - قلق من تسرّع ‎الرياض لإبرام صفقة قد تصب في مصلحة إيران. لا طرف من الأطراف المعنية كان راضيًا عن سير المحادثات بين السعودية والحوثيين، لكن المسار كان واضحًا بما يكفي للمُضيّ فيه قُدمًا".

وأكد أن "التهدئة وحالة خفض التصعيد وخارطة الطريق السعودية اكتسبت زخمًا خاصًا، ولقيت ترحيبًا واضحًا من المواطنين العاديين ممن وجدوا في هذا الهدوء النسبي مُتنفّسا بعد سنوات من الصراع المُدمّر، مستفيدين من سلسلة من الهدنات الرسمية وغير الرسمية بدأت منذ أبريل 2022. رغم استمرار التوترات في بعض الجبهات، سهّلت المحادثات السعودية - الحوثية إعادة فتح ‎مطار صنعاء وتخفيف القيود الدولية على موانئ الحديدة، مما ساهم نسبيًا في التخفيف من وطأة الظروف الضاغطة على سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ولد الضغط ‎السعودي من جهة والضغط الشعبي من جهة أخرى شعورًا بحتمية الاستمرار في تلك المحادثات، على الرغم من التصعيد الحوثي على عدة جبهات. وبدا واضحًا أنه لا يوجد سبب قد يصرف السعوديين عن عزمهم تأمين ‎الحد الجنوبي وحماية أجندتهم التنموية الطموحة".

وأردف قائلًا:"تغير كل هذا منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، وما أعقبها من مواجهة بين القوى الغربية وجماعة الحوثيين بسبب هجماتهم على السفن واستهدافهم حركة الملاحة في ‎البحر الأحمر. ساد جوّ من القلق والخوف المتزايد في مناطق سيطرة الجماعة عقب حملات القمع التي شنتها السلطات الحوثية ضد معارضيها، فضلًا عن تدهور الظروف الاقتصادية بسبب تجنب السفن التجارية لموانئ ‎الحديدة.

من المرجح أن تصبح التداعيات السلبية لإعادة الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين كـ "كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص" محسوسة في الأسابيع القليلة المقبلة، في ظل تراجع التحويلات المالية المتدفقة إلى صنعاء، وهو ما سيُلحق أضرارًا بالغة بالشركات والمنظمات الإغاثية. هذا ولا يخفى الوضع الإنساني المتدهور في اليمن حيث يحتاج 18.2 مليون شخص إلى مساعدات وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وسط كل هذه الأحداث الصعبة، بدأ قادة عسكريون في الحكومة الشرعية مناورات سياسية لنيل دعم الولايات المتحدة في مواجهة قوات الحوثيين".

ومضى التقرير موضحًا:"من المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا وقتامة، وسط ترقّب معجزة تُنهي الحرب في غزة. تتعرض إدارة الرئيس بايدن لضغوط من الكونغرس ‎الأمريكي لتشديد تصنيف جماعة الحوثيين كـ "منظمة إرهابية أجنبية"، وهو ما قد يُجمّد تمامًا التدفقات المالية إلى البلاد في حال اعتماده. حاليًا، تدرس الإدارة الأمريكية تكثيف دعمها للتشكيلات العسكرية المنضوية تحت معسكر الحكومة الشرعية عبر التسليح المباشر للفصائل المناهضة للحوثيين، وأبرز الأطراف المرشحة لتلقي الدعم الأمريكي هي قوات المقاومة الوطنية أوألوية العمالقة المتمركزة في ساحل البحر الأحمر أوقوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. وفي حال آتت هذه السياسة أُكُلها، تبرز حاجة لمعالجة الخلل الجوهري في ميزان القوة العسكرية بين الحوثيين والحكومة الشرعية، فأيّ دعم لطرف بعَيْنه لن يَخدم سوى كحلّ مؤقت وسيُعمّق الانقسامات داخل معسكر الحكومة على المدى الطويل.

على مدى السنوات العشر الماضية، تمكّن الحوثيون من استغلال تلك الانقسامات والتنافس القائم بين الفصائل السياسية في معسكر الحكومة لتعزيز سطوتهم وتوسيع قاعدة نفوذهم، وسَيَسْهُل عليهم فعل الأمر ذاته مُجددًا في وقت قد تُزهق فيه أرواح مزيد من المدنيين في حال تصعيد الحرب مرة أخرى".

ولفت التقرير إلى أن أسوأ ما في الأمر هو افتقار الجهات الفاعلة - سواء الإقليمية أو الدولية - لخطة خروج من هذا المأزق، لا سيما أن لدى الحوثيين طُول نَفَس لمواصلة تنفيذ هجمات في البحر الأحمر، بل ويهددون باستهداف السفن في بحر العرب بعد أن غيّرت مسارها صوب رأس الرجاء الصالح.

من جهتها، تستعد الولايات المتحدة لهذا السيناريو الصعب عبر دراسة خُطط عسكرية ومالية للردّ على أي تصعيد حوثي، رُغم أن المبعوث الأمريكي جدّد مؤخرًا عرض الإدارة الامريكية برفع اسم الجماعة من قائمة الكيانات المصنفة كإرهابية في حال أوقفت هجماتها في البحر الأحمر. في غضون ذلك، يواجه اليمن تهديدات حقيقية جرّاء مغامرات الحوثيين وتشبّثهم بِتوجّهاتهم الأيديولوجية. في ظل الوضع الراهن، بات من الصعب التفاؤل بإعادة إحياء المفاوضات السعودية - الحوثية في المستقبل المنظور، وتبخرت الآمال في تنفيذ مجموعة من التدابير كانت مطروحة ضمن المسار التفاوضي (قبل توقفه) كَدفع رواتب موظفي القطاع العام بشكل منتظم، وإنعاش الاقتصاد المحلي، واستئناف صادرات النفط والغاز.

في ظل هذا المشهد القاتم، تتمثل إحدى أكبر المخاطر بهذه الفترة في أن تبدأ أهم الجهات الفاعلة الدولية بالنظر إلى اليمن كمشكلة أمنية في المقام الأول، وأن تُهمل جهود بناء السلام التي كانت قد بدأت تُحقّق مكاسب إيجابية على الأرض، كَمُبادرات لإعادة فتح الطُرق، والدعوة إلى حوار سياسي قائم على مبدأ الشمول، وإطلاق سراح المعتقلين، وتهدئة الحرب الاقتصادية، ودعم نشاط المجتمع المدني اليمني وغير ذلك من المبادرات المُشجّعة.

وبالتخلي عن هذه المكاسب التي تحقّقت تدريجيًا - حتى إن بدت غير مُهمة لصانعي القرار الدوليين - يتزايد خطر تفاقم التهديدات الأمنية التي كانت تؤرّق المجتمع الدولي أساسًا.

وأختتم التقرير بالتأكيد بأنه "لتجنب هذا السيناريو، تبرز الحاجة الماسة إلى تبني نَهْج استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار كيفية إعادة توازن القوى في اليمن، كَحجر أساس لعملية سلام هادفة، مع أهمية وضع الظروف الاقتصادية والإنسانية غير المستقرة في صدارة أي أجندات وسياسات قد تُعتمد بشأن اليمن. كما يجب توجيه الدعم الدولي لليمن بصورة تضمن تعزيز موقف الحكومة المركزية، عوضًا عن دعم أطراف بعَيْنها، وفي هذا السياق، يُمكن التركيز بشكل رئيسي على مجالات مُعينة كَمكافحة الفساد، وتعزيز تلاحم القوات العسكرية التابعة للحكومة، وتوفير الدعم الاقتصادي. يتعيّن على واشنطن بالتحديد، مقاومة الأصوات المطالبة بفرض مزيد من العقوبات، والتي من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية وتؤثر سلبًا على المواطنين العاديين أكثر من تأثيرها على الحوثيين. بِشَكل يدعو للقلق، بات هدف الحوثيين الأساسي يتضح شيئًا فشيئًا، ألا وهو السعي لمواجهة أكبر مع القوى الغربية قد تستمر لأمد غير معلوم، وبالتالي لم يعد الأمر يقتصر على دعم أهل غزة والشعب الفلسطيني. من هنا، يتعيّن على الحوثيين التأمل في عواقب أفعالهم على الشرائح الفقيرة التي يحكمونها في مناطق سيطرتهم. من أجل مستقبل ومصلحة ‎اليمن واليمنيين: ليس هذا الوقت المناسب لتصعيد جديد".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى